• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مكارم الأخلاق

أسرة البلاغ

مكارم الأخلاق
◄رُوي عن الرسول الكريم محمّد (ص) قوله: "إنما بُعِثْتُ لأتمِّمَ مَكارِمَ الأخْلاقِ".

وهب الله سبحانه الإنسان العقل، وجعله مخلوقاً مفكِّراً يميِّز بين الخير والشرِّ، وبَيْنَ ما هو حسنٌ من الأقوال، وما هو قبيحٌ ومكروهٌ؟ فهو يعرف أنّ الظلم والكذب وأذى الناس أمور قبيحة ومكروهة، ويعرف أنّ العدل والصدق والإحسان أمورٌ حسنةٌ وخيِّرة. وهذا التفكير هو الذي ميزهُ عن الحيوانات، وهو الذي جعله يحب الأخلاق الطيِّبة الفاضلة ويتمسك بها، ويكره الأخلاق السيِّئة، ويبتعد عنها.

فقد كانت الأخلاق هي إحدى الميِّزات الأساسية التي تميز الإنسان عن الحيوان. فالحيوان لا يعرف الأخلاق ولا يلتزم بها، بينما الإنسان يعرف الأخلاق ويتمسك بها؛ لأنّه يعرف ما هو خيرٌ وحَسَنٌ، وما هو شَرُّ وقبيحٌ. فيفعل الخير، ويترك الشرّ.

لذا فإنّ الإنسان السيِّئ الخُلُقِ.. الإنسان الكذّاب والظالم والغشّاش والمنافق يكون أسوأ من الحيوان، ويكون وجوده في المجتمع الإنساني خطراً على الناس.

ولهذا أدّبنا الإسلام، وطلب مِنّا، وأن نلتزم بالأخلاق الفاضلة، وأن نبتعد عن الأخلاق السيِّئة.

فالرسول الكريم يوضِّح لنا بقوله: "إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". أنّ من أهداف الإسلام الأساسية أن يربي الإنسان على الأخلاق الكريمة، ويبعده عن الرذائل وسوء الخلق.

فالإنسان السيِّئ الأخلاق يضرُّ نفسه، ويضرُّ مجتمعه. والكذّاب، والظالم، والذي يغتاب الناس، أو يحقد عليهم، أو يغشهم، والخائن الأناني، والبخيل، والمُنافق، يفقد ثقة الآخرين واحترامهم، فلا يحترمه أحدٌ، ولا يثق به أحد من الناس.

وسوء الخلق يعَرِّض الإنسان لغضب الله، وكراهية الناس.. وكما يضُرُّ سيئ الخلق نفسه؛ يضر الناس، ويهدم المجتمع، ويُشيعُ الفساد في الحياة الاجتماعية فيتحوّل إلى إنسان مخَرِّب وهَدّام ومفسدٍ.. لذلك ينهانا الرسول الكريم (ص) عن سوء الخُلُق ويحذِّرنا بقوله: "مَنْ ساءَتْ خُلُقُهُ، فَقَدْ عَذَّبَ نَفْسَهُ"، ويأمرنا بحسن الخلق، ويعتبره كمالاً للإنسان.

فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق (ع) عن رسول الله (ص) قوله:

"إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسَنهُمْ خُلُقاً"[1].

وقد أخبرنا الرسول الكريم (ص) أنّ من أفضل الأعمال يوم القيامة هو حُسْنُ الخُلُقِ.. فقد قال (ص): "ما يوضَعُ في ميزان امرِئً يوم القيامة، أفضل من حُسْنِ الخُلُق"[2].

فعلينا أن نحسِّن خُلُقَنا، وأن نعامل الناس معامَلَةً طيِّبة، ونبْتَعِدَ عن الأخلاق السيئة.. علينا أن نقتدي بنبينا محمّدٍ (ص)، فقد كان صادقاً، أميناً، حَسَنَ المعاشرة مع الناس، يعفو عن المُسيء، كريماً، شجاعاً، عادلاً، عفيفاً، يحبُّ الخير للجميع.. لذلك مدحه القرآن الكريم بقوله:

(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4).

 

كيف نعوِّدُ أنفسنا على حُسْنِ الخُلُقِ؟

النفس الإنسانية تحتاج إلى تربية وتعليم، لتتمسك بالأخلاق الفاضلة، وتجنب الأخلاق السيئة. ولكي نربي أنفسنا، ونعودها على الخلق الحسن، علينا أن نتبع الخطوات الآتية:

1-    علينا أن نقتدي بالرسول الكريم (ص)، وبأهل بيته الطاهرين، وبصحبه الذين اقتدوا به، ونجعل سيرة الرسول العظيم (ص) مثلاً أعلى، نتعلم منه، ونسير على هديه.

2-    أن نعوِّد أنفسنا على الأخلاق الفاضلة.. كالصدق، والشجاعة، والكرم والرحمة، والإحسان، والعفو عن المسيء.

فالإنسان الذي يعوِّد نفسه على الخلق الفاضل، يصير محبّاً لهذا الخُلُق، وعندما يعوِّد نفسه على الرذائل.. كالنفاق والكذب والغش... إلخ، يتقبَّل هذه المنكرات، ولا يحس بقبحها وضررها.

3-    أن نبتعد عن الناس السِّيِّئي الخُلُق. ولا نتخذهم أصدقاء لنا.. وأن نخالط الناس المتصفين بالأخلاق الفاضلة، ونعاشرهم، ونتخذهم أصدقاء لنا.

4-    يجب علينا إذا أخطأنا، وصدر منا فعلٌ قبيحٌ، أو كلمةٌ قبيحةٌ.. كالكذب والغِشِّ، أن نستغفر الله، ونندم على هذا الفعل، ونحاسب أنفسنا، ونشعرها بأنّ هذا الفعل قبيح، ولا يجوز أن نعود مرّة أخرى إلى فعله.

 

الخلاصة:

1-    إنّ حسن الخلق يَدلُّ على طيب نفس الإنسان وكرمها.. وإنّ سوء الخلق يدلُّ على أنّ نفس ذلك الإنسان رذيلةٌ وقبيحةٌ.. فنفس الإنسان الطيِّبة كالزهرة الطيبة يفوح منها العطر والطِّيبُ.

ونفس الإنسان الخبيثة النتنة، تبعث بالروائح الكريهة، وبأذى الناس.

2-    إنّ الله أمرنا بحسن الخلق، ويثيبنا يوم القيامة عليه، وينهانا عن سوء الخلق، ويعاقبنا عليه.

3-    إنّ سوء الخلق يهدم المجتمع، وينشر الفساد فيه.. كما يجعل شخصية الإنسان الذي يفعل الرذائل محتقرة ومكروهة.. وكثيراً ما يتعرض سَيِّئ الخلق للعقاب، ويصاب بالضرر.. ويبتعد عنه الناس ويحتقرونه.

4-    إنّ الإنسان الحَسنَ الخُلُقِ يُعتَبَرُ الأساس الذي يقوم عليه بناء المجتمع الإسلامي، وهو سببٌ من أهم أسباب قوة المسلمين.

5-    إنّ الأُمّة إذا فقدت الأخلاق الطيبة، كالعدل والرحمة والإحسان، تسقط وتنهار، ولا ينفعها تقدم العلوم وكثرة الأموال. فإذا انهارت أخلاق الأُمّة انهار وجودها.

لذلك نشاهد الحروب والظلم والجرائم بين الناس؛ لأنّهم تركوا الأخلاق الفاضلة.

فكلنا نعرف أن انتشار الكذب والغيبة والأنانية والظلم والطمع والرياء والغش والنفاق وأمثالها، تدمِّر المجتمع، كما تُدَمِّرُ الجراثيم جسم الإنسان.

6-    علينا أن نُرَبِّي أنفسنا، ونُعوِّدَها على الأخلاق الفاضلة، ونُبْعِدَها عن الأخلاق الرذِيلَةِ.

"وقل ربِّ زدني علماً". ►


[1]- الكليني/ الأصول من الكافي/ ج2/ ص99.

[2]- نفس المصدر السابق.

ارسال التعليق

Top