• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

فوائد الإنطباع الإيجابي

نعيمة عبد الأمير آل حسن

فوائد الإنطباع الإيجابي
◄ما الفوائد الاجتماعية التي تستطيع إعطاءها أو تقديمها للآخرين؟ فهل تملك نقاط قوة معينة في هذا السياق؟ وهل لديك القدرة والقابلية لمنح الآخرين منحة التقدير؟ وهل تملك القدرة على بناء روابط تواصل اجتماعية حميمة مع الآخرين؟ فعندما ترى أيَّ شخص بحاجة إلى رفع معنوياته من خلال كلمات التشجيع والتحفيز والعبارات المفعمة بالحب والعاطفة، هل لديك القدرة على مساندته ودعمه؟ وهل لديك الإستعداد لإفادة وتنوير الآخرين عندما تكون لديك معلومة دينية وثقافية واجتماعية وسياسية.. إلخ، اطرح على نفسك تلك الأسئلة لتكتشف نقاط قوتك والملكات والخصائص التي تميز شخصيتك، وكيف يمكن أن يصف الآخرون مشاعرهم بعد التحدث معك؟ عندما تدخل على مجموعة ما وتكون طاقتك سلبية ونظراتك حادَّة وعباراتك التي توجهها إلى الآخرين قاسية وجارحة لمشاعرهم، وما إن يوجِّه إليك أحدهم سؤالاً فترد عليه بتعالٍ وتكبر، وإذا شاركت الآخرين في حديثهم لا تحكي إلا عن ذاتك وإنجازاتك فتستحوذ على الحديث دون أن تدرك، أن ذلك يترك انطباعاً سلبيّاً عنك عند الآخرين، مما يولِّد نفوراً وعدم ارتياح لوجودك، فاحذر من الوقوع في هذا الفخ، وأنظر إلى هذه الأمور، فإن كانت لديك إحدى هذه الصفات فحاول أن تتدارك نفسك بسرعة وتتخلص منها وتتدارك ما تركته من إنطباع سلبي عند الآخرين. دائماً، إستنتج الإنطباع الذي أعطيته للآخرين من خلال حديثك وسلوكك والمواضيع التي طرحتها مشاعرهم تجاهك، فهل تولد عندهم القبول والإرتياح؟، فإذا شعرت بعدم إرتياحهم فليكن هناك محاولة لتعديل الانطباع، ونقلة سريعة، إما بتغيير موضوع الحديث، أو بإعطاء الآخرين فرصة للتعبير عمّا بداخلهم حتى تستطيع تعديل الإنطباع السلبي، واجعل نفسك دائماً متميِّزاً وساعياً إلى إكتشاف مشاعر الآخرين تجاهك بعد التحدث معهم، ووجّه لنفسك هذه الأسئلة: (ما هي المشاعر التي تركتها لدى الآخرين عند تحدثي إليهم؟، هل تركت مشاعر إيجابية أم سلبية في حديثي وسلوكياتي وألفاظي وعباراتي؟)، واكتشف نفسك بنفسك، وابحث عن قدراتك ومهاراتك، واكتشف كذلك الآخر. هل هناك هباتٍ اجتماعية تميل إلى عدم منحها للآخرين، وما هي؟ فإنّه تواجه الإنسان أحياناً بعض الظروف القاسية التي يحتاج فيها إلى من يسانده ويدعمه، فهل أنت ممن يبادر إلى مساعدة الآخرين أم أنك ممن لديهم القابلية ولكنك لا تريد منحها للآخرين كنوع من البخل في العطاء؟ فكأن ترى شخصاً يتألم من المرض عند ذهابك للمستشفى، فلا تحاول أن تخفف عنه أو تواسيه بكلمة طيبة، وبالرغم من أنك تملك البراعة في الأسلوب والقابلية للانفتاح والتحدث مع الآخرين، أم أنك ترغب في المساعدة، إلا أنك لا تملك القدرة على مساندة الآخر، فأرضك غير خصبة لمساندة ودعم الآخرين، فالبعض يتعاطف مع الآخرين ويود مساعدتهم إلا أنّه لا يملك القدرة على ذلك فيقف كالعاجز الحائر في أمره. إنّ إنطباع الناس عنك يتكون بسرعة وبطريقة لا شعورية، وذلك لأنهم يضعون