• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

طفل ذكي ومتوازن.. إنّه الحبّ

طفل ذكي ومتوازن.. إنّه الحبّ

«حبّ الأب أعلى من الجبل، وحبّ الأُمّ أعمق من المحيط»... مقولة يابانية تختصر الكثير من المشاعر التي يكنّها الوالدان لأبنائهما، ومهما بذلا من جهد لتوفير كلّ ما يجعلهم سعداء، يبقى الحبّ هو الغذاء الأساسي الذي يُنشئ أبناء أصحّاء، يتمتعون بتوازن عاطفي وذكائي واجتماعي، فضلاً عن شعورهم الدائم بالتفاؤل، والنظرة الإيجابية إلى محيطهم.

وتشير كلّ الدراسات والأبحاث الطبية إلى أهميّة تلبية الحاجات العاطفية عند الأطفال، نظراً إلى أثرها الإيجابي في نمو الدماغ.

فجميع هذه الأبحاث العلمية تقود إلى النتائج نفسها، وهي أنّ العلاقة المثالية والمتعاطفة، والحامية، والمحبّة تتكشف شرطاً أساساً وأصيلاً للسماح للدماغ بأن يتطوّر على النحو الأمثل وبلورة المهارات الوجدانية، مثل التعبير عن المشاعر، والمَلكات الاجتماعية والفكرية، أي الذاكرة والتعلُّم والتفكير.

فما هي هذه الاحتياجات العاطفية الضرورية لكلّ طفل؟

الحاجة إلى الشعور بأنّه طفل محبوب

يحتاج الطفل إلى الشعور بالحبّ والاحترام وبأنّ والديه يفهمان مشاعره.. فكما يمنحانه الحبّ، ويحضنانه، ويعبّران له عن حبّهما، فهو في حاجة إلى أن يشعر بأنّهما مُدركان لاحتياجاته، ويهتمان لما يواجهه ويتفهّمان مشاعره وأنّهما حاضران لمساعدته للتعبير عنها بشكل مناسب.. فهو يحتاج إلى حبّ أهله اللامشروط، أي حبّه لما هو عليه، لا إلى ما يتوقّعانه منه. ولكن هل يكفي هذا ليشعر بالحبّ؟ بالطبع لا.

1- الحبّ يعني الثقة

كي يمتلئ الطفل بالحبّ يحتاج إلى شعوره بالثقة، التي هي أساس الحبّ والتي بدونها ينتاب الطفل بعض الشكوك في حبّ والديه، ويقول في نفسه: «كيف يحبّانني ولا يثقان بي؟». والثقة مفهوم عام له أبعاد عدّة:

الثقة الأساسية

وهي ثقة عميقة في جسمه، وتتغذى بلمسات الأهل واحتضان الطفل خلال عامه الأوّل. العناق، والقُبلات، والمداعبات التي تمنحه الشعور بالقوّة والحماية، فالشعور بالأمان الداخلي يتحقّق عند الطفل من خلال التواصل الجسدي مع والديه، مثل حمل الرضيع، والرضاعة الطبيعية، والتدليك... وأي اهتمام يعزّز الاتصال الجسدي بين الطفل ووالديه يزيد شعوره بالأمان الداخلي.. فثقة الطفل بنفسه والمحيط الذي يعيش فيه تُمنح أوّلاً من الوالدين.

الثقة بالآخر

تتعزّز الثقة بالآخر من خلال التيقن من أنّه سوف يلبي حاجتنا. وتُبنى هذه الثقة في الأسابيع الأولى من حياة الطفل، الذي يتوقع الحماية من الراشدين، أي أهله، فهو يتوقّع أن تستجيب له والدته عندما يشعر بالجوع، وأن تحضنه عندما يشعر بالانزعاج.

الثقة بنفسه

أي الثقة بمشاعره، وبتصوّراته وعواطفه. فمن 18 شهراً إلى سنتين، يدخل معظم الأطفال في مرحلة الـ«لا»، فيبدأ الطفل بالاعتراض، ويحاول تطوير شخصيته، ويريد أن يصبح شخصاً مستقلاً عن والديه، ويبحث عن تعريف لهُويّته: مَن أنا؟ وعندما يحترم الوالدان رغباته واحتياجاته ومشاعره واختياراته وأحكامه، فإنّهما يساهمان في بناء الطفل ثقته بنفسه.

وعندما يثق الطفل بنفسه فهذا يؤدِّي إلى ثقته بأحاسيسه وعواطفه وأفكاره وآرائه. وهذا يحتاج من الأهل أن يكونوا العين الساهرة التي تتيح له أن يكوّن شخصيته الخاصّة به والمختلفة عن الآخرين، لذا عليهم إرشاده الى كيفية احترامه جسمه، وهم بدورهم يحترمون جسمه بعدم تعنيفه أو ضربه، فيدرك حقوقه، وبالتالي يظهرون احترامهم لهذه الحقوق، ممّا يعزّز إدراك الطفل لكينونته المستقلة.

فمن حقّ الطفل أن يشعر بشكل مختلف، ومن حقّه أن يحبّ ما لا تحبّه والدته، والعكس صحيح. له الحقّ في أن يشعر بالغضب والحزن والخوف والفرح، وفي الحصول على احتياجاته والتعبير عنها، وفي تبنّي وجهات نظر مختلفة. وله الحقّ أيضاً في التفكير بشكل مختلف عن والديه، ولا سيّما حين يصبح في مرحلة المراهقة.

الثقة بأفكاره الخاصّة

الثقة بأفكاره الخاصّة، ولا سيّما إذا كان الابن في سن المراهقة. فهذه الثقة تسمح له بمقاومة النفوذ الاجتماعي، والتفكير بنفسه، وإعادة النظر في الأحكام المسبقة.

هذا النوع من الثقة بالنفس يتطلّب من الأهل أن يكونوا متسامحين مع ميله إلى الوحدة، أو المواجهة، وكذلك أن يكونوا متسامحين معه إذا ارتكب الأخطاء، خصوصاً إذا كانت غير مؤذية.

الثقة بقدراته

بدءاً من سن الثالثة أو الرابعة، يرغب الطفل في استكشاف العالم ويريد أن يفعل الأشياء بمفرده. ولبناء ثقته بمَلكته الإبداعية، ومهاراته وقدراته الذكائية، يحتاج الطفل إلى:

* السماح له بالاستكشاف، بلمس الأشياء، بأن يفشل، وأن يقع ثمّ ينهض مرّة أُخرى... أي السماح له بمواجهة كلّ الاحتمالات أثناء رحلة استكشافه الصغيرة.

* دعمه في مواجهة الصعاب. فمثلاً إذا كان متردّداً في تسلق الشجرة، يمكن الأُمّ أو الأب طمأنته لأنّه سيكون إلى جانبه، يراقبه في حال احتاج إلى مساعدة. وهنا يساعده على تبديد مخاوفه ولكن من دون دفعه بالقوّة.

* تشجيع واحترام إنتاجه، مثلاً الرسوم واللوحات...

* منحه بعض المسؤوليات وتركه يقوم بالمهمّات البسيطة مثل شراء الخبز وحده، واختيار الفواكه أثناء مرافقته والدته إلى السوبرماركت.

* احترام رأيه.

الثقة العلائقية Relational trust

الرفاق وبناء صداقات، والعلاقة مع الأقران والأشقاء، وزملاء الدراسة... يمكن أن تؤثّر بشكل كبير في الثقة العلائقية عند الأطفال. والطفل الذي يتعرّض للسخرية والرفض والإذلال من إخوته، أو من زملاء المدرسة، أو الطفل الذي ينفر منه الآخرين بسبب تصرّفه العنيف، يعاني صعوبة وتنتفي لديه الثقة العلائقية.

يمكن الوالدين مساعدة طفلهما في تعزيز الثقة العلائقية لديه، ويكون ذلك:

من طريق تعليمه التعرُّف إلى مشاعر الآخرين وعواطفهم. مثلاً كيف شعر صديقك عندما قلت له إنّك لا ترغب في رؤيته مجدّداً؟ تخيّل ما سيكون شعورك لو كنت في مكانه.

من خلال جعل الطفل يراقب كيف يمكن الآخرين القيام بأُمور لا يعرف هو كيفية تحقيقها... نبرة الصوت، وتعابير الوجه والإيماءات والكلمات.

من طريق تعليمه الألفاظ غير العنيفة للدفاع عن نفسه.

من طريق تسويغ حاجة كلّ طفل وخصوصيته. فلكلّ واحد من الإخوّة شخصيته الفريدة، ولا يجوز أن يتعامل الوالدان مع الجميع بالأسلوب نفسه. صحيح أنّ هناك قوانين عامّة تُفرض، وعلى جميع الأبناء الالتزام بها، ولكن تبقى لكلّ ابن شخصيته، ومن الطبيعي أن يختلفوا أثناء اللعب، هنا يكمن دور الأهل في تعليمهم كيف يتقبّلون آراء بعضهم المختلفة، وكيف يكون الحوار والنقاش هو سيِّد الحلول.

2- الحبّ يعني الشعور بأنّه موجود

الحاجة الأُولى للإنسان هي أن يشعر بأنّه موجود بالنسبة إلى الآخرين، لذا يحتاج الطفل إلى نظرة تقول له: «أنا أعرف أنّك موجود». فهو بحاجة إلى الكثير من الحضور والاهتمام.

لذا من الضروري أن يعرف أنّ أهله حاضرون للاستماع إليه، وأنّه مهم بالنسبة إليهم لما هو عليه، لا لما يتوقّعونه منه. «أنا أحبّك لأنّك موجود في حياتي»، «أحبّك سواء أكنت متفوّقاً في المدرسة أم لا».

الحبّ يعني الشعور بالقبول

الشعور بالانتماء والفائدة مهم جدّاً لنمو الطفل. فهو يحتاج إلى الشعور بأنّ وجوده مرغوب فيه، بل هو أمنية أهله وأنّ في إمكانه المشاركة في أي مهمّة في المنزل.

وعبارات الحبّ غير المشروط كفيلة بتلبية احتياجات الطفل العاطفية مثل:

    لديك مكانتك في هذه العائلة.

    نحن نحبّك كما أنت.

    وسوف أحبّك مهما فعلت.

    أحبّك...

وإظهار الأهل البراهين على حبّهم لطفلهم لا يعني أن يكونوا متساهلين أو متراخين في تربيتهم، فالقوانين المنزلية ثابتة ويجدر بالجميع التزامها، لأنّها الأساس في توفير الأمان في الحياة الأُسرية والصحّية... وعندما يخترق الطفل القانون المنزلي، من حقّه أن يتلقّى رسالة من أهله تذكّره بالقوانين المنزلية بشكل لائق: «أنا حزين»، «أشعر بخيبة أمل»، «أنا بحاجة...»، وليس الرسائل المهينة: «أنت غير قابل للإصلاح»، «يمكنك أن تفعل ذلك عن قصد»، «لا أعرف هذا الطفل؟»... يتطلّب الشرط أيضاً الاتصال الجسدي: حمل، عناق، مداعبات، قُبلات...

الحبّ شعور بالتقدير وتعزيز تقييم الطفل الذاتي

التقييم الذاتي لا يعني القول للطفل إنّ كلّ ما يقوم به رائع، والمعنى الحقيقي لتقدير الذات يستند إلى المهارات التي ينمّيها الطفل ويطوّرها، وحقيقة الإنجاز الذي يشعر بأنّه حقّقه. ويمكن الأهل استعمال عبارات التقدير بشكل مستمر ويومي، مثل «شكراً لك، كنت خير معين لي»... فهذه العبارات تشعره بالحبّ.

الحبّ يعني تلقّي المديح في الزمان والمكان المناسبين

المديح وسيلة رائعة عندما يكون محدّداً ووصفياً وحقيقياً. ويصبح المديح أكثر تأثيراً عندما يكون مرتبطاً بمجهود بذله الطفل، وليس فقط بنتيجة.

مثلاً عندما ينجح الطفل في الامتحان، من المهم أن تمدحه والدته على المجهود الذي بذله للنجاح في الامتحان، كأن تقول له: «برافو لأنّك بذلت مجهوداً لتنجح»، فهذه العبارة تساعد الطفل على تنمية عادات العمل الجيِّد.

ارسال التعليق

Top