ملأ الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) الساحة الإسلامية علماً واسعاً عميقاً يواجه به كلَّ القضايا العلمية والعملية في الحياة الإنسانية،. لذا، لابدّ من دراسة تراث هذا الإمام العظيم، لأنّه يمثّل تراثاً واسعاً في كلّ الجوانب، بحيث إنّ الإنسان الذي يدرسه، يستطيع أن يخرج بثقافةٍ إسلاميةٍ موسوعيةٍ متنوّعة الجوانب، ممتدَّة الأبعاد.
كان (عليه السلام) مرجعه القرآن، لأنّ القرآن هو كتابنا الأساس، وتأتي السنّة في خطّه: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) (الحشر/ 7)، ولكنّ القرآن هو الذي يؤصِّل لنا مفاهيم السنّة، لأنّ الحديث جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن الأئمّة من أهل بيته (عليهم السلام). قال أحد الصحابة للإمام الرضا (عليه السلام): «ما تقول في القرآن؟ فقال: كلام الله لا تتجاوزوه ـ أي قفوا عنده وادرسوه وتدبَّروه، وخذوا منه مفاهيم الفكر في العقل، وخذوا منه خطوط الحركة في الواقع، وخذوا منه مناهج الحركة فيما تتحركون به في هذا العلم أو ذاك ـ لا تطلبوا الهدى في غيره فتضلّوا»، فهو الهدى وهو النور، وإذا انفتحتم عليه وعرفتم كلَّ معانيه، فإنّكم ستعرفون الهدى مشرقاً منيراً مضيئاً، أمّا إذا تجاوزتموه إلى غيره، فقد ترون ظلمات بعضها فوق بعض.
ويقودنا الإمام الرضا (عليه السلام) كما يقودنا الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) في كلّ أحاديثهم إلى القرآن الكريم، وقد جاء في حديث أحد أصحابه أنّه قال: سمعت (إبراهيم بن العبّاس) يحدِّث عن الرضا عن أبيه موسى بن جعفر، وكلامهم واحد، أنّ رجلاً سأل أبا عبد الله: «ما بال القرآن لا يزداد عند النشر والدراسة إلّا غضاضةً؟ ـ أي إلّا جدّةً، فالآن نحن لا نزال نقرأ هذا الكتاب الذي نزل قبل 1400 سنة، فما بالنا، وهو كتاب قديم استهلك الناس قراءته ودراسته، نشعر بأنّنا عندما ندرسه فكأنّنا ندرس شيئاً جديداً علينا لم نقرأه من قبل، ففي كلّ قراءة له، نجد أنّ هناك جدّةً وحداثةً وحيويةً كما لو لم نكن قرأناه من قبل ـ فقال: لأنّ الله لم ينزله لزمانٍ دون زمان»، ذلك أنّ القرآن هو كتاب الله الذي يعيش مع الزمن كلّه، ولذلك فقد اختزن القرآن بإيحاءات معانيه، وفي الآفاق التي يمكن أن ينفتح عليها ويطلّ عليها، ما يمكن له أن يخاطب أهل كلّ جيلٍ بقضاياهم ومشاكلهم.
كما يحدّد الإمام الرضا (عليه السلام) ملامح الروح الرسالية التي ينبغي للمؤمن أن يعيشها في حياته، والتي تفتح أمام عينيه الآفاق الرحبة التي تنفتح على مسؤولياته في الدنيا والآخرة، فيقول (عليه السلام): «إنّ الله عزّوجلّ أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة أُخرى: أمر بالصلاة والزكاة ـ والزكاة تشمل كلَّ ما فرضه الله تعالى على الإنسان من حقوق مالية ـ فمن صلّى ولم يزكِّ لم تُقبل منه صلاته ـ لأنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وحَبْسُ حقوق الله عمن أمر الله أن تُعطى له هو من المنكر والفحشاء، باعتبار أنّها تجاوزٌ للحدود.. والصلاة مدرسةٌ تربّي الإنسان على طاعة الله في كلِّ شيء ممّا أمر به، وعلى البعد عن معصيته ممّا نهى عنه ـ وأمر بالشكر له وللوالدين، فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله ـ فمن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لأنّ الشكر يعبّر عن حالةٍ نفسية وجدانية في التقدير لإحسان المنعم عليه واستجابته لفضله وتفاعله النفسي والعملي معه، بقطع النظر عن طبيعته وموقعه، وبذلك يكون امتناعه عن شكر المخلوق دليلاً على أنّه لا يعيش مبدأ الشكر في نفسه.. وأيُّ مخلوق يملك نعمةً على مخلوقٍ آخر أكثر من الوالدين؟ ـ وأمر باتقاء الله وصلة الرحم، فمن لم يَصِلْ رحمَه لم يتقِ اللهَ عزّوجلّ»، لأنّ الله أمر بصلة الرحم، ما يفرض على الإنسان القيام بذلك طاعةً لله، فمن لم ينفتح على الأرحام بالصلة كان منحرفاً عن خطّ التقوى بانحرافه عن خطِّ الطاعة لله في ذلك.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق