• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

كما تفكر.. تحيا

باسمة يونس

كما تفكر.. تحيا

◄حينما تقدم شاب جيِّد لخطبتها، كانت ردة فعلها الأولى هي وعائلتها الدهشة والاستغراب، ورددت هي ومن حولها عبارة: أنّه أمر مفاجئ، لقد خُطبت إلى شاب ممتاز، مع أنّها لم تكن تلك الفتاة الجميلة والمحظوظة في العائلة، بينما تزوجت شقيقتها الأجمل شاباً أقل مستوى وكفاءة. واضطر الشاب إلى الانسحاب بعد أن لمس عدم اقتناع الفتاة بأنّه يريد خطبتها لأنّها ملائمة له.

وحينما تقدمت إحداهنّ إلى امتحان للحصول على وظيفة مهمة، قالت وهي تُهيئ نفسها لدخول قاعة الامتحان: من الواضح أنّ الوظيفة ستذهب إلى تلك الفتاة الأنيقة التي تتحدث عدة لغات ولديها شهادة في التخصص نفسه. ورسبت في امتحان القبول لأنّها لم تتمكن من الإجابة بسبب عدم اقتناعها بأنّها قادرة على الفوز بالوظيفة والتنافس عليها.

وحينما قضى الأصدقاء سهرة ممتعة وجميلة، وانتهوا إلى شعور طيب بالابتهاج والسعادة بعد انقطاعهم عن اللقاء لفترة طويلة، ودعوا بعضهم بعضاً وعلى ألسنتهم عبارة: اللّهمّ اكفنا شر هذه السعادة، فلم يعودا للقاء من جديد وكأنّ خشيتهم من فقدان السعادة بذلك اللقاء الموعود، قد أفقدتهم إياه بالفعل!

وفي أكثر من سيناريو قصصي، يدور حول إيمان الناس بأكاذيب تتداولها المجتمعات من دون أدلة على صحّتها، سوف نكتشف أنّ أكثر الأشياء تحطيماً للذات، وتدميراً للسعادة هي القصص الخاطئة والمعتقدات السلبية التي يزرعها المجتمع في عقولنا، فتتفشى أمام عيوننا مثل نقاط سوداء تؤثر تأثيراً سلبياً على مستقبلنا، وتغلفه بغشاوة ضبابية تحوّل مساره إلى الأسوأ.

والمعتقدات الخاطئة التي قد يعتنقها البعض، ويكبر عليها، تبدأ مثل تجارب شخصية، وتتحوّل إلى حقائق يسلم الناس بها، فتتغلغل في العقول وتنغرس مثل الجذور السامة، التي تنمو مع الأيام وتستعيد حيويتها كلما مرّ موقف مماثل لموقف سابق.

وترسم هذه المعتقدات للناس طرقاً خاطئة ومحددة، تجعلهم ينجذبون إليها لا إرادياً، وكأنهم يخشون الحياد عنها، لأنّهم تعلّموا أنّه لا شيء سيحدث كي يغير الواقع، ولأنّهم نشؤوا مؤمنين بأنّ الحقيقة هي التي اختبرها البعض منهم ذات يوم، ولن يحدث ما قد يجعل من الحظ السيِّئ حظاً جيِّداً.

ويحدث بسبب هذه الأفكار المسمومة والمعتقدات الخاطئة، أن تتحوّل كثير من العلاقات الجيِّدة، والأفكار الصحيحة، والتي بدأت بصورة ممتازة إلى العكس تماماً، فتنهار فجأة لأنّها بنيت على عدم ثقة، وتتساقط لأنّها كانت هشة وكأنها لم تبدأ، ثمّ تنحدر مؤشرات وعي الإنسان في هبوط سريع، فينتهي إلى عتمة الإيمان بهذه التجارب السلبية، بسبب تأثير هذه المعتقدات على العقول، وبسبب التزامنا بتأييدها وتأكيدها مراراً، فتحوّل إلى حكاية يتلوها العقل على الروح، ويشبعها إيماناً خاطئاً.

هذا ما يحدث حينما يخلط الناس بين الإيمان بحقائق واضحة ومصدقة، والاقتناع بتجارب شخصية حدثت ذات موقف ضمن زمن معين، ويزيدها تعزيز الإعلام وسعيه للتركيز عليها من خلال الدراما السلبية، فتحظى بدعم المجتمع اللامحدود!. ►

ارسال التعليق

Top