إفتراضات عنك بناءً على الأشياء المبدئية التي تقوله أو تفعله، وليس هذا فقط، بل يفترضون أن سلوكياتك الأولى هذه تعبر عن الطريقة التي تتصرف بها في معظم الأوقات، حتى وإن لم يكن هذا صحيحاً، وبذلك ربما ينسبون إليك صفات إيجابية أو سلبية حتى التي لم يلاحظوها في شخصيتك بالفعل، إذاً هذا هو الانطباع الأوّل الذي يكوِّنه الآخرون عنك. بطريقة مباشرة وصريحة وصادقة، هناك سِرٌّ يجعل الآخرين يأخذون إنطباعاً إيجابيّاً عنك، والسِّرُّ هو أن تركز على مشاعر الآخرين وخصوصاً تجاه أنفسهم، وتنقل هذا التركيز إلى الآخرين حتى تصبح قادراً على إشباع إحتياجاتهم بصورة أفضل، وتستطيع أن تعطي الآخرين منحة اجتماعية وجدانية، أي تعطيهم القدرة على التعبير والإفصاح عن المشاعر بصدق وتلقائية وبساطة دون مبالغة، ولاسيما في اللقاء الأوّل. إذا أردت إعطاء الآخرين انطباعاً بأنك تركز على إشباع مشاعرهم الوجدانية، فكُن صادقاً في التعبير عن مشاعرك، وعبَّر عنها للآخر بكل بساطة وتلقائية ودون مبالغة حتى لا يرتاب منك، فعندما تلتقي شخصاً ما وتعبِّر له عن مشاعرك تجاهه بكل قوة منذ اللقاء الأول فقد يُدْهَشُ ويظن أنك تحدِّث شخصاً يُشبهه، أو يشعر بارتياب منك، بينما لو عبرت له عن مشاعرك بكلمات جميلة وصادقة ومباشرة وفيها نوع من المديح غير المبالغ فيه، كالتعبير عن ارتياحك لوجوده معك، كأن تقول له: أنا سعيد بلقائك، أو تطرح عليه بعض الأسئلة المريحة، كل ذلك هو إشباع للعواطف والمشاعر؛ لأنك تعبِّر عما بداخلك بحس وجداني، والإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يحتاج ويأمل ويسعى إلى أن يشبع في هذا الجانب من الأشخاص المحيطين به، فعلى مستوى الأسرة والأصدقاء يحتاج الإنسان أن يُشبع عاطفيّاً، وكذلك على المستوى الاجتماعي يحتاج هذا الجانب المهم؛ وذلك لأن كل إنسان في هذه الحياة يطمح ويحب أن يكون محبوباً ومقبولاً من قِبَلِ الآخرين، وأنت عندما تعبر عن مشاعرك للآخر فإنك تشبع فيه هذه الحاجة العاطفية، وفي الوقت ذاته تكون لديك التغذية الراجعة، أي الاستجابة، ففي حال أشعرت الطرف الآخر بقبولك وإرتياحك له فبطبيعة الحال ستحصل منه على الإستجابة التي تتجلى في تعابير وجهه وعباراته اللفظية، وقد يردد ما قلته (أنا أيضاً سعيد بوجودك، وواقعاً عندما رأيتك شعرت وكأني أعرفك منذ زمن بعيد)، فهذه الاستجابة السريعة تسمى في علم البرمجة بالتغذية الراجعة، وبالتالي عندما تشبع الحاجات الوجدانية للآخرين في المقابل أنت كذلك ستُشبع من خلال التغذية الراجعة فتكون هناك مصلحة متبادلة، فكلاكما يمنح الآخر المنحة الاجتماعية الوجدانية. يستطيع الإنسان بناء علاقات اجتماعية قوية مع الآخرين من خلال إشباع حاجاتهم الوجدانية، لاسيما الأشخاص المقربين على مستوى الأسرة بالدرجة الأولى، وكذلك على المستوى الاجتماعي، فمهم جدّاً منح هذه الفئة وإشباعها وجدانيّاً، وتذكر دائماً أنّ العلاقات بين الأشخاص إنما تقوم على الإشباع المتبادل للإحتياجات والرغبات، وبذلك تكون الإنطباعات الأولى عنك تقوم على إشباع إحتياجات الآخرين، وذلك بأمرين:  

-        أوّلاً: إظهار تقديرك لسماتهم وخصائصهم الإيجابية: المُدرِّسة عندما تجد في إحدى الطالبات خصائص وملكات تميزها عن غيرها عليها أن تظهر تقديرها وإعجابها بتلك الخصائص والسمات الإيجابية لتلك الطالبة بصدق وشفافية ودون مبالغة، فتقول لها مثلاً: في الواقع أنا فخورة بكِ وسعيدة لكوني أدرِّس طالبة متميزة مثلك، وأتمنى أن تكون هذه الملكات في شخصيتي، وفي المقابل الطالبة كذلك ستُشبع في المدرسة هذا الجانب الذي أشبعته فيها وهو الحاجة إلى التقدير، وذلك بإبراز سمات وخصائص المدرسة فتقول: (أنا أيضاً رأيت فيك كذا وكذا..)، والآثار المترتبة على تقديرنا لسمات وخصائص الأشخاص: 1-    إعطاء الآخر هبة اجتماعية. 2-    إكتشاف سمات وملكات الآخرين. 3-    بناء علائق اجتماعية قوية. يغفل الإنسان أحياناً عن بعض ما يملكه من خصائص ومميزات، والآخرون هم من يكتشفون هذه الخصائص، فحينما تلتقي زهراء بفاطمة لأول مرة وتدرك خلال اللقاء إحدى خصائص شخصية فاطمة فتظهر تقديرها لها، هنا فاطمة عندما تكون غير مدركة لهذه السمة ستحرص على التمسك بهذه السمة لتكون عند حسن ظن زهراء، وتحاول أن تكون بهذه الصفات كلما إلتقت بزهراء؛ لأنها قدَّرت فيها خصائص وملكات، وأشعرتها بأنها تضيف لشخصيتها تميزاً عن الآخرين، فبالتالي تحرص أن تزداد تألقاً وإظهاراً لتلك الخصائص والملكات، فتُفعّل جوانب في شخصيتها لم تكن مدركة لها، وكل ذلك من خلال المنحة الاجتماعية، وهي إظهار التقدير لسمات وخصائص الأشخاص الإيجابية. كما ذكرنا سابقاً أن إشباع الإحتياجات عملية تبادلية، وكما قال الله تعالى: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) (الإسراء/ 7)، فالإنسان عندما يمنح الآخرين في المقابل يحصل على أضعاف ما منحهم، حيث يحصل على منح من هؤلاء الأشخاص، وعلى الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى، وما نتركه للآخرين من انطباع إيجابي يبني قاعدة قوية على مرِّ الزمن ويترك لنا الأثر الطيِّب في نفوس الآخرين.   -        ثانياً: إشعارهم بأن هناك أشياء مشتركة بينك وبينهم: في اللقاء الأوّل تكون القواسم المشتركة بين الأشخاص غامضة، وبمجرد تبادل أطراف الحديث تتضح بعض الجوانب المشتركة في الشخصية التي تؤدي إلى الانسجام، فكثيراً ما ننسجم مع الأشخاص الذين تجمعنا بهم صفة مشتركة، سواءً على المستوى الفكري أو الروحي أو الثقافي أو الوجداني.. إلخ.   -        قصة من أرض الواقع: تحدَّثت إحدى الخطيبات قائلة: بعد أن انتهيت من إلقاء الخطبة أتت إليَّ إحدى المستمعات تعبر عن مشاعرها وعن رأيها في الكلمة قائلة: إرتحت لك كثيراً وأعجبت بكِ كخطيبة بارعة، كلماتكِ تلامس القلوب والعقول، وما ذكرتِه في الكلمة أنا على قناعة به وأردده دائماً، فمن خلال الكلمة اكتشفت أن فكرك مشابه لفكري وينسجم معي، وبعد أن أنهت حديثها علّقت عليه قائلة: أنا سعيدة أن هناك شيئاً مشتركاً بيني وبينك، وأتمنى أن يتكرَّر اللقاء.

فهذا الموقف ترك إنطباعاً إيجابيّاً لدى الفتاة بأنها تستطيع بناء علاقة مع الخطيبة وبأنها في حالة انسجام وتوافق فكري معها.►

المصدر: كتاب (تعلم فنون التواصل وإدارة الضغوط)

ارسال التعليق

Top