عندما نلتقي بالإمام عليّ (عليه السلام)، فإنّنا نلتقي بالإسلام كلّه، لأنّ الإسلام تجسّد في الإمام عليّ (عليه السلام) فكراً وعلماً، لأنّه عاش الإسلام من خلال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلّ مفرداته، ولا نجد هناك صحابيّاً عاش مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ طفولته الأولى وهو في السنة الثانية من عمره، يضمّه إليه، ويكنفه في فراشه، ويمضغ اللقمة ويلقمه إيّاها، ويلقي إليه في كلّ يوم خلقاً من أخلاقه، وكان يتبعه اتّباع الفصيل إثر أُمّه، فانطبعت كلّ شخصيته الروحية بشخصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، في ذلك الجوّ الروحاني الذي كان يعيشه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع ربّه تأمّلاً وابتهالاً وعبادةً في وحدته التي ليس معه فيها أحد إلّا هذا الطفل الطاهر المنفتح على الله من خلال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ففي كلام له (عليه السلام) في عهده إلى مالك الأشتر يقول: «وأشعر قلبك الرحمة للرعيّة، والمحبّة لهم، واللُّطف بهم، ولا تكُونَنَّ عليهم سَبُعاً ضارياً، تغتنم أكلَهُم، فإنّهم صِنفانِ، إمّا أخ لك في الدِّين أو نظيرٌ في الخَلْقِ». بهذه الكلمات البليغة والمعبِّرة وغيرها.. أوضح الإمام عليّ (عليه السلام) أبعاد الرسالة الإسلامية التي جاء بها النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، لتكون ثورة تحرّر الفكر البشري من خرافات الجاهلية ومآسيها وقوانينها، وتوجّه الناس نحو طريق الخير والسعادة وبناء الذات والمجتمع المثالي ليكونوا خير أُمَّةٍ أُخرجت للناس، وليكون المؤمنون أخُوة، وكالجسد الواحد الذي كلّما اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى لا كما علَّمتهم الجاهلية بأن يقتل الإنسان أخاه الإنسان، أو يعتدي عليه وينهب أمواله.
فالمجتمع يتشكّل من هؤلاء الأفراد الذين هم سلسلة مترابطة الأجزاء لا تستغني فيها حلقة عن أُخرى، وتسود بينهم مجموعة من الأفكار والمعتقدات والأخلاق والطبائع توحّدهم وتجمعهم على أساس قوانين وحقوق وواجبات، ولا تفرّقهم الفتن والأهواء. ويرى الإمام عليّ (عليه السلام) أنّ من أقدس أهداف الإسلام وأسماها إيجاد هذه الروابط والعلاقات الاجتماعية، وبناء المجتمع البشري الصالح الذي يتحلَّى فيه الأفراد بروح الجماعة، والتخلي عن الذات وذوبانها في المجتمع. ورؤية الإمام عليّ (عليه السلام) تتجلَّى بوضوح في حديثه عن أسباب بعثة النبيّ الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يقول: «بعثه والناس ضلال في حيرةٍ، وحاطبون في فتنةٍ، قد استهوتهم الأهواء، واستزلّتهم الكبراء، واستخفتهم الجاهلية الجهلاء، حيارى في زلزالٍ من الأمر وبلاءٍ من الجهل، فبالغ (صلى الله عليه وآله وسلم) في النصيحة، ومضى على الطريقة، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة». وفي وصفه لحالة العرب الجاهلية وبعثة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «إنّ الله بعث محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) نذيراً للعالمين، وأميناً على التنزيل، وأنتم معشر العرب على شرِّ دين، وفي شرِّ دار، مُنِيخون بين حجارةِ خُشنٍ، وحيَّاتٍ صُمٍّ، تشربون الكَدرِ، وتأكلون الجَشِبَ، وتسفكون دماءكم، وتقطعون أرحامكم، الأصنام فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبةٌ».
إنّ الدراسة الواعية والدقيقة لكلّ تفاصيل الحياة التي عاشها الإمام عليّ (عليه السلام)، ولكل ما ورد من كلامه وخطبه في نهج البلاغة، تُظهر لنا كيف حدَّد الإمام (عليه السلام) معالم النظام الاجتماعي الإسلامي بأدقّ معانيه وتفاصيله والذي على أساسه تتحدَّد الروابط والعلاقات التي يجب أن تحكم علاقات البشر مع بعضهم البعض، حيث كانت أعماله وأقواله مثالاً رائعاً يُحتذى به في جميع الجوانب، وبالأخصّ من جهة المواصفات التي تميَّز بها الإمام (عليه السلام) في بَثّ روح الإخاء والمحبّة بين المسلمين، وحرصه على وحدة الصف والكلمة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق