• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

هشاشة النمو الاقتصادي في الاقتصاد الريعي

حامد عبدالحسين الجبوري

هشاشة النمو الاقتصادي في الاقتصاد الريعي

يحتل النمو الاقتصادي مكانة مهمة على المستوى الاقتصادي لكن في الغالب الاقتصادات الريعية تعاني من هشاشة نموها الاقتصادي وذلك لارتباطه القطاع الريعي المتذبذب.

يحتل النمو الاقتصادي مكانة مهمة على المستوى الاقتصادي بل ويعد من أهم أهداف الاقتصاد الكلي الذي يروم تحقيقها من خلال رسم السياسات واتخاذ الاجراءات اللازمة لذلك، لكنه في الغالب يكون نمو غير متين في ظل سيادة الاقتصاد الريعي.

قبل توضيح هشاشة النمو الاقتصادي في الاقتصاد الريعي لابدّ في بداية الأمر من إيضاح ما المقصود بالنمو الاقتصادي وما المقصود بالاقتصاد الريعي، ثمّ القيام بتوضيح هشاشة النمو الاقتصادي في الاقتصاد الريعي، إذ إنّ تناول الموضوع بشكل مباشر ومفاجئ دون إيضاح أركانه الرئيسية، سيُسبب للقارئ إرباكاً في فهم الموضوع.

النمو الاقتصادي

يعرّف النمو الاقتصادي على إنّه «الزيادة المضطردة طويلة الأجل في نصيب الفرد من الدخل الحقيقي. فإذا تزايد نصيب الفرد من الدخل بعد أن يبرأ الاقتصاد من الكساد، فإنّ الزيادة تعتبر دورية وليست مضطردة. ومن ثمّ لا يعتبر ذلك نمواً اقتصادياً».

ويعرّف أيضاً على أنّه «الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي الذي يعني مجموع إنتاج السلع والخدمات التي ينتجها مجتمع ما خلال مدة زمنية معينة تكون بالعادة سنة».

من التعريفين أعلاه، يمكن تثبيت بعض الملاحظات المتعلقة بالنمو الاقتصادي أدناه:

أوّلاً: الزيادة، أي لابدّ أن تتحقق زيادة في الناتج المحلي الاجمالي بشكل أكبر من الزيادة السكانية، إذ ربّما تحصل زيادة في الناتج تقابلها زيادة حجم السكان فيختفي النمو الاقتصادي.

ثانياً: الاستمرارية، أي لا تكفي الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي حتى يتحقق النمو الاقتصادي بل لابدّ أن تتزامن الاستمرارية مع هذه الزيادة ولمدة طويلة.

ثالثاً: التنويع، أي لابدّ أن يكون النمو الاقتصادي قائم على التنويع الاقتصادي إذ لا يمكن تحقيقه في الأجل الطويل بالاعتماد على قطاع واحد، خصوصاً إذا ما كان هذا القطاع ريعياً.

في الغالب يتم تبويب الناتج المحلي الإجمالي إلى ثلاثة أصناف رئيسية هي القطاعات السلعية التي تتضمن قطاع الزراعة والصيد والغابات، قطاع التعدين والصناعات الاستخراجية، قطاع الصناعات التحويلية، قطاع الكهرباء والماء والغاز وقطاع التشييد، والقطاعات التوزيعية التي تتضمن قطاع التجارة والمطاعم والفنادق، قطاع النقل والمواصلات والتخزين وقطاع المؤسسات المالية والتخزين، والقطاعات الخدمية التي تتضمن قطاع الإسكان، قطاع الخدمات الحكومية وقطاع الخدمات الأُخرى.

 فعند حساب الناتج المحلي الإجمالي لابدّ من القيام بجمع ما أنتجته تلك القطاعات من سلع وخدمات خلال مدة زمنية معينة. وبالتأكيد أنّ حجم المساهمة تتفاوت من قطاع لآخر تبعاً للأولويات التي تضعها الدولة ووفقاً للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وإنّ عدم وضع خطّة لتحديد الأولويات ونسب مساهمة القطاعات الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي سيحصل تفاوت شاسع، وهذا يقود إلى اختلال الاقتصاد ومن ثمّ هشاشة نموه، كما هو حال أغلب البلدان الريعية.

الاقتصاد الريعي وخصائصه

هناك فرق بين الدولة الريعية والاقتصاد الريعي، فالدولة تعدّ دولة ريعية متى ما كانت موازنتها تعتمد بشكل كبير على الريع، والعكس صحيح، ومتى ما كان الاقتصاد يعتمد في أغلب مؤشراته على الريع فهو اقتصاد ريعي، والعكس صحيح أيضاً. هناك جدل واسع حول أيّهما يولد الآخر، فالبعض يرى الدولة الريعية تنتج الاقتصاد الريعي والبعض الآخر يرى الاقتصاد الريعي ينتج الدولة الريعية، وبصرف النظر عن هذا الجدل، فهناك شبه إجماع حول مصدرهما، أي أنّ مصدرهما هو الريع الخارجي، فالدولة والاقتصاد يصبحان ريعيان حينما يعتمدان على الريع الخارجي، وعليه سيتم تناولهما معاً كنتيجة وليس كآلية.

يتسم الاقتصاد الريعي بعدة سمات يمكن تناولها بإيجاز بالآتي:

أوّلاً: اقتصاد أُحادي، أي إنّه اقتصاد يفتقر للتنويع الاقتصادي ويعتمد على قطاع واحد في تمويل الاقتصاد وهو القطاع الريعي.

ثانياً: اقتصاد الدولة، أي إنّ الدولة هي التي تهمين على الاقتصاد بحكم هيمنتها على القطاع الريعي، المغذي للاقتصاد برمته عبر نافذة الإنفاق العام في المالية العامّة.

ثالثاً: اقتصاد استنزافي، لأنّ توجيه الريع نحو الاستهلاك على حساب الاستثمار، يُعدّ استنزافاً للثروة الوطنية التي ينبغي أن تحوّل من ثروة جامدة تحت الأرض إلى ثروة فاعلة فوق الأرض.

رابعاً: اقتصاد تابع، وذلك بحكم فقدانه للتنويع الاقتصادي واعتماده على القطاع الريعي، فأصبح فاقد للإنتاج ومستورداً لأغلب المنتجات والخدمات، وبهذا أصبح تابعاً للعالم الخارجي.

خامساً: اقتصاد متذبذب، وذلك بحكم تذبذب المصدر الذي يعتمد عليه، فالريع الخارجي كالنفط مثلاً تتحدد أسعاره في الأسواق الدولية، ممّا يعني عدم قدرة الدولة على التحكم بها، فتكون أسعاره متذبذبة لأسباب عديدة قد تكون سياسية أو اقتصادية أو مناخية أو غيرها.

سادساً: اقتصاد غير عادل، إنّ عدم توظيف العائدات الريعية في بناء قاعدة إنتاجية من جانب وتوجيهها نحو الجانب الاستهلاكي من جانب آخر، سيؤدي إلى غياب العدالة الاجتماعية لأنّ الريع يعتبر ثروة وطنية عامّة لا يمكن اقتصارها على جيل دون آخر.

هشاشة النمو الاقتصادي في ظل الاقتصاد الريعي

كيف يمكن تصوّر نمو اقتصادي متين في ظل اقتصاد ريعي يتصف بالصفات أعلاه، اقتصاد أحادي، اقتصاد دولة، استنزافي، تابع، متذبذب، غير عادل! بالتأكيد لا يمكن تصوّره لأنّه وكما ذكرنا آنفاً، أنّ النمو الاقتصادي يتحقق من خلال الزيادة التي تحصل في القطاعات الاقتصادية التي تكوّن الناتج المحلي الإجمالي، على أن تتصف هذه الزيادة بالاستمرارية والتنويع والتوازن أي تقارب نسب مساهمات الزيادة في الناتج وإلّا أصبح نمواً غير متين.

ليس مشكلة الاقتصاد الريعي أنّه أُحادي الجانب واعتماده على القطاع الريعي فحسب بل إنّ هذهِ الأُحادية تسهم وبشكل كبير- بسبب غياب الإدارة الكفوءة وضعف الإرادة الجادة وضبابية الرؤيا الإستراتيجية - في تعطيل القطاعات الاقتصادية وخصوصاً الإنتاجية التي تمثّل لُب متانة النمو الاقتصادي عندما تكون نشطة وفعّالة.

 وبما أنّ الاقتصاد الريعي يعتمد وبشكل كبير على القطاع الريعي وعلى حساب القطاعات الأُخرى، فإنّ النمو الاقتصادي في هذا الاقتصاد يكون رهينة القطاع الريعي الذي تخضع أسعار منتجاته للأسواق الدولية وظروفها المتذبذبة لأسباب سياسية أو اقتصادية أو مناخية أو غيرها، فيكون نمواً غير مستقر ومتذبذب وفقاً لتذبذبات أسعار منتجات القطاع الريعي، أي متى ما يتحسن الطلب على منتجات القطاع الريعي سترتفع أسعارها ومن ثمّ ارتفاع النمو الاقتصادي والعكس صحيح، وعليه يكون نمو اقتصادي غير متين وتابع وهش في ظل سيادة الاقتصاد الريعي.

ومن أجل زيادة متانة النمو الاقتصادي في البلدان التي تعاني من ريعية اقتصاداتها وهشاشة نموها لابدّ من العمل بالآتي:

أوّلاً: وضع رؤية اقتصادية تهدف إلى بناء قاعدة إنتاجية متنوّعة وخصوصاً الزراعية والصناعة التحويلية وغيرها، تكون قادرة على تلبية الطلب المحلي والخارجي ومواجهة الأزمات.

ثانياً: تحديد دور وحدود كلّ من الدولة والقطاع الخاص لتلافي التقاطعات التي تحصل في ظل غياب تحديد أدوارها، على أن تُعطى الأولوية للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادية وتأخذ الدولة دور الإشراف والإنقاذ وقت الأزمات والأدوار التي لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها.

ثالثاً: الاهتمام بالبيئة الاستثمارية من جهة عامة كالاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي وغيرها، ومن جهة خاصّة بالاستثمار من حيث المزايا والضمانات والاعفاءات والالتزامات وغيرها، حتى تكون بيئة جاذبة للاستثمار وليس طاردة.

رابعاً: توجيه بعض العائدات الريعية نحو بناء القاعدة الإنتاجية من جانب وتوجيه البعض الآخر نحو طريقة أُخرى كالصناديق السيادية كحقوق للأجيال اللاحقة، وبهذا يكون الاقتصاد أكثر عدالة.

ارسال التعليق

Top