• ٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مساعدة الطفل على تطوير مهارة التركيز

مساعدة الطفل على تطوير مهارة التركيز
إن تنسيق المعلومات التي يتلقاها الطفل عن طريق السمع والبصر شرط أساسي من أجل تنظيم هذه المعلومات في ذهنه واستعمالها عند الحاجة. هكذا، يصبح التركيز بدوره شرطاً للنجاح في الحياة الأكاديمية والعملية. إنّ التركيز وظيفة إدراكية أساسية تلعب دوراً رئيسياً ومهماً في فهم الأمور واستيعابها. لذلك، إذا لم نكن نتحلى بقدر كافٍ من الانتباه والتركيز، فلن نستطيع تنظيم المعلومات التي نتلقاها عن طريق حواسنا. ومن هنا، تنبع ضرورة مساعدة الأُم طفلها على تطوير مهارة الانتباه في سن مبكرة، من الناحية المثالية، قبل بلوغه سن الثالثة. في حين تستطيع الأُم "تصحيح" عدم قدرة طفلها على التركيز ما بين السنتنين الثالثة والسادسة، وتستطيع مساعدته على تطوير مستوى محدد من التركيز بعد سن السادسة/ السابعة. ولكن من الصعب جدّاً فعل ذلك من عمر السادسة إلى العاشرة، ويكاد يكون مستحيلاً بعد هذا العمر.   لا تتدخلي: عندما يركز الطفل، فإنّه يصب كل اهتمامه وولعه على نشاط أو غرض معين دون سواه. لذا، عندما ترى الأُم طفلها في حالة تركيز عليها ألا تتدخل إطلاقاً، إلا في حالات الخطر، حتى لا تقطع عليه حبل تركيزه. بل عليها أن تقف صامتة وتراقبه وهو يستكشف وحده وتنتظر إلى أن يبحث عنها أو يناديها. يجب عدم الاستهانة بمهارات التركيز المتطورة. فقدرة الطفل على التركيز تؤثر في حياته في كل نواحيها. عندما يكون الطفل قادراً على التركيز، يصبح قادراً على ممارسة أي نشاط والقيام بأي عمل بسهولة أكثر. يصبح قادراً على: تقليب صفحات الكتاب وحده، اللعب بالمكعبات الخشبية والمعجون وألعاب أخرى وحده، يستطيع الإصغاء للأُم وهي تقرأ له. يستطيع ارتداء ثيابه من دون مساعدة من الأُم في سن مبكرة. يستطيع اللعب مع أطفال آخرين. بشكل عام، يكون قنوعاً وشاعراً بالاطمئنان أكثر من غيره من الأطفال. يستطيع الجلوس بهدوء وحده ولفترة طويلة. يستطيع الاستماع للموسيقى وحده أو مع آخرين. يعرف مجموعة كبيرة من مفردات اللغة. يتأقلم مع جو المدرسة ويتعلم بسهولة أكبر. يتمكن من عقد الصداقات وإجراء الحوارات بسهولة. يساعد في إضفاء جو من الفرح في المنزل. يستطيع التواصل مع الآخرين في المنزل والمدرسة ومجتمعه، بسهولة أكبر. يشيع الهدوء أينما وجد، خاصة في المنزل. يسهل على الأُم تربيته والاعتناء به. عندما يخرج إلى الحياة لا يخاف من أن يكون وحيداً. يصبح أكثر قدرة على تحقيق آماله وأحلامه عندما يكبر. لمساعدة الطفل على تطوير مهارات تركيز قوية، تستطيع الأُم فعل ذلك حتى قبل ولادة الطفل.   قبل الولادة: على الأُم الحامل أن تكون واعية لأهمية تخصيص أوقات ترتاح فيها وتصفي ذهنها. أن تتحدث بصوت خفيض مع طفلها أو تقرأ له. أن تبقى هادئة لتفسح المجال أمام طفلها ليسمع دقات قلبها منتظمة لا مضطربة. أن تفسح المجال أمام طفلها يعتاد "وقت الراحة والهدوء" بعد ولادته. أن تستمع لموسيقى هادئة، وأن تكرر سماع الموسيقى نفسها ليألفها الطفل حتى إذا سمعها بعد الولادة يعرف أنّ هذه الموسيقى تساعد على الهدوء والتركيز. ومهما كانت الأُم مشغولة، عليها محاولة خلق مثل هذه اللحظات حتى لو لمرة واحدة في الأسبوع.   من لحظة الولادة وحتى الشهر الـ3: مرّة أخرى، على الأُم، وبوعي تام، أن تخصص أوقاتاً ترتاح فيها هي وطفلها مهما كان الأمر صعباً. من غير المهم أن تكون الأوقات منتظمة. عليها أن تستمع للموسيقى هي وطفلها. أن تقرأ له. أن تجلس إلى جانب سريره وتنظر إليه من دون أن تلمسه. عندما يكون طفلها في حضنها، عليها أن تربت على ظهره بلطف وحنان. فبفعلها ذلك، تخلق جواً من الهدوء لها ولطفلها، وتجعل طفلها يعتاد عالمه الجديد. إنّ هذه الأوقات الهادئة التي يقضيانها معاً، تبقى محفورة في ذاكرة الطفل وتعمل على تعميق العلاقات بينه وبين أمه. هكذا يبدأ التركيز.   من 3 إلى 12 شهراً: تستدعي هذه المرحلة المهمة من عمر الطفل عدم تدخل الأُم، وإفساح المجال أمامه ليطور مهارة التركيز عنده. حتى لو كان تدخل الأُم نابعاً من محبتها لطفلها واهتمامها به وحرصها عليه، يجب ألا يغيب عن بالها أنّ الكثير من الاهتمام يمكن أن يقطع حبل التركيز. لذا، على الأُم أن تتمهل وتتراجع وتحبس أنفاسها وتفسح المجال أمام طفلها لاختبار والقيام بالعديد من الأمور ومنها: الاستلقاء على ظهره وهو يراقب أصابعه بتعجب وذهول. مراقبة الستارة وهي تتحرك بفعل الهواء أثناء استلقائه في سريره، أو مراقبة ما يجري حوله. محاولة التكلم وحده وهو نائم في سريره. مراقبة الألعاب المعلقة فوق سريره وهي تهتز وتصدر أصواتاً. على الأُم أن تراقب طفلها من بعيد في كل الأوقات، لأنّ الطفل في هذه الأوقات يكون في حالة تركيز تام، وأن تستمر في القراءة له وممارسة جميع الأنشطة التي ذكرت في السابق.   من عمر سنة إلى سنتين: هنا أيضاً على الأُم ممارسة الأنشطة نفسها مع طفلها، وابتداع طرق أخرى تساعدها على ممارسة التركيز مع طفلها، كأن تقوم بتحديد أوقات تجلس فيها إلى جانب طفلها بهدوء. اصطحاب طفلها إلى حديقة عامة ليراقبا أوراق الشجر وهي تهتز والعصافير وهي تتطاير. اللعب مع طفلها بالمعجون أو قطعة عجين بهدوء. تزويد طفلها ببعض الأدوات الآمنة مثل قطاعة، دلو ومرشة.. إلخ، ويلعبان بها معاً (بعض الأطفال يحبون اللعب بأدوات النجارة، أو الطبيب، أو البناء، أو الزراعة. يجب أن تكون جميع الأدوات مصنوعة من البلاستيك حتى لا تؤذي الطفل). ملء حوض الحمام بقليل من الماء ووضع الطفل فيه ليلعب. توفير مكعبات خشبية ليبني فيها الطفل أشكالاً مختلفة. عدم التدخل أثناء لعب الطفل في المكعبات، فالبناء بالمكعبات الخشبية يساعد الطفل على التركيز. الاستمرار في القراءة للطفل، لكن على الأُم أيضاً أن تترك بعض كتب الأطفال في متناول يده. على الأُم أن تستمتع بمراقبة طفلها وهو يمارس أنشطته المختلفة بسعادة. في البداية يمكن أن ينغمس الطفل في اللعب لثوانٍ عدة. لكن مع تشجيع الأُم وعدم تدخلها يمكن أن تمتد الثواني إلى دقائق. إذا بدأت الأُم في فتح المجال أمام طفلها ليمارس أنشطة مختلفة في سن مبكرة، يصبح من السهل عليه الاستمرار في ممارسة هذه الأنشطة عندما يكبر. وإذا تعرفت الأُم إلى أنشطة جديدة يمكن تعريف طفلها عليها في هذه السن.   من سنتين إلى ثلاث سنوات: إذا كانت الأُم قد راقبت الطفل جيِّداً في السنين السابقة ولم تقم بتنفيذ العمل بدلاً منه، تزداد احتمالات أن يتمكن من التركيز أكثر في هذا العمر. ولأنّ للأنشطة دوراً كبيراً في مساعدة الطفل على تطوير مهارة التركيز في هذه المرحلة العمرية، على الأُم تهيئة الفرص لتطوير وتسهيل الأمور التالية: الذهاب في مشاوير قصيرة مع طفلها، على أن تكون سريعة مثل تلك التي تقتصر على شراء غرض من الحانوت والعودة سريعاً إلى البيت. بل يجب أن تكون من نوع التسكع. فالطفل يحب هذا النوع من المشاوير. يمكن أن يتم التسكع في حديقة عامة أو حول المنزل أو في حديقة المنزل. في هذا العمر، يصبح في إمكان الطفل بناء منازل أكبر ومتقنة أكثر. على الأُم أن تكتفي بإبداء إعجابها بحجم المنزل وارتفاعه، وبألوان المكعبات التي استخدمها في بنائه، وبالجهد الذي بذله، من دون أي تدخل من جانبها. مرة أخرى، على الأُم أن تستمر في تشجيع طفلها على ممارسة الأنشطة السابقة وأن تعمل على تطويرها كلما أمكنها ذلك. فالألفة تساعد الطفل الصغير على بناء الإحساس بالقوة وبالأمان. ويصبح التركيز جزءاً طبيعياً من شخصيته ومن مزاجه.   من ثلاث إلى أربع سنوات: على الأُم أن تتبع النهج نفسه في السنوات السابقة. ولكن مع توسيع الأنشطة والتمارين: يمكن أن تطلب من طفلها أن يساعدها في بعض الأعمال المنزلية التي تتناسب وسنه. مثلاً، يمكنها الطلب منه مسح الغبار عن بعض أثاث المنزل. فهذا يساعد الطفل على التركيز وعلى الاهتمام بالقطع الثمينة والحرص عليها. كما تستطيع تُكلفه بتنظيف قطعة سجاد صغيرة بالمكنسة الكهربائية. الرسم والتلوين هما من الأنشطة المهمة التي تساعد على التركيز. على الأُم أن توفر لطفلها الأدوات اللازمة لهذا النشاط وأن تتركه يمارسه وحده من دون أي تدخل من جانبها. لأنها إذا تدخلت لمرة واحدة ورسمت أو لوّنت شيئاً للطفل، يصعب إقناعه بأن يرسم وحده بعد ذلك.   من أربع إلى ست سنوات: إذا طبقت الأُم البرنامج منذ لحظة ولادة طفلها واستمرت في ذلك، يصبح التركيز أمراً طبيعياً للطفل في هذا العمر. أما إذا لم تطبقه قبل بلوغ طفلها سن الرابعة، فيمكنها أن تبدأ في تطبيقه الآن، فلا يزال أمامها وقت لمساعدة طفلها على تطوير مهارة التركيز. كل الأنشطة التي اعتمدتها الأُم في السنوات السابقة تناسب الطفل في هذا العمر أيضاً. على الأُم أن تتبناها لمصلحة الطفل: على الأُم أن تستمر في القراءة لطفلها والاستعانة بالكتب المصورة شرط أن تتوسع في هذا النوع من الكتب. أن تستعين بكتب تتحدث عن الزهور والنباتات والطيور وبقية الحيوانات الأليفة التي يحبها الطفل ولا يخاف منها. إنّ المشاوير في الهواء الطلق مهمة جدّاً للطفل في هذا العمر، إذ يصبح في إمكانه رؤية ما قرأ عنه في الكتب في الطبيعة. حتى لو شاهدت الأُم أنواعاً لا تعرفها من النباتات، في إمكانها البحث عنها مع طفلها في الكتب، فيصبح هذا التصرف جزءاً طبيعياً من تفكير الطفل الأكاديمي، الأمر الذي يفيده كثيراً في المستقبل. على الأُم تعريف طفلها إلى أنواع جديدة من الألعاب، مثل الـ"ليدو" قديم الطراز ولعبة الأفاعي والسلالم، إذ إنّ هذه الألعاب على الرغم من بساطتها، إلا أنها تساعد الطفل كثيراً على التركيز. إنّ العمل في الحديقة، مثل تنقيب الأعشاب وزرع الزهور والنباتات الخضراء، يفيد كثيراً في هذا المجال. في الخلاصة، يمكن أن يركز الطفل الصغير على بعض الأمور أكثر من غيرها. وهذا أمر طبيعي. أما إذا لاحظت الأم أن طفلها يفتقر إلى التركيز على الرغم من كل محاولتها، فإن عليها استشارة طبيبه للتوصل إلى معرفة السبب ومعالجته قبل فوات الأوان.

ارسال التعليق

Top