• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

آليات السيطرة على الإنترنت

د. عبد الأمير الفيصل

آليات السيطرة على الإنترنت

◄لقد تعددت أساليب التنظيم والسيطرة التي مارستها الحكومات على شبكة الإنترنت، فالبعض لجأ إلى سن قوانين جديدة لتعقب المحتوى الضار، ومحاكمة المستخدمين والمجهزين، والبعض الآخر احتكر تقديم الخدمات الإلكترونية، وأجبر المواطنين على التسجيل الرسمي قبل الاستخدام، في حين شجعت حكومات أخرى أساليب التنظيم الذاتي من خلال برامج الترشيح ونظم تصنيف المحتوى.

وفي إطار الجدل الدائر حول المشكلات التي يثيرها التنظيم المركزي بشبكة الإنترنت، تبرز أربعة نماذج متنافسة للتنظيم نجملها على النحو التالي.

1- القوانين المؤسسة بشكل جغرافي: من خلال التدخل الحكومي لتعديل أو سن القوانين لحماية المواطنين من المحتوى الضار وغير الشرعي. ولكن الطبيعة غير الجغرافية للإنترنت، تجعل من الصعب تطبيق قوانين مؤسسة بشكل جغرافي. وإذا كان بوسع السلطة المحلية ممارسة الاحتكار، فإنّه ليس بوسعها فرض سيطرتها الكاملة على الإنترنت. وقد يكون للدولة قوة أو سيادة لا تتوفر لخبراء التقنية، ولكن الطبيعة الرسمية والقسرية للقانون، تبدو عاجزة عملياً عن تنظيم الإنترنت.

2- المعاهدات الدولية: من خلال دخول الدول في إتفاقيات دولية تساