◄كلنا يعيش معنى ارتكازياً للسعادة، وشعوراً لاهباً بالحاجة إليها، وهي تضع من نفس كل إنسان موقع الأمنية الأولى والأكثر قيمة والأعز شأناً: لأنها الغاية من كل ما يتمناه ويطمح إليه وما انشداده إلى أهدافه التفصيلية إلا من منطلق تصديقه بأدائها إلى سعادته. ومن وجد ما كان له أن يخطئها، كيف وهي تملأ عليه وجدانه وتفعم شعوره وتمور بها نفسه وجوداً قائماً حاضراً عنده في الذات؟! وقد خلق الله تبارك وتعالى الناس للسعادة لا للشقاء، وللهناء لا للعذاب، (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ...) (هود/ 117-118)، فللرحمة والسعادة، والهناء والنجاح كان خلق من مضى ويأتي من الناس، وهم منشدون من أعماقهم إلى هذا الهدف الفطري الذي قد يصيبون حقيقته الكبرى، وقد لا يصيبونه، وقد لا يتخذون ما هو لهم سبيل وان خادعهم الرأي الكاذب، والشعور المنحرف بأنّه كذلك.
ما هي السعادة؟ السعادة لغة خلاف الشقاوة، والسّعودة خلاف النحوسة. وإذا أردنا تعمقاً، فقد تطلق السعادة على حالة التوافق بين ما تشتهيه النفس وترغبه، وبين ما تعيشه وتجده من أوضاع مادية ومتطلبات جسدية، والشؤون القريبة منها كمواقع الاجتماع والسياسة والثناء عند الناس. وقد تطلق في مرتبة أرفع على الكمال الفعلي للذات الإنسانية في أبعادها المعنوية، وشعور الذات بهذه الفعلية من الكمال وهي على مراتب بين السعادتين: الرؤية الأولى للسعادة ذات مدى قريب تعطي تركيزاً على كماليات الحياة المادية وزينتها وألوانها ومرآئيها، وتنشدُّ إلى المنزل الفخم والأثاث الجذاب، والسيارة الأكثر شهرة ومتانة وحداثة، تهتم بصحة البدن وقوته، وعلى الموقع الاجتماعي المتقدم، والشهرة العريضة والمركز السياسي المتفوق، والحفاوة والتقدير، وحسن المنظار وجمال المرأى، واعتدال القوام، إلى ما لذلك من أولاد وأزواج وعشائر وأنصار وأتباع وأملاك وترف وبحبوحة عيش. وهذه الرؤية تستقطب من الناس أكثرهم، وتخلق في داخلهم سعار الشهوة للمادة إلى حد الجنون والصراع على المحدود من الكم المادي في الأرض حتى الإقتتال، وتفويض الأمن والسعادة بهذا المفهوم نفسه للناهب والمنهوب، ومن يَغلب أو يُغلب إذ الدنيا كلها لا تروي عطش مجذوب إليها، منكب على زينتها، ثمّ وهي بيده لا يأمن فواتها وأن أحدا لا يغلبه عليها، ولذلك يحرسها بكل ماله من حيلة، وبفكره وشعوره وكدِّ أعصابه، وتحسباته ومواجهته، فتستنزفه أكثر مما يستنزفها ويعطي من وجوده لحراستها أزيدها مما تعطيه، وربما كان صريع همها وضحية الحفاظ عليها، وكم يؤرقه في صراعه من دونها هاجس الخسارة، ويقض مضجعه خوف الفقر بعد الغنى، والذل بعد العز، والضعف بعد الظهور والمنعة، وأنّ الآخرين يستلبونه دنياه يسرقون مجده وعزه. ولذلك يناصب ويعادي، ويستعبد ويسترق، ويدخله حرصه على ما في يده والزيادة غير المتناهية في صراعات تكده وتحط بقواه. ويلفه منها القلق والاضطراب فيما يلف الآخرين بسببه. أمّا الرؤية الثانية فهي لا تركز على أشياء الخارج وإن كانت لا تلغيها ولا تتسمر عند الغنى المستعار، وإن كانت لا تهمله، وإنما هي تعطيه