الإمام الصادق (ع)، هو سليل بيت النبوة ووارث فضائلها ومناقبها ومفاخرها وعلومها وحكمتها، فكان في ورعه وزهده وفي دينه وتقواه، وفي علمه وفقهه مثالاً يقتدى به. هو زعيم روحي عالم بالكتاب والسنة، مجتهد في استنباط الأحكام في ضوء القرآن الكريم وكذلك فهو عبقري استقى علومه من منهل الرسالة، فبلغ بنبوغه واجتهاده وقدرته المنزلة الرفيعة في حل مسائل الفقه وفي الإتيان بنظريات رائدة سبق بها عصره في الفلسفة وعلوم الطبيعة والفلك.
إنّ منهج أهل البيت (ع) التربوي هو منهج رباني بمعنى انه موضوع من قبل ربّ الانسان وخالقه وليس من وضع الانسان، فقد وضعه من له احاطة تامة بالعالم كلّه وبالأرض كلّها وبالناس كلّهم، يعلم سكنات النفس وما تخفي الصدور، وهو سبحانه وتعالى أودع الغرائز والرغبات في الإنسان، ولذلك فهو أعلم بكيفية اشباعها وبكيفية التوازن بينها، فيكون المنهج التربوي الموضوع من قبله تعالى كاملاً لا نقص فيه ولا ضعف، فيستجيب له الانسان مطمئناً بأنّه المنهج الأمثل في التربية، أمّا المناهج الوضعية فهي صادرة من البشر الذي يتصف بالضعف وعدم الاحاطة التامة بالحياة، ويتصف بمحدودية فكره وكثرة أخطائه اضافة إلى تحكم الأهواء به، فتكون ناقصة وقابلة للتبدّل والتغيّر لتغيّر آراء وتصورات واضعيها.
وقد أثبت منهج أهل البيت (ع) التربوي قدرته على بناء الانسان بناءً متكاملاً، فقد تخرج على هذا المنهج مئات الشخصيات التي كانت قمة في السمو الروحي والتكامل النفسي والسلوكي، وقدوة لجميع بني الانسان لاستشعارها بأن المنهج ربانيّ النشأة وربانيّ المصدر.
فالمنهج التربوي عند الإمام الصادق (ع) يهدف إلى تشكيل نظام تربوي رصين قائم على أسس علمية موضوعية قيمة وصحيحة، لأن أغلب المناهج التربوية الوضعية تعتمد على أنظمة تربوية وفلسفية بشرية، وعلى الرغم من تقدم وتطور بعضها لكنها لا تستطيع أن تصمد أمام التحديات التي تفرزها المجتمعات والمشكلات التي تظهر بين الحين والآخر، لأن التربية وأنظمتها كافة كلما كانت صحيحة تركت أثراً إيجابياً على تنشئة الفرد وعلى سلوكه وتصرفاته والعكس صحيح، أي كلما كانت ليست بالمستوى المطلوب تركت أثراً سلبياً على تكوين الفرد، فعليه فإن كلّ ما صدر عن الإمام الصادق (ع) من توجيهات تربوية كانت عين الصواب لأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وبالدور الذي أوكل إليه كإمام معصوم مفترض الطاعة يمارس دوره الإلهي بصورة واضحة وفاعلة.
كان الإمام الصادق (ع) يقول: «أفضل العبادة إدمان التفكر في الله وفي قدرته»، ويقول (ع) أيضاً: «التفكر في الظلمات بالنور بحُسن التخلص وقلة التربص». هذان الحديثان ضمن عدد من الأحاديث التي جاءت تؤكد التفكر والتفكير المستمر للإنسان في عظمة الله وبديع صنعه وكذلك جميع ما يقوم به من أعمال ونشاطات في حياته، صغيرها وكبيرها، باعتبار أن جميع أعمال الإنسان عبادة، وأفضل هذه العبادة هي إدمان التفكر والتفكير وتنشيط العقل.
وكما يرى الإمام الصادق (ع) أن تربية الطفل والفرد والمجتمع يجب أن تأخذ مبدأ الوسطية والاعتدل وعدم التطرف باتجاه خاصية معينة دون الخواص الأخرى، فنراه في أقواله وأفعاله وتقريراته يجعل الفرد كله كياناً واحداً من كافة النواحي الجسمية والنفسية والاجتماعية والروحية والعقلية، فسعادة الفرد لا تكون في ناحية واحدة بل في جعل الحاجات التي توجد لدى الفرد يجب أن تشبع وتكون فيها حالة توازن بين الحاجات البايولوجية والسيكولوجية والعقلية والاجتماعية.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق