أسرة
1- الإحسان إلى (المريض) في القرآن الكريم:
أ- إصطحابه إلى الطبيب أو المستشفى للعلاج:
قال تعالى في دعوة أيّوب (ع) للتداوي:
(ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) (ص/ 42).
ب- تصبيره ودعوته للتحمّل، وتأميله بالشفاء والعافية، وأنّ مرضه كفارة لذنوبه، وأنّه به يتذوّق طعم الصحّة فيشكر الله عليها، وأنّه سيخرج من أزمته الصحية بإذن الله مُعافى مُشافى: قال سبحانه في عبده أيّوب (ع) المُبتلى بالمرض:
(إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص/ 44).
ت- الدعاء له بالشفاء والعافية، وسؤال الله خالق العافية ورازقها أن يمنّ عليه وعلى جميع المرضى بالشفاء:
قال عزّ وجلّ في دعاء أيّوب (ع) عند مرضه:
(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (الأنبياء/ 83).
ث- إعفاؤه من المسؤوليات أو التكاليف التي كانت بعاتقه أيّام صحّته، وإجازته حتى يتماثل للشفاء ويستردّ عافيته:
قال جلّ جلاله: (وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) (الفتح/ 17).
2- الإحسان إلى (المريض) في الأحاديث والروايات:
أ- الدعاء للمريض، ودعاء المريض إلى نفسه:
قال رسول الله (ص): "سَلُوا الله العافية في الدنيا والآخرة".
ب- التداوي بما هو مُتاح من الدواء، فليسَ الدّعاءُ وحدهُ كافياً للشفاء من المرض، ولقد لاحظنا كيفَ أنّ الله دعا أيّوب (ع) أن يركض برجله إلى المُغتسَل والشراب، ولم يكتفِ منه بدعائه:
قال (ص): "إنّ الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكلِّ داءٍ دواء فتداووا، ولا تتداووا بحرام".
ت- تطييباً لخاطر المريض وتخفيفاً لعلّته، يُستحسَن تذكيره أنّ مرضه يحطّ من ذنوبه ويُكِّفر بعض سيّئاته:
فلقد عاد (زارَ) النبي (ص) (أمّ العلاء) وهي مريضة، فقال لها: "يا أُمّ العلاء، أبشِري، فإنّ مرض المسلم يُذهِب الله به خطاياه كما تُذهِب النارُ خُبث الحديث والفضّة".
وعنه (ص): "المريض تحاثُّ (تتساقط) خطاياه كما يتحاثّ ورق الشجر".
ث- إعفاءه من المهام التي كانت بذمّته أيّام صحّته، فلو مرض الخادم أو الموظّف أو العامِل أو مَن هو تحت يديك، فمن الإحسان له أن تجيزه (تعطيه إجازة) يستريح فيها ويسترجع فيها عافيته، ومن الإحسان إليه أن لا تقطع أجره في مرضه:
يقول الإمام موسى بن جعفر (ع): "إذا مرضَ المُؤمن أوحى الله عزّ وجلّ إلى صاحب الشمال (المَلَك المُوكّل بتسجيل الذنوب): لا تكتب على عبدي ما دامَ في حبسي ووثاقي ذنباً، ويوحي إلى صاحب اليمين (المَلَك المُوكّل بتسجيل الحسنات) أن أكتب لعبدي ما كنتَ تكتبه من صحّته من الحسنات"!
ج- تعليمه أنّ كتمان المرض وعدم الشكوى والشكر لله على كلِّ حال، هي من صفات المؤمن الصابر المُحتسِب:
قال (ص): "من كنوز البرّ: كتمان المصائب، والأمراض، والصدقة".
ووصفَ الإمام علي (ع) أخاً له في الله، بقوله: "وكان لا يشكو وجعاً إلا عند برئه". أي يقول كنتُ أعاني من مرض كذا، لكنّه لا يشتكي أثناء مرضه.
وفي الحديث القدسي: "مَن مرضَ ثلاثاً (ثلاثة أيّام) فلم يشكُ إلى أحدٍ من عوّاده، أبدلته لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه، فإن عافيته عافيته ولا ذنبَ له، وإن قبضته قبضته إلى رحمتي".
ح- أمّا الدعاء إلى الله وطلب العافية منه فليس شكوى، بل لعلّ من نِعَم الله على الإنسان المريض أن يكون مرضه فرصة لتوطيد العلاقة مع الله:
يقول الإمام علي (ع): "مَن كتمَ وجعاً أصابه ثلاثة أيّام عن الناس، وشكا إلى الله، كان حقّاً على الله أن يُعافيه منه".
ورُوي عن الإمام الصادق (ع) قوله: "ليست الشكّاة أن يقول الرجل: مرضتُ البارحة، أو وعكتُ البارحة، ولكنّ الشكاية أن يقول: بُليتُ بما لم يُبلَ بهِ أحد".
خ- زيارة المريض وعيادته، لأنّه ذلك ممّا يُخفِّف آلامه، ويحسِّسه تعاطف الآخرين معه، ويدخل برد العافية على نفسيّته التي تنعكس بدورها على صحته الجسديّة:
قال رسول الله (ص): "عائدُ المريض يخوضُ في الرّحمة".
وعنه (ص): "إنّ الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة: يابن آدم، مرضتَ فلم تعدني، قال: يا ربّ كيفَ أعودكَ وأنتَ ربّ العالمين؟! قال: أما علمتَ أنّ عبدي فلاناً مرضَ فلم تعده؟! أما علمتَ أنّكَ لو عدته لوجدتني عنده؟!".