من عنايتها بمقدار ما تقوم به حياة الأشخاص والمجتمعات، تستلفتها الذات الإنسانية: داخلها ومحتواها ومكنونها في الأبعاد النورانية منها من روح وقلب وعقل وضمير، وتجد أنّ السعادة الحقيقية ليست تلك التي تنبني خارج الذات، وما يقيمه الإنسان على الأرض من وجود، وما يحتفظ به لنفسه من كنوزها من رصيد. السعادة في هذه الرؤية مستوى من الكمال والخير والهدى والنورانية والشفافية تتوفر عليه الذات ويحضرها في الشعور، ورؤية كونية عميقة واسعة صادقة ونضج عقلي وتفتح روحي، ورشد نفسي وطهر قلبي، ونية صالحة وصفاء ضمير في حالة من الإنشداد الكلي للكمال المطلق، والتعلق الوله المبتهج بالله العظيم، الرب الرحيم الكريم الحي الذي لا يموت. وهي غنى بالله عمن سواه، وأنس به لا تشوبه وحشة، وثقة فيه لا يضعفها حادث، ورضى به لا يمازجه سخط، هذا والكثير من مثله من مشاعر الأرواح الزاكيات، والقلوب الملهمات إذا أفعمت به الذات الإنسانية وجدت من لذة الحياة، وعذوبة الوجود، وسمو المعنى مما لا تبلغه الكلمة، ولا يحوم حوله الحرف ما يواقع بمكانة السعادة، ويسقيها من كأسها المترعة جمالاً وغبطة وحبوراً ما به رواء دائم، وبهجة لا تنقطع. والسعادة بهذا المعنى لها آفاق وآفاق، ولا تقف بها المديات إلا من خلال محدودية الإنسان، وما يمكن أن يصل إليه تحليقه وتبلغه انطلاقته التي لابدّ أن تكون محدودة بمحدوديته وإن اتسع لها إطار، وامتد منها مدى، وسما بها أفق. وبرغم أن بابها مفتوح للسائرين، إلا أنّ الحظوظ بالعروج إلى أقرب آفاقها قليل (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (يوسف/ 103). أما البالغ إلى بعيد من تلك الآفاق فهم في الناس صفوة أقل قليل (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (يوسف/ 106). ومن شأنها هذه النظرة إلى السعادة أن ترتفع بمن يعيشون عن الذوبان في صراعات الأرض وإن خاضوها من أجل الله، وتنقذهم من سباق على الدنيا لها لا تمكينا للحق من شأنه أن يجفف منابع الهدي في الإنسان، ويسد عليه مطالع النور. أصحاب هذه النظرة المتطهرون بنورها وهداها لا يموتون كما يموت أهل الدنيا المولعون بها، حشرات لا يزيدون على طين وتراب وروح هابطة متمرغة في الوحل مثقلة به لا يرف لها جناح، ولا أحجار متيبسة صلدة تجد مكانها في القعر مع وقود النار. إّما هم ما رحلوا من هذه الدنيا رحلوا إلى ربهم الكريم صالحين تقيين أبرارا، وملائكة عليين أطهارا، يعبون من كأس حياة أكمل وينطلقون مع فضاءات من جلال، وآفاق من جمال، لا تتناهى بها حدود ولا تنقطع بها نهايات. فوارق تفصيلية: وهذا بعض تفصيل بعد إجمال في فارق بين السعادتين: 1- تستمد النفس الشعور بالسعادة بالمعنى الأوّل من حجم أشياء تقع في يدها، وبريق لهذه الأشياء وتمكين من لذات جسد، ومطالب شهوات، ومن صفات بدن أو معنى تمتع بها الذات ولا تمنع على أهداف الحس ودوافعه أن تركبها إلى ما تريد، وتسخرها لما تحاول كجملة كثيرة من العلوم وقدرة في اللسان وجرأة في الموقف وشهرة في النسب، وذلك من خلال ما تعطيه هذه الصفات من تفوق في الموقع بين الناس في الحياة وظهور عليهم، وما تفتحه من فرص للإستمتاع الجسدي، وما تتيحه من غزارة في لذات الحس وشهوات البدن. بينما تستمد النفس الشعور بالسعادة بالمعنى الثاني من مستوى إنسانيتها، وفعلية كمالها وسموها، وصفات جمال وجلال معنويين فيها من حيث القيمة الذاتية لهذه الصفات والإستذواق لها في ذاتها وهذه صفات تحكم حركة الحس وتوجهها وتأبى طبيعتها العلوية أن تكون أداة بيد الحس يسخرها لإشباع نهمه وتلبية أطماعه. من هذه الصفات العدل، والرحمة والإحسان والخلو من الأحقاد والحرص والشح، وأعلاها المعرفة الحقة بالنفس والدنيا والآخرة، وفوق هذا كله معرفة الرب، والثقة به، والإطمئنان إليه والتعلق برحمته، والإنجذاب إلى جماله وجلاله. 2- إنّ كثيراً مما تنظر إليه النفس سر سعادتها بالنظرة الأولى أشياء تأتي اليوم وتفلت غداً، وكما تنتقل إلى شخص تنتقل منه. خذ لذلك مثلاً من الصحة والقوة وجمال المحيا والثروة والموقع والجاه وغيرها كثير، أما ما تعتمده النظرة الثانية من أسباب للسعادة فهي ألصق بالذات وأبعد عن العوادي ما أراد الإنسان وصدق تعلقه بالله وتوكله عليه. 3- الأولى إذا دامت ماتت بموت البدن، وكان في ذلك نهايتها، والثانية لافناء لها على الإطلاق ما أذن الله، حيث أنها سعادة روح، والروح باقية يتوفاها الله كاملة لتعيش في سعادة أو شقاء حسبما قدمت لنفسها في هذه الحياة، وما يذهب بالموت تراباً في التراب ويؤول أمره إلى تبعثر شديد فاحش إنما هو عمارة الأبدان. 4- لا تتم الأولى للنفس إلا حال غفلتها عن الحقائق والعواقب والتحولات والمصائر، وإلا فكيف تنعم نفس بشعور السعادة لمال أو أهل أو جمال أو صحة وقوة تلتفت إلى أنها مرغمة على خسارتها ولو من بعد حين وأنها مهددة فيها كل لحظة، وحتى اللَّذة البدنية الفعلية الغريزية التي تعطيها الممارسة لمشتهى من مشتهيات الطعام والشراب والجنس مثلاً لا يمكن أن تسعد لها نفس تبصر الحقيقة عند ذاك وتنتبه إلى ما يؤول إليه المأكل والمشرب، وما تمثله قمة الممارسة الجنسية ناحية حسية، وما يمكن أن ينتظر صاحب هذه اللَّذة من مستقبل مأساوي في نفس أو أهل أو مال، وما يترصده من مرض وعجز وموت وشدائد، وأين موقع السعادة في مواقع سياسية واجتماعية ربما كانت الباب للندم والعطب وأعظم الكوارث؟! أما الثانية فتقوم على أعلى درجات الصحوة والنباهة وحضور الوعي لحقائق الخلق والحياة والمصير، وبدايات الأشياء ونهاياتها وما تحولت اللحظة المرة تمر بها النفس في هذه الحياة إلى لحظة مستذوقة بما ينتهي إليه تحملها من عاقبة حميدة، وبما يعنيه هذا التحمل من ارتفاع بمستوى الذات وتأهلها للمقامات الرفيعة. 5- كثيراً ما يكون الطريق إلى الأولى خسيساً منحطاً يعتمد التدمير للآخرين ونهب سعادتهم، أما الثانية والطريق إليها شريف جليل معطاء ينشر الطيب والهدى والصلاح، ويطلب ما استطاع إثراء حياة الآخرين ووجودهم. 6- تتآكل الأولى وتنحدر بتقادم الأيام، وانحطاط قوى الجسد، بينما تشب الثانية وتترعرع على الأيام ما دام عقل وصحوة نفس وروح. 7- الباب الثانية مفتوح أمام إرادة الإنسان، أما الأولى فيكثر عليها التهارش حتى يستبد بها في الكثير ذوو الناب والظفر متصلبو الضمائر وموتى القلوب. 