بغير تسامح تصبح العلاقات بين الناس سطحية (هذا على أفضل تقدير) وغالباً ما ستفشل، والتسامح مفهوم عميق يسهل التحدث عنه، ويصعب ممارسته خاصة عندما تكون الجراح التي سببها الآخرون لنا كبيرة. قد يكون أطفالك غير قادرين على فهم معنى التسامح تماماً، لكن من المهم أن تعلمهم تفهم مشاعر الآخرين والرحمة والرغبة في إعطاء بعض الناس فرصة ثانية وثالثة؛ لأنّه بدون إرشاد الوالدين يصبح الأطفال تحت رحمة التليفزيون والأغاني وأصدقائهم.
أمور توضع في الاعتبار:
- يرى روبرت إنرايث، الباحث القدير بجامعة وسكونسن أن لدى الأطفال رؤية للتسامح تختلف عنها لدى الكبار، فالأطفال في سن المدرسة يطالبون بالعدالة ولا يسامحون إلا إذا فرضت عقوبة على الطرف الآخر، والصبية في سن المراهقة قد يرغبون في أن يسامحوا الآخرين، لكنهم غالباً ما يفعلون ذلك بدافع من ضغط أقرانهم عليهم أو لحاجتهم إلى الانتماء إلى مجموعة معينة من الصبية، لا بدافع عاطفة الرحمة تجاه المذنب.
- لا ينبغي أن تجبر طفلك على أن يسامح، فأنت في الواقع لا تستطيع أن تفعل ذلك، فالتسامح نوع من الحب ولا يمكن إجبار الناس إليه، لكن يمكنك أن تجبر طفلك على ألا يتصرف بدافع الغضب.
- إذا تعمد شخص ما وآلم طفلك إيلاماً قاسياً، وسارعت أنت بنصحه أن يسامحه، فقد تكون بهذا رامياً إلى تحقيق مآربك الشخصية (أن تظهر بمظهر الطيب الخيّر) فالإنسان يحتاج بعض الوقت حتى يسامح الطرف الآخر من قلبه.
- التسامح مع شخص ما لا يعني بالضرورة الاستمرار في العلاقة معه (التصالح) فقد يسيء أحد أصدقاء طفلك له، ويتمكن من أن يسامحه، لكن ليس بالضرورة أن يظل صديقه كما كان وقد يكون في هذا حسن تصرف وحكمة من جانب طفلك.
ما ينبغي قوله:
- عندما يجرح أحد الأصدقاء مشاعر طفلك، تفهّم ما يشعر به من ألم قبل أن تنصحه بالتسامح. "سمعتِ عن طريق المصادفة أقرب صديقاتك وهي تسخر منك في غيبتك. أنتِ الآن لا تريدين الإبقاء على صداقتها أبداً. لا شك أنّكِ تشعرين بحزن شديد. بعد أن يعبر طفلك عن مشاعره ويظهر تفهماً لها اسأليه عما يمثله له التسامح. "لقد مرت ثلاثة أيام دون أن تكلمي ليلى، فما الذي يمكن أن يجعلك تسامحينها؟ "اقل ما تتوقعه في الإجابة سيكون "إن عليها أن تعتذر، يجب أن تعاقب".
- "يمكنك أن تصفي لصديقتك كيف أساءت لك، وتخبريها أنك تريدين منها الاعتذار. كيف يمكنك فعل هذا دون معاناة أو حرج؟".
- ذكر طفلك بالأوقات التي سامح فيها الآخرين. "لقد سامحت أخاك بعد أن أغاظك في الحافلة. أحياناً نسامح الناس فلا نعاقبهم على ما فعلوه، لكن إذا حاولت دائماً أن تعاقب، فهذا ليس تسامحاً ولكنه انتقام".
- "تخيل أنك قررت الانتقام ممن أساء إليك، فما الذي قد يحدث بعد أن تفعل هذا"؟.
- شِّع طفلك على تقمص مشاعر الآخرين. "ضع نفسك مكان صديقك، لماذا تحسب أنّه قال عنك هذه الأشياء السيئة؟".
- علِّم طفلك معنى التسامح وأبرز فيه هذه الصفة الحميدة. "التسامح هو الرغبة الصادقة في أن تعطي شخصاً ما فرصة وإن كان لا يستحقها. ما رأيك في هذا؟".
- "عندما تسامح الآخرين لهذا لا يعني أنك توافق على ما فعلوه، بل أن تقول إن ما فعلوه كان خطأ ومؤلماً لك، لكنك برغم هذا ترغب في أن تسامحهم".
- إذا أخبرك طفلك بأنّه قد سامح صديقه وعادا كما كانا من قبل فاستخدم هذه النقطة في مناقشات معه عن التسامح فيها بعد. "بعد أسبوع من خصامك ليلى عدتما صديقتين مرة أخرى، فهل أنتِ سعيدة لأنكِ سامحتها ولماذا؟".
- شِّع وامتدح جهود طفلك حتى يسامح الآخرين. "أعلم أنّه لم يكن من السهل عليك أن تسامحيها. لكنك استطعتِ أن تفعلي ذلك. كم أنا فخور بك".
- اسمح للطفل بأن يظهر بعضاً من غضبه فيما بعد، فالأطفال قد يسامحون بسرعة لإرضاء الوالدين أو لأنّهم لم يكونوا قد تمكنوا بعد من معرفة درجة ما تعرضوا له من ألم، فإن كان هذا هو الحال فسيظهر بعض الغضب الذي يبطنه الطفل فيما بعد. لا تنتقد طفلك وإنما حاول أن تساعده على أن يتفهم. "من الطبيعي أن تشعر بشيء من الحزن أو الغضب أحياناً بعد أن تسامح الآخرين، فهل تريد التحدث إلى صديقك بشأن ذلك مرة أخرى؟.
ما لا ينبغي قوله:
- "لم يفعل صديقك شيئاً سوى أنّه كسر لعبتك. يمكننا أن نشتري أخرى بدلاً منها. يجب ألا تحمل ضغينة له". الأطفال الصغار يشعرون بالحزن والألم لأشياء قد يعتبرها الكبار تافهة، لكنها بالنسبة للطفل ليست كذلك، ومسألة الشجار على اللعب تعد فرصة رائعة لمساعدة طفلك على التغلب على الإحباطات وحل المشاكل. حاول تفهم مشاعر طفلك أوّلاً. "لا ألومك لحزنك عندما كسر لعبتك متعمداً، فلا شكّ أنّ هذا يضايقك".
"إذا سامحت صديقك فسيعود لإيلامك مرة أخرى". صحيح أن بعض الأصدقاء يفعلون ذلك لكن الكثيرين منهم لا يفعلون، فإذا عاد الصديق إلى الإساءة إلى طفلك مرة أخرى فقد يكون من الأفضل ألا يصادقه، وسيكون هذا درساً جيداً له، ولكن إذا سامح الطفل صديقه وعادا صديقين أكثر مما كانا من قبل، فهذه أيضاً نتيجة طيبة، لذا فلا تعلم طفلك أنّ الصداقة يمكن أن تنهار عند أوّل مشكلة وإلا فلن يكون له أصدقاء أبداً.
- "لقد اعتذر، فماذا تريد أن يفعل أكثر من ذلك؟". التسامح النابع من القلب صعب، وقد لا يؤدي الاعتذار وإن كان حاراً إلى محو كلّ آثار الإساءة، وإذا كان طفلك يريد أكثر من مجرد اعتذار فحاول معرفة ما يريده، فقد يريد تحقيق ما يراه عدلاً أو استبدال ما كسره أو ضيعه صديقه، أو ربما هو بساطة لا يزال يشعر بالحزن والألم. من الأفضل أن تتفهمه وتمتدح ما بذله من جهد ليسامح. "اعتذر لك صديقك لكنك لا تزال تشعر بالحزن والغضب. إنني سعيد لأنك تريد أن تواصل صداقته، لكن المشاعر السيئة قد تأخذ وقتاً طويلاً في بعض الأحيان حتى تتلاشى نهائياً".
قاعدة ثابتة:
· إن قدرتك الشخصية على التسامح مع الآخرين ستنعكس إما بالإيجاب أو بالسلب على جهودك لتعليم طفلك هذه الصفة، فمن الخطأ أن تعلم طفلك التسامح لمجرد أنك تشعر بالذنب لكونك غير متسامح مع الآخرين، أو أن تعلمه ألا يتسامح أبداً.
· حاول قدر استطاعتك أن تحل مشاكلك الشخصية أوّلاً.
قال تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصّلت/ 34)، (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران/ 134).
المصدر: كتاب الإبداع في تربية الأولاد لـ د. توفيق الواعي
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق