• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

«الانتقاد البنّاء» مفيد جداً لأولادك

«الانتقاد البنّاء» مفيد جداً لأولادك

نرغب دوماً كأهل في أن يتمتّع أبناؤنا بالكثير من الصفات الحسنة كالثقة بالنفس والقدرة على التأقلم. لذا، نكون أوّل من يحيطهم بالحب والدعم والمديح عند الحاجة، إلا أننا نجد أحياناً صعوبة بالغة في انتقادهم من دون أن نصنّفهم في خانة الفاشلين أو نحط من قدرهم عندما يأتون بتصرفات لا ترقى إلى مستوى توقعاتنا.

لذا يشرح لك أبرز الخبراء في مجال تربية الأطفال كيف يمكنك أن تنتقد طفلك بطريقة سليمة من دون أن تزعزع ثقته بنفسه..

    

    - الحاجة إلى النقد:

    غالباً ما نتردّد في توجيه النقد إلى أطفالنا، وقد يكون السبب في ذلك تعرّضنا الدائم للنقد اللاذع في صغرنا أو ربّما خوفنا من أن نحطّم أحلام أطفالنا الواعدة، لكن اعلم أنّك بتغاضيك عن عيوب طفلك، لن تتمكّن من مساعدته على أن يثق بنفسه.

وترى سالي آن ماك كورماك، المختصّة في علم النفس ومؤسّسة موقع Parents Online، أنّ الأهل يعتقدون أحياناً أنّ انتقاد الطفل قد يزعزع ثقته بنفسه، إلا أنّ هذا غير صحيح، لأنّ توجيه النقد المُنصف والبنّاء عند الضرورة مهمٌ جدّاً، فهو يثبت لطفلك مدى اهتمامك به وحرصك على تصحيح أخطائه، كما يعلّمه اكتساب مهارات ودروس هامّة في الحياة، كأن يعرف معنى الفشل ويتجنّب الوقوع فيه مرّة أخرى، وأن يتقبّل النقد الذي يوجّهه إليه أستاذه أو المسؤول عنه ويجيد التعامل معه. وفي الواقع، عندما يتجنّب الأهل توجيه النقد إلى طفلهم، قد يظنّ هذا الأخير أنّ صمتهم هو دليل على خيبة أملهم فيه أو عدم اكتراثهم لأمره. وتوضح آنا كوين من عيادة Kids & Co المختصّة في علم النفس السريري، أنّ الأولاد يبذلون جهداً كبيراً ليلفتوا انتباه أهلهم سواء بطريقة إيجابية أم سلبية. وبالتالي، إن تمّ تجاهلهم فقد يشعرون بالإرباك والحيرة، فيبدأون بالتساؤل "هل تتقبّلني أمّي؟"، "هل يشعر والدي بالأسف لأنّني لم أنجح في الإملاء؟"، والجدير بالذكر هو أنّ تراكم هذه الشكوك قد يؤدي إلى اعتياد الأطفال التفكير السلبي.

    

    - النقد الجارح:

    توضح آنا كوين أنّ ثقة الطفل بنفسه تنتج عن شعوره بالأمان وإحساسه بالانتماء، لا سيّما عندما يضع نصب عينيه هدفاً واضحاً ويؤمن بكفاءاته الذاتية. عند ذلك، من واجب الأهل أن يساعدوا طفلهم على تعزيز ثقته بنفسه من خلال الأسلوب الذي يستخدمونه معه. لذا، اعلم أنّك تسيئ إلى العلاقة التي تجمعك بطفلك في كلّ مرّة تهاجمه فيها عوضاً عن انتقاد سلوكه، وفي كلّ مرة تهزأ فيها من تصرّفاته غير مبالياً بمشاعره، أو حتى عندما تنهره وتبدأ بإصدار الأوامر مستخدماً عبارات جازمة مثل "لا يمكنك القيام بذلك على الإطلاق" و"لابدّ لك من القيام بذلك" و"هذا ما تفعله على الدوام"، أو حتى عندما تسيئ مقارنته بباقي الأطفال، لأنّك بذلك تدفعه إلى الانعزال وعدم التواصل مع الآخرين. كما أنّك بانتقادك الدائم لطفلك، تفقده ثقته بقناعاته أو بقدرته على تدبّر أموره الشخصية، وقد يدخل في حوار داخلي سلبي مع نفسه. فإن كنت تردّد على مسامعه بعض العبارات مثل "أنت غير كفؤ"، و"أنت مزعج"، و"أنت لا تجيد انتقاء خياراتك"، تأكّد أنّ هذه العبارات ستدخل ضمن الحوار الذي سيخاطب به طفلك نفسه في كلّ مرّة يتعرض فيها لضغط نفسي، لذا عليك أن تتّبع أسلوباً نموذجياً في التواصل مع طفلك يُشعره بالاحترام والإفادة والصدق. ولا يعني ذلك أن تمطر طفلك بالمديح وتثني على قراءته إن لم يكن يجيد القراءة على سبيل المثال، فهذا التصرف غير صائب على الإطلاق، سيّما وأنّ الطفل يشعر بالضعف عندما لا نكون صادقين معه، لكن يمكنك في المقابل أن تركّز على الأمور الإيجابية التي يتّسم بها وأن تعبّر له عن ثقتك الكبيرة بقدراته. فإن بدأ يتحسّن في القراءة، عليك أن تقدّر جهوده وأن تولي اهتماماً أكبر لتقدّمه ومثابرته لا للنتيجة. وفي حال تشاجر ولداك، لا تبادر إلى توبيخهما وتوجيه بعض الملاحظات التي لا تجدي نفعاً إليهما مثل "كفّا عن التصرّف بحماقة"، بل انتقدهما بشكل بنّاء من دون أن تحكم عليهما واكتف بالقول "أدرك أنُكما تستطيعان حل هذه المشكلة، لنجلس معاً ونتكلّم في الموضوع".

    

    - النقد البنّاء:

    كيف يمكنك أن تنتقد طفلك بأفضل طريقة ممكنة؟ بما أنّ الأطفال غالباً ما يسمعون ويتأثّرون بالأمور السيِّئة التي تذكرها عنهم في كلامك، تنصحك ماك كورماك بأن تحاول توجيه النقد السلبي إليهم بطريقة إيجابية. لذا، إبدأ حديثك دوماً بمقولة إيجابية، ثمّ مرّر النقد الذي تودّ توجيهه قبل أن تختتم كلامك بأمر إيجابي آخر. فإن كان ابنك على سبيل المثال يكتب بشكل خاطئ، لا تسارع إلى انتقاده بعبارات كهذه "لا بأس، لكنّك لم تُحسن كتابة كلّ الكلمات"، بل حاول أن توجّه له ملاحظتك على الشكل التالي "لقد أحرزت تقدّماً ملموساً، لكنّني أظنّ أنّ بعض الدروس ستساعدك على كتابة الكلمات التي لا تعرفها بشكل أفضل، إلا أنني فخور بك لأنّك بذلت الكثير من الوقت والجهد لتحسّن أداءك". وفي بعض المواقف قد يكون من السهل عليك أن توجه ملاحظات وانتقادات لاذعة لولدك، لاسيما عندما ينتابك الغضب أثناء الوقوف لساعات لمشاهدته يلعب كرة القدم أو بعد المرور بزحمة سير خانقة لمشاهدته يشارك في حفلة مدرسية حيث لم يؤدِّ بشكل جيِّد، إذ لا شك في أنّك لن تتوان عندها عن توبيخه بحدّة قائلة "لا أصدّق كم كان أدواؤك سيئاً اليوم، أنا أصرف كلّ هذا الوقت والمال وأنت لا تبذل أي مجهود للتقدّم". وفي مواقف مماثلة، تنصحك ماك كورمان بأن تخاطب طفلك بوتيرة هادئة، كأن تطرح عليه السؤال التالي "هل أنت راضٍ عن أدائك اليوم؟" ذلك أنّ هذا السؤال لن يُشعره بأنّك تحكم عليه، وسيدفعه إلى التفكير في أدائه بهدوء، وحتى إن أجابك بانفعال قائلاً "لقد حاولت!"، لا تجادله على الإطلاق، لأنّه بالتأكيد سيبذل جهداً إضافياً في المرّة المقبلة لاسيّما بعد أن يفكر في الأمر ويأخذ ملاحظات بعين الاعتبار، إذ أنّك لست بحاجة دائماً إلى سماع اعتراف من ابنك لتتأكّد من أنّه قد تعلّم الدرس. وقد استنتجت كوين أنّ الطريقة المثلى لانتقاد طفلك بشكل بنّاء تكمن في توصيف المشكلة أو الحالة التي لا ترضيك، إذ يسهل على الطفل في وضع مماثل أن يستمع إلى المشكلة ويعالجها. واعلم أنّ الطفل يعطي أفضل ما لديه عندما يخبره الأشخاص المحيطون به أنّه محبوب وقادر على التقدّم، لذا أخبر طفلك بأنّك واثق من خياراته، ومتأكّد من أنّه سيتصرّف كما يجب ويتحمّل المسؤولية حتى في أصعب الظروف، وعده بأنّك ستقف دوماً إلى جانبه لتقدّم له الدعم.

    

    - انتقاد المراهقين:

    لا شكّ في أنّ توجيه الانتقاد البنّاء إلى مراهق يشكّل تحدّياً بالنسبة إلى الأهل، لأنّ الأولاد في هذه المرحلة العمرية يأخذون الأمور بحساسية ويهبّون للدفاع عن أنفسهم بحدّة. لذا تنصحك ماك كورمك بأن تبتعد قدر الإمكان عن الوعظ وتوجيه الملاحظات لإبنك المراهق وأن تسمح به عوضاً عن ذلك بالمشاركة في اتخاذ القرار، إذ كلّ ما عليك فعله هو محاولة تحذيره من الأمور السيئة أو المخاطر التي تخشى وقوعه فيها قبل حدوثها، فإن كنتما تشاهدان التلفزيون معاً على سبيل المثال وشاهدتما شاباً يرتدي سروالاً فضفاضاً وممزّقاً، حاول أن تحدّثه عن الصورة السيِّئة التي قد يعكسها ارتداء ثياب مماثلة، لأنّك بذلك ستساعده بطريقة سليمة على اتخاذ قرار صائب بعدم ارتداء ملابس شبيهة عندما يقرّر الخروج في المرة المقبلة من دون أن تفرض عليه رأيك بالقوة. أمّا إن سارعت إلى توبيخه والصراخ عليه عند اقترافه خطأ ما من دون أي تحذير مسبق، فتأكّد من أن حدّة النقاش ستشتدّ بينكما من دون جدوى، لأن إبنك المراهق سيتشبّث برأيه وخياره في محالة لإثبات ذاته. لذا، احرص على أن تغرس في أبنائك، لا سيّما المراهقين منهم، مبادئ التربية السليمة وعلى تزويدهم بالدروس المفيدة والنصائح البنّاءة ليتّخذوا منها قواعد وأسساً ثابتة في حياتهم.

    

    - خمس طرق لتنتقد أولادك بشكل سليم:

    * انتقد باعتدال حتى يأخذ طفلك ملاحظاتك على محمل الجدّ، لأنّك إن أفرطت في توجيه الانتقادات اللاذعة إليه، سيظن أنّك تسعى إلى مهاجمته وحسب.

    * كن لطيفاً وتذكّر أنّ طفلك يحاول دوماً نيل استحسانك ورضاك، فإن انتقدت تصرّفاته بطريقة سلسلة ولطيفة سيحرص على تنفيذ ملاحظاتك وأخذها بعين الاعتبار.

    * لا تنتقد إبنك مطلقاً أمام الآخرين لأنّ ذلك لن يؤدي إلاّ لإحراجه.

    * تأكّد من أنّ ما تنتظرينه من إبنك واقع قبل أن تباشر بانتقاده، إذ قد لا تكون المشكلة في ما يقدّمه طفلك بل في طريقة تفكيرك والأمور المبالغة التي تتوقّعها منه.

    * تجنّب انتقاد إبنك عندما تكون غاضباً، أو متعباً، أو مصدوماً لأن انفعالك قد يدفع إبنك إلى استخدام أسلوب دفاعي، وقد تتفوّه بكلام تندم عليه في ما بعد.


ارسال التعليق

Top