8- من يفقد السعادة بالمعنى الثاني يبقى شعوره بالنقص دائماً وإن تبذخت بيده الحياة، ونعم ملمسها من جانبها المادي في إحساسه، لأنّه لا يجد فيها الكفالة التامة والقدرة على درأ المحذور، ولأنّه كلّما وجد أن ما يملأ يديه من دنياه شيء غيره، وأنّه عظمة مفارقة، عاد إلى نفسه فلم يجد منها ما يثري ويعز بقيمتها، وبهذه الثقة والإطمئنان، وما يبقيه كبيراً في ذاته مفصولاً عما أقام خارجه من بناءات على أرض وفي فضاء، ومفصولاً عن بنية جسمه وفعالياته المرتبطة ببقاء هذه البنية وحاجات استمرارها. ففقد السمو الذاتي والسعادة المرتبطة به لا يعوض عن فراغاته الهائلة في الذات، ولا يسد النقص المترتب عليه، والجرعات الناتجة عنه في أعماق الشعور، كبير ما في يد الإنسان من متاع الحياة وزينتها وفتنتها، وكل ذلك لا يطامن من قلقه المستقبلي الذي يفرض نفسه عليه مهما حاول أن ينسى المستقبل أو يجحده من الأساس. بينما تعالج السعادة من سمو الذات باتصالها بمصدر العطاء الكثير من مشكلات الفقد المادي ومعاناته، فإن قليل المادة كثير في النظر الذي لا يركز على الشهوات، وإن درجة التحمل للنفوس التي ارتقت في ذاتها يصغر معها الكثير من الأزمات التي تثقل نفوساً من أهل التراب وكثير مما يعده أهل الأرض ضرورة، ويمثل فقده مشكلة حادة لا يراه من استغنى في نفسه شيئاً ليحس له بفقد إذا لم يكن. 9- الهمم التي يتطلبها طريق السعادة الثانية لا تساويها همم قد تبلغ بأصحابها مبالغ متقدمة من سعادة الأبدان فهي تتطلب دائماً همماً أكبر وعزائم أشد وأمضى وأكثر مداومة ومصايرة. 10- لم يعرف من أحد عُلِمَ بأنّه من أهل سعادة الذات أن قد ضحى بسعادته تلك النابعة من روحه وكمال ذاته من أجل سعادة يجدها بعض من خلال أشيائه ومقتنياته. وحينما تتم للروح سعادتها وتنفتح الفرص لسعادة الدنيا حسب النظر المألوف، تفقد هذه الفرص بريقها في نفوس الكمَّل وإن لم يكن تزاحم فلا تجدها تستهويهم، ولا تجد لهم بها أنسا، ولا منها عن أنفسهم بالله شاغلا، وأكثر من كونهم على ترفع وتنزه منها تجدهم في نفرة من الدنو منها واستيحاش، وعليك أن لا تفتقد الشاهد الناطق بذلك، وأمامك حياة الرسول الأعظم (ص)، وعليّ أمير المؤمنين (ع) اللذين كانت الدنيا تتمرغ على قدميهما الشريفتين فلم يجدا إلا أن يدوساها مشغولين عنها بعطاء وفير وغزير كبير هانئ من الله الحميد المجيد في الذاتين الكريمتين من صنعه البديع. 11- تأصل المعنى الأوّل للسعادة في النفوس مقوضاً للمجتمعات حيث أنّ الأرض لا تشبع نهم طامع في الدنيا باحث عن معناه من خلال أشيائها، فلابدّ من تصارع وتآمر وتقاتل بين الأفراد والجماعات والأقوام على أسباب المعاش والظهور والقوة والترف والبذخ إلا أن تقهر القوة وتسكت السطوة، ويكون هناك مستكبرون مترفون، ومستضعفون محرومون، فيسكن الصراع فترة في مذلة وفساد ليعود أخرى عند نقطة من التحوُّلات. 12- وتأصل المعنى للسعادة في النفوس بلا معاداة للدنيا قاعدة لبناء مجتمعات التعاون والتضامن والتكامل والإيثار، فنظافة النفس من مشاعر الحرص والشح بالدنيا وتحليها بالثقة والقناعة والرحمة، مما ينتجه سمو الذات، والتعويل على الله منبت للترفع عن سرقة جهود الناس وعطاء عرقهم للتبذخ من جهة، وللنهوض بحاجات المحتاجين ممن يمنعهم مانع من الكسب من جهة أخرى، وكم سيكون في الناتج العام الإقتصادي من فائض لو طلب الناس حد الكفاية لا الكفاف بلا ترف ولا سرف ولا إهدار للثروات بما يهدر الصحة والكرامة والأمن ويحطم الأخلاق، ويثير الفساد والرعب في الأرض. الإسلام والسعادة: الإسلام كلمة الله خالق الإنسان روحه وبدنه، فهو للروح والبدن، ولا بخس فيه لبدن كما لا بخس فيه لروح، ولا غفلة ولا إهمال منه لحاجة لهذا أو ذاك، ولا تضييع في منهجة الإسلام لبعد من أبعاد الإنسان، ولا تغييب لمقتضى من مقتضيات ذاته على أنّه لا يتوقع أن نجد متقدماً متأخراً في هذه المنهجة أو متأخراً مكانه متقدم. والإسلام في نظامه العبادي والأخلاقي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وكل أنظمته الأخرى الحكيمة الرصينة العادلة منظومة متناغمة متناسقة، تنشد إلى رؤية كونية دقيقة عليمة لولا دقتها واستيعابها وديمومتها لما كان للكون استمرار وانتظام. هذه المنظومة الرائعة المتلاقية تنتهي إلى تخريج حياتية ناجحة، ومستوى إنساني متفوق ليعش هناءة الحياة في بعدها الأرضي بأقصى ما تسمح به طبيعة الحياة على الأرض، وإن كانت تمثل دورة امتحان وجهد وجهاد ومكابدة أكثر مما تمثل دورة للنعيم وأجواء مفتوحة على الراحة والاستمتاع العريض، ويعيش هناءة الحياة ببعدها السماوي بأعلى درجة تطيقها قابلية الإنسان لأن يخطو في اتجاه الكمال. على أنّ الهدف الأسمى لمنظومة التكامل – الإسلام – هو أن ينشد بإنسان الأرض إلى السماء ويعطي قابليات روحه عروجاً إلى الله سبحانه رشداً بعد رشد ونقاءً إلى نقاء، طهراً فوقه طهراً، وشوقاً يتبعه شوق، ومعرفة تنضاف إليها معرفة، وتخلقاً في نماء بخلق الله العظيم ما وسع هذا الإنسان على محدوديته وتناهيه. وحينئذ ترى الذات الإنسانية نفسها وجوداً كريماً وعطاء ثراً من عطاء الله، وشعاعاً لآلاء من فيض نوره الذي لا يحد، فلا تقارب سوءا، ولا تتعاطى باطلاً، ولا تميل إلى ظلم أو فساد، ومن نظرها إلى أنّها قبسة نور من فيض الله العظيم تشرف وتطلب سمواً أكثر وتحليقاً أبعد. وتنوراً أكبر، فتشعلها رحلة الكمال عن الإسفاف والإسراف الإيغال في لذائذ الحيوان. ومن وعيها بكونها في هداها ومعرفتها وأشواقها الجليلة وطموحاتها النبيلة قبسة لا تنطفىء بالله ومدده تغني وتقي وترضي. نعم إذا كان أكثر من سعادة، وقبلنا أن تكون سعادة لبدن وسعادة لروح، فلا ريب أن سعادة البدن في الإسلام وسيلة، وسعادة الروح هدف، وما كان وسيلة وطريقاً يحافظ فيه دائماً على صفة طريقية دون أن ينقطع عنده النظر وتنتهي به المحاولة، ولنطالع رأي الإسلام في أمر السعادة للإنسان في كل من الكتاب والسُنَّة.► *كاتب من البحرين المصدر: مجلة الزهراء/ العدد الثاني لسنة 2003ممقالات ذات صلة
ارسال التعليق