د. الإلتزام بأدب العيادة، وهو تخفيف الزيارة لئلا تثقل على المريض الذي يحتاج إلى الراحة:
قال (ص): "خيرُ العِيادة أخفُّها".
وعنه (ص): "أعظمُ العيادة أجراً أخفّها". إلا أن يكون المريض يحبّ ذلك ويريده ويسأله فلا بأس.
ومنها العودة إلى زيارته إذا طاَل مرضه:
قال (ص): "أغبّوا في العِيادة وأربعوا". أي زر المريض بين حينٍ وآخر، كلّ أربعة أيام مرّة.
وأن تضع يدك على ذراعه دليل المواساة والتعاطف والرحمة به والشفقة عليه:
قال الإمام الصادق (ع): "تمامُ العيادة أن تضع يدَكَ على ذراعه".
وأن تهديه شيئاً يستريح إليه:
فلقد استقبل (ع) جماعة يريدون زيارة مريض، فقال لهم: "أين تريدون؟ فقالوا: نريدُ فلاناً نعوده. فقال: مع أحدكم تُفّاحة؟ أو سفرجلة؟ أو أترجّة؟ أو لعقة من طيبٍ، أو قطعة من عودِ بخور؟ فقالوا: ما معنا شيء من هذا؟ فقال: أما تعلمونَ أنّ المريض يستريح إلى كلِّ ما أدخل به عليه؟!".
3- الإحسان إلى (المريض) في الأدب:
يرى (المُتنبِّي) أنّ معالجة الحالة النفسية للمريض هي من الإحسان إليه، فيقول:
يقولُ ليَ الطبيبُ أكلتَ شيئاً **** وداؤُكَ في شَرابِكَ والطعامِ
وما في طبِّهِ أنِّي جَوادٌ **** أضرَّ بجسمهِ طولُ الجَمامِ
جواد: حصان. الجمام: الرّبط في مكان دون الحركة والنشاط والفاعليّة.
وكانت العرب تقول: "لكلِّ داءٍ دواء".
فمن الإحسان للمريض أن ندلّه على الدواء الشافي:
وكان أبو الطِّب (أبقراط) يقول: "كلُّ مرضٍ معروف السبب، موجود الشِّفاء".
ومن الإحسان إلى المريض تأميله بالشفاء والعافية حتى ولو كان مرضه صعباً ومُتعذِّر العلاج:
فلقد كان (الرازي) وهو خبير في الطبِّ، يقول: "ينبغي للطبيب أن يوهم المريض بالصحّة، ويُرجيه بها، وإن كان غير واثقٍ بذلك، لأنّ مراج الجسم تابع لمزاج النفس".
ومن الإحسان إلى المريض بدنيّاً، القول له: "صحّة الجسم في قلّةِ الطّعام"!
ومن الإحسان إلى المريض نفسيّاً، القول له: "صحّة النفس في قلّة الآثام"!
وفي فرنسا يُعلِّمون الناس هناك كيف يُحسِنون إلى صحّتهم، بقولهم، كما في أمثالهم: "حافظ على دفءِ رأسِكَ وقدميكَ، وسوفَ لن يتأذّى الباقي".
وفي كلِّ مكانٍ يقولون: "نم باكراً، وانهضْ باكراً، تكنْ مُعافى".
ويقول (أحمد أمين) وهو ينظر إلى الوجه الآخر للأمراض والمصائب: "المصائبُ نفسها لا تخلو من وجهٍ جميل، وناحية رائعة، فهي ليست قُبحاً صِرْفاً، ولا شَقاءً خالِصاً، بل كثيراً ما تكون بلسماً ودواءً، كما تكون جروحاً وداءً".
وكان (أبو تمّام) يستحضر قول الله تعالى في الفرج بعد الشدّة، فيقول:
وما من شدّةٍ إلّا سَيأتي **** لها من بعدِ شِدّتها رَخاءُ
وكان (ابن حزم الأندلسي) يقول: "كلّ مصيبةٍ تصيبني في مدرسة الدّهر ولا تقتلني، فهي قوّة جديدة لي".
ولعلّه اقتبسَ هذا المعنى من قول العرب قديماً: "كُلُّ ضَربةٍ لا تكسر الظهر تقوِّيه"!
4- برنامج الإحسان إلى (المريض):
1- المريض يعجز عن القيام بحاجاته الإعتيادية، فمن الإحسان إليه إعانته عليها.
2- أن تسهر على راحة المريض، فهو قد يحتاجكَ في كلِّ وقتٍ من نهار أو ليل، فإذا كنتَ مُمرِّضه أو معينه خفّفتَ من ألمه، وعجلّتَ من شفائه.
3- أن تلهج بالدّعاء له وأنتَ تسقيه الدّواء، أو أنتَ تلمس ذراعه، أو أنتَ تضع يدكَ على رأسه، أو أنتَ تنظر إليه بابتسامة حانية مشفوعة بالدعاء الحارّ.
4- أن تتردّد عليه في الزيارة بين حينٍ وآخر حتّى يشعر بصدق تعاطفكَ معه، وأن لا تزوره زيارةً يتيمة.
5- أن تزرع في نفسه الأمل، وأن تُقوِّي معنويّاته، وأن تروي له قصص الذين مرضوا أو أصيبوا من قبله وكيف تغلّبوا على مرضهم بالصبر والتحمّل والإنقطاع إلى الله.
6- أن توصي الطبيب والمُمرِّضين بالمزيد من العناية به، وأن توصي المؤمنين بالدعاء له حتى ممّن لا يعرفونه.
ارسال التعليق