• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مقابلة الإساءة بالإحسان

عمار كاظم

مقابلة الإساءة بالإحسان

قال تعالى: (ادفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم) (فصلت/ 34-36). كثيراً ما نتعرض للإساءة من قبل الآخرين، منها ما هو عن دون قصد والآخر يكون متعمداً، ومهما كان نوع الإساءة فإنّ الصفح عنها وتجاوزها له أجر كبير عند الله سبحانه وتعالى.

إنّ مقابلة الإساءة بالإحسان، هو مبدأ إنساني عظيم، يرفع من قيمة المحسن إلى درجة العفوّ الغفور، وذلك خلق من أخلاق الله التي يجدر بنا كمسلمين أن نتخلّق بها. جاء في الحديث الشريف: «افعل الخير مع أهله ومع غير أهله، فإن لم يكن من أهله فأنت من أهله». فبهذا الاُسلوب الأخلاقيّ الرفيع ينتقل أحدنا من درجة (العدوانيّ المحارب) إلى درجة الذين ينشدون الحبّ والخير والسلام للآخرين، والدرجة الاُولى قاتلة بينما الدرجة الثانية باعثة على الحياة. وعلى هذا، فإذا أردنا مقياس رقي مجتمع ومستوى إنسانيّته وحضارته، فإنّنا ننظر إلى كيفيّة تعامله الاجتماعي، فإذا كانت قواعد السلوك وآدابه تحكم العلاقات بين أبنائه فإنّنا نحكم على أنّ المجتمع يدرج في مدارج الرقي، وأنّ أبناءه الذين يراعون قواعد السير الاجتماعي كما يراعي سائقو السيّارات قواعد السير المروري، هم على جانب من الوعي الحضاري التواصلي الراقي. مقابلةُ الإساءةِ بالإحسانِ هِي الحكمة الربّانية والوسيلة اللطيفة التي يمكن بها علاجُ كثير من المفاسد الاجتماعيّة. كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتحمل أخطاء الناس لآخر الحدود،

ويتعامل معهم برفق ولين، ويظل في معاملته مع الناس ولاسيّما المخطئين «عقلانيّاً» لا «عاطفيّاً» ويملك قلوبهم بالعفو عنهم، ويتحمل الأذى في سبيل كسب قلوبهم والتأثير فيهم. وقد ورد في النصوص: أن من خير أخلاق الدنيا والآخرة ومكارمها، أن تعفو عمن ظلمك وتحلم إذا جهل عليك. يقول تعالى في الكتاب الكريم في وصف المتقين: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران/ 134) وفي آيات آخرى كقوله: (وَلْيَعفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) (النور/ 22).

إنّ الكلمة التي يطلقها الانسان تجاه الآخرين بغير حساب، ولا تقدير سليم، تؤدي إلى هدم ما بناه من علاقات وأخوّة واصلاح، ويترك الأثر النفسي السيئ بما يصدر عنه من عبارات منفرة، وكلمات مؤذية جارحة. فكم من مشكلة أوشكت على الحلِّ والحسم في مجلس الإصلاح أو الحوار، فيطلق أحد الحاضرين كلمة يستفز بها طرف المشكلة، أو يثير قضيّة للجدل فتنهار جهود الإصلاح، وتنهدم مساعي الخير، ويزداد الموقف تعقيداً، وصدق الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) القائل: «رحم الله امرأً قال خيراً فغنم، أو سكت فسلم». وكم هو جميل القول المأثور: «يسع الصمت ما لا يسع الكلام» وكم من علاقة طيّبة بين الأصدقاء، أو ذوي الرحم والقربى والجوار، هدمت بسبب كلمات جارحة هدّامة أطلقها هذا أو ذاك. انّ للكلمة حسابها وميزانها الذي يجب أن توزن به، فيجب علينا أن نفكِّر فيما نريد التحدّث به، وما ينتجه من آثار وردود أفعال لدى الآخرين، فلا نتحدّث بما يحدث المشاكل، أو يحول دون حلّها، أو يسيء إلى الآخرين فيجرح مشاعرهم، ويضع الحواجز النفسية بيننا وبينهم.

وكم هو رائع وصف القرآن للكلمة الطيّبة والكلمة الخبيثة ومقارنته بينهما، لنقرأ ما سجّل القرآن، ولنتأمّل قال تعالى: (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيِّبة كشجرة طيِّبة أصلُها ثابِتٌ وفَرْعُها في السّماءِ تُؤتي اُكلها كلّ حين بإذنِ رَبِّها) (إبراهيم/ 24).

ارسال التعليق

Top