هو الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) سادس الأئمة الأطهار من أهل البيت المعصومين (ع) الذين نص الرسول (ص) على خلافتهم من بعده. كان الإمام الصادق (ع) على جانب كبير من سموّ الأخلاق، فقد ملك القلوب، وجذب العواطف بهذه الظاهرة الكريمة التي كانت امتداداً لأخلاق جده رسول الله (ص) الذي سما على سائر النبيين بمعالي أخلاقه. ومن الصفات البارزة في الإمام (ع) الصبر وعدم الجزع على ما كان يلاقيه من عظيم المحن والخطوب.
لقد اهتمّ الإمام (ع) ببناء الجماعة الصالحة التي تتحمّل مسؤولية تجذير خط أهل البيت (ع) في الأُمة الإسلامية إلى جانب اهتمامه ببناء جامعة أهل البيت الإسلامية وتخريج العلماء في مختلف فنون المعرفة ولا سيما علماء الشريعة الذين يضمنون للأُمة سلامة مسيرتها على مدى المستقبل القريب والبعيد.
لقد شقّ الإمام الصادق (ع) العلوم بفكره الثاقب وبصره الدقيق، حتَّى ملأ الدنيا بعلومه، وهو القائل: «سلوني قبل أن تفقدوني فإنّه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي». ولم يقل أحد هذه الكلمة سوى جده الإمام أمير المؤمنين (ع). وأدلى (ع) بحديث أعرب فيه عن سعة علومه فقال: «والله إني لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره كأنه في كفي، فيه خبر السماء وخبر الأرض، وخبر ما كان، وخبر ما هو كائن، قال الله عزَّ وجلَّ: (فيه تبيان كلّ شيء). وقد كان من مظاهر سعة علمه أنه قد ارتوى من بحر علومه أربعة آلاف طالب وقد أشاعوا العلم والثقافة في جميع الحواضر الإسلامية ونشروا معالم الدين وأحكام الشريعة.
وهكذا، عاش الإمام الصادق (ع)، ومارس مهمّاته ومسؤولياته العلمية والعقائدية كإمام وأُستاذ وعالِم فذّ لا يُدانيه أحد من العلماء، ولا يُنافسه أُستاذ أو صاحب معرفة، فقد كان قمةً شامخةً ومجداً فريداً فجّر ينابيع المعرفة، وأفاض العلوم والمعارف على علماء عصره وأساتذة زمانه، فكانت أساساً وقاعدة علميّة وعقائدية متينة ثبّت عليها بناءُ الإسلام، واتّسعَت من حولها آفاقُه ومداراته.
وعلى الرغم من مُحاربة الحكّام الجائرين وكتّاب التأريخ الضالعين في ركابهم لطمس شخصية هذا الإمام العظيم، فإنّ شخصيّته كانت ولم تزل نجماً لامعاً في سماء الإسلام، ومصدراً غنيّاً من مصادره. فقد تلقّى الإمام الصادق (ع) العلوم والمعارف عن آبائه، عن جدّهم رسول الله (ص)، وقام بمهمّاته الشرعية كإمام مسؤول عن نشر الشريعة وحفظ أصالتها ونقائها، وقد ساهم مع أبيه الإمام الباقر (ع) في تأسيس جامعة أهل البيت (ع) في المسجد النبويّ الشريف، وقاما بنشر العلم والمعرفة، وبثّهما بين الفقهاء والمفسِّرين والمحدِّثين، وروّاد العلوم المختلفة، فكان العلماء ومشايخ العلم وروّاد المعرفة، يَفِدون عليهما وينهلون من موردهما العذب، حتى لم يُؤخذ عن أحد من أئمّة المسلمين من العلوم ومعارف الشريعة، كالتفسير والحديث والعقيدة والأخلاق... إلخ، كما أُخِذَ عن الإمامين الباقر وولده الصادق (ع)، فعليهما تتلمّذ أئمة الفقه، وعنهم أخذ رواة الحديث، وبهم استطال ظلّ العلم والمعرفة، لذلك نجدُ العلماء والفقهاء والمحدِّثين والفلاسفة والمتكلِّمين وعلماء الطبيعة وغيرهم يشهدون بمجد الإمام الصادق (ع) العلمي، ويشيدون بمقامه.
إنَّ الإمام الصّادق (ع) كان علماً كلّه، وكان روحاً كلّه، وكان الإنسان الَّذي عاش مع الله كأعمق وأرحب ما يعيشه إنسان مع ربّه، وكان يعيش مع الناس من موقع مسؤوليَّته عنهم، كان يريد للناس كلّهم أن يتفقّهوا في الدين، لأنهم إذا تفقّهوا في الدين استطاعوا أن يميّزوا بين الحق والباطل، فلا يخلطوا بينهما من خلال تضليل المضلّلين الذين يقدّمون لهم الباطل ببعض ملامح الحقّ، أو يقدّمون لهم الحق ببعض ملامح الباطل.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق