• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تواضع الإمام عليّ (ع)

تواضع الإمام عليّ (ع)

كان الإمام عليّ (ع) على جلالة قدره وسموّ مكانته وعظيم منزلته، المتواضع لله. وهذه بعض أدعيته التي كان يدعو الله بها، لنعرف كم يعيش عليّ (ع) التواضع في نفسه، فهو يقول: "اللّهمّ إنّك آنس الآنسين لأوليائك"، يا ربّ، عندما يستوحش أولياؤك في غربتهم الروحية كلّها، وعندما يعيشون في ظلمات الواقع، فإنّهم يتطلَّعون إليك ويأنسون بك، وربما يأنسون بمن يملك قربى منهم، ولكن لا أنس كالأنس بك ـ يا ربّ ـ لأنّك الفرح كلّه، ولأنّك السرور كلّه، فأية سعادة تفيض على أوليائك عندما تطلّ عليهم برحمتك وتؤنسهم بلطفك؟!

"وأحضرهم بالكفاية للمتوكّلين عليك"، وهم الذين يعيشون حضورك كما لا يعيشون حضور أحد، ويتحسَّسون كفايتك في كلّ ما أهمّهم، وفي كلّ ما احتاجوه من أمور الدنيا والآخرة. وفي الدعاء عن الإمام زين العابدين (ع): "يا مَن يكفي من كلّ شيءٍ ولا يكفي منه شيء"، فكيف يتصوَّرونك؟

"تشاهدهم في سرائرهم"، والسّرائر مغلقة في صدورهم، ولكنّهم يشعرون بأنّك تشاهد سرائرهم وأنت تشاهدهم في جميع وجودهم، "وتطّلع عليهم في ضمائرهم"، فيما يضمرونه، فيحسّون بحضورك في قلب السّريرة، ويحسّون برقابتك عليهم في حركة الضمير، "وتعلم مبلغ بصائرهم"، فيما يضمرونه من فكر، ولذلك يحذرون أن لا يكون فكرهم فكراً منحرفاً عمّا أردته لعبادتك من الحقيقة في الفكر، "فأسرارهم لك مكشوفة، وقلوبهم إليك ملهوفة"، لأنّ قلوبهم تعيش الحبّ، وما أشدّ لهفة الحبيب لحبيبه! "إن أوحشتهم الغربة"، فعاشوا في غربة الروح، أو غربة الوطن، أو غربة الأهل، "آنسهم ذكرك، وإن صبّت عليهم المصائب" من هنا وهناك، وكاد اليأس يزحف إليهم، وكاد السّقوط يطبق عليهم، "لجأوا إلى الاستجارة بك، علماً بأنّ أزمّة الأمور بيدك"، لأنّك تقدر على ما لا يقدر عليه غيرك، "ومصادرها عن قضائك"، وقضاؤك لا يجري إلّا بالخير لأوليائك.

"اللّهمّ إنّي فههت عن مسألتي"، فلم استطع أن أعبّر عمّا أسألك عنه، "أو عميت عن طلبتي"، فعشت في الحيرة التي تجعلني لا أعي جيِّداً، ولا أبصر ما أطلبه منك، "فدلّني على مصالحي"، اجعلني يا ربّ أدرك ما يصلحني، حتى لا أطلب منك شيئاً يمكن أن يفسدني، ووجِّه ـ يا ربّ ـ مطالبي، وأعط مسائلي، وعِ الحقّ كلّه، حتى لا أطلب منك إلّا ما يصلح أمري في ديني ودنياي، "وخذ بقلبي" عندما ينبض ويخفق بحبّ هذا وبغض ذاك، فلا تجعله يعيش فوضى العاطفة أو متاهات المشاعر والأحاسيس، ولكن ـ يا ربّ ـ أرشد قلبي حتى يحبّ الحبّ الذي ترضاه، وحتى يبغض البغض الذي ترضاه، "وخذ بقلبي إلى مراشدي، فليس ذلك بنكرٍ من هداياتك"، فأنت الذي تهدي عبادك كلّهم إلى الخير، "ولا ببدعٍ من كفايتك"، عندما تكفي عبادك ما يثقلهم في حياتهم.

"اللَّهمّ احملني على عفوك"، فلقد أخطأت ـ يا ربّ ـ في القيام بحقّك، والأولياء وهم يطيعون الله ويعبدونه ويحبّونه، يشعرون بالتقصير، ويطلبون من الله أن يعفو عنهم تقصيرهم من خلال طموحاتهم فيما يريدون أن يقوموا به من حقوق الله، ولا يستطيعون ذلك من خلال قدرة البشر، ولذلك، فإنّهم يطلبون عفواً لا عن ذنب، ولكن عفواً عن قصور في حركة الطموح: "ولا تحملني على عدلك يا ربّ".

ارسال التعليق

Top