لقد منّ الله على عباده بالخلق والإيجاد كما منّ على سائر المخلوقات، ولكنّه تعالى أكرم الإنسان من بين تلك المخلوقات بأن جعله خليفة له في الأرض ليعبده ويقيم الصلاة لذكر ربه.
ولقد شدّد سبحانه وأولياؤه من الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) شدّدوا على الارتباط الدائم والتعلّق المطلق والمستمرّ بربّ العزة لكلِّ إنسان مؤمن (ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (الأعلى/ 15).
ولقد شرّع سبحانه لعباده الأعمال العبادية الواجبة وفرض الأعمال التطوعية كالنوافل.
أعمال على مدار السنة:
وبالفعل فقد ورد من المأثورات الشريفة عن النبي (ص) وأهل بيته (ع) ما لا يحصى من الأعمال والأفعال والأذكار والتسبيحات والصلوات والزيارات التي تتوزع على مناسبات وذكريات وأيام وليالٍ وشهور على مدار السنة، يأتي منها الإنسان ما يقدر عليه وينسجم معه ويُوفَّق له.. فمن صوم الدهر إلى صوم كلّ اثنين وخميس (وجمعة) من كلّ أسبوع إلى صوم رجب وشعبان أو أيام منهما، (إلى الحج المندوب في كلّ سنة والعمرة المفردة في كلّ شهر خصوصاً في رجب وشهر رمضان، إلى الصلوات والأدعية الموزّعة كصلاة جعفر الطيار (رض) وصلاة الليل ونوافل الفرائض اليومية وغيرها.. إلى أدعية الليل والنهار والصباح والمساء كدعاء الصباح للنبيّ (ص) وللأمير (ع)، ودعاء أوّل الشهر بليله ونهاره والليالي البيض إلى غير ذلك مما يكون رحمة بالمؤمن وتربية له وتزكية لنفسه وحطاً للذنوب وربطاً دائماً له برباط العبادة والخشوع والذكر والسجود والتقرّب المطلق من الله سبحانه وتسبيحه حتى في أحرج ظروف العمل وأحلكها وأشدّها صعوبة وعناء ومشقّة لتُستمدّ القوة المطلقة وتُرفع المعنويات دائماً بذكر الله الأكبر (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28).
رجب وشعبان وشهر رمضان:
كلّ ما ذكرنا من الأعمال أو جلّها تبلغ الذروة في الأشهر الثلاثة رجب – شعبان – رمضان، بل لعل قمة العبادة والقرب من الله تُتَلمس ويبدو نورها جلياً في شهر الله الأعظم شهر العبادة والورع والتقوى شهر رمضان المبارك.
ولئن كانت الأعمال التي ذكرنا تتكامل مع الفرائض لتجعل من الإنسان المؤمن إنسان عبادة وزهد وورع وتقوى وقرب من الله فإنّ ما ورد في شهرَي رجب وشعبان بالخصوص ليؤكد أهمية تكامل أعمال الإنسان المؤمن وعباداته وأوراده لتهيئه في جو من العبادة والطاعة وتزكية النفس وتطهير القلب وصفاء الروح إلى السمو قبل شهر الضيافة ومجاورة الرب الرحيم فيصبح المؤمن بذلك أهلاً للتعبد والمناجاة وذكر الله..
وانّ أعمال الإنسان أشبه بسلسلة تتواصل حلقاتها: فمن سلك سبيل الرذيلة والانحراف والفسق والفجور تكتمل سلسلة أعماله بالمعاصي والذنوب والجرائم وتختم بالهلكات وسوء العاقبة والعياذ بالله حتى تقيده تلك الأعمال بسلسلتها وتبعاتها وتقذف به في بحر الذنوب والآثام والمعاصي إلا أن يرحمه الله..
ومن يسلك سبيل الهداية والصالحين وتكتمل سلسلة أعماله الصالحة بأنوار الهدى والخير فإنّه يبحر ويغوص في بحر الهداية والكمال والسمو وطمأنينة القلب بذكر الله الدائم والتعبد والتهجد له في آناء الليل وأطراف النهار لترسو سفينة أعماله على شاطئ الرحمة وساحل حسن العاقبة تبشره الملائكة بالرضوان والجنّة.
ما ورد عن شعبان:
تعددت الروايات في فضل شهر شعبان كزمان مبارك لأداء لأعمال العبادية المأثورة وكشهر تكثر فيهما المناسبات الإسلامية وتعدد:
وفي شهر شعبان المبارك كانت المناسبات التالية:
- في الثالث منه ولادة الإمام الحسين (ع) في أشهر الروايات.
- في الرابع منه ولادة أبي الفضل العباس (ع).
- في الخامس عشر يوم ولادة المهدي (ع) من شعبان المكرّم.
ولعله لذلك ولأسباب أخرى وردت روايات كثيرة عن فضل رجب وشعبان ووضعهما والأعمال فيهما:
1- فعن أمير المؤمنين (ع): "رجب شهري وشعبان شهر رسول الله (ص) وشهر رمضان شهر الله".
وعن الكاظم (ع): "رجب نهر في الجنة أشدّ بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، من صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر".
وعن النبي (ص): "... ألا فمن صام من رجب يوماً إيماناً واحتساباً استوجب رضوان الله الأكبر..".
وعن الصادق (ع): "انّ هذا الشهر قد فضّله الله وعظّم حرمته وأوجب للصائمين فيه كرامته..".
وعن فضل شهر شعبان المبارك:
2- عن النبي (ص): "شعبان شهري من صام يوماً من شهري وجبت له الجنّة".
وعن عليّ (ع): "مَن صام شعبان حباً لرسول الله (ص) وتقرّباً إلى الله أحبّه الله وقرّبه إلى كرامته يوم القيامة وأوجب له الجنة".
وعن النبيّ (ص): "إنّ شعبان شهري فرحم الله من أعانني على شهري".
وعن الصادق (ع): "صوم شعبان وشهر رمضان شهرين متتابعين توبة من الله..".
وعن الصادق (ع) في رواية طويلة: ".. سمّاه ربّنا شعبان لتشعّب الخيرات فيه، قد فتح ربكم فيه أبواب جنانه وعرض عليكم قصورها وخيراتها بأرخص الأثمان وأسهل الأمور فاشتروها...".
أعمال شهر شعبان:
لقد تنوّعت الأعمال المأثورة لهذا الشهر الكريم وتوزعت بين الصوم والصدقة والعمرة والدعاء وإحياء الليالي والصلاة وتلاوة القرآن الكريم أو سور مخصوصة منه والأذكار والاستغفار والتهليل والصلاة على النبيّ (ص) وغير ذلك..
ويمكن تقسيم هذه الأعمال إلى قسمين:
- الأعمال المشتركة بين رجب وشعبان (ورمضان).
- الأعمال الخاصة بكلِّ شهر منهما.
الأعمال المشتركة بينها:
1- تلاوة القرآن الكريم ولقد ورد الحثّ على تلاوة القرآن الكريم دائماً خصوصاً في الأشهر الثلاثة رجب وشعبان وبالأخص شهر رمضان.. وورد التأكيد على قراءة سورة الإخلاص وبعض السور القصار الأخرى.
2- الصوم وقد مرت الروايات التي تنصّ على ذلك.
3- صلاة خاصة لليالي البيض (13-14-15) من الأشهر الثلاثة رجب – شعبان – رمضان.
4- التصدّق في الأشهر الثلاثة أيضاً.
5- الاستغفار والتهليل والتسبيح في كلِّ يوم عشرات المرات.
6- صلاة أوّل الشهر وأدعية رؤية الهلال لأوّل الشهر أيضاً.
7- الاكثار من الصلاة على النبيّ وآله (ص).
8- إحياء العشر الأواخر من شعبان كإحياء العشر الأواخر من شهر رمضان والإكثار من الاستغفار فيها وفي آخر جمعة من شعبان.
أعمال شعبان الخاصة:
1- الصلوات:
أ) صلاة أوّل الشهر.
ب) صلاة ركعتين كلّ يوم خميس من شعبان.
ت) صلوات ليلة النصف ويومها.. وفيها ركعتان خاصتان بليلة النصف وكذلك يستحب فيها صلاة جعفر الطيار (رض) وورد صلاة 4 ركعات وصلاة مئة ركعة وصلوات أخرى.
ث) وردت صلوات خاصة لليالي النصف الثاني من شعبان في كتاب منهاج العارفين.
2- الأدعية: وأيضاً تقسّم إلى أدعية تتكرر في كلِّ يوم وأدعية خاصة بالمناسبات:
أ) أدعية المناسبات:
- دعاء اليوم الثالث وهو يوم ولادة الإمام الحسين (ع).
- أدعية ليلة النصف ويومها خصوصاً دعاء كميل والمناجاة الشعبانية والمرويين عن أمير المؤمنين (ع)، والصلاة على النبيّ (ص)، وأدعية أخرى واردة. والأذكار الأربعة (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر) مئة مرة وغير ذلك...
- دعاء آخر ليلة من شعبان وأوّل ليلة من شهر رمضان.
ب) أدعية تتكرر كلّ يوم:
- دعاء الصلاة على النبيّ (ص) خصوصاً عند الزوال: اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد شجرة النبوة وموضع الرسالة...
- المناجاة الشعبانية: .. اللّهمّ صلّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ واسمع دعائي إذا دعوتك...
3- الزيارات، خصوصاً في يومي الثالث والخامس عشر منه.
ختماماً..
وفي الختمام لابدّ من الالتفات إلى الأمور التالية:
1- إنّ ما ورد من الأعمال والأوراد والأدعية يختار منها المرء ما يقدر عليه مع أهمية كون التعاطي معها بمستوى عظمة هذين الشهرين الكريمين.
2- إنّ ما ورد وكأنه يصبّ في خانة تهيئة المرء لشهر الله الأعظم كما في بعض الروايات "حتى يدخل الشهر وأنت خالص من الذنوب"، وخصوصاً إذا التفتنا إلى خطبة النبيّ (ص) المأثورة في آخر جمعة من شعبان يهيئ فيها المسلمين لاستقبال شهر الرحمة.
3- قد تختلف بعض الروايات في الألفاظ ولكنها تتفق في المضمون والمحتوى. والله من وراء القصد.
المصدر: مجلة نور الإسلام/ العدد 33 و34 لسنة 1413هـ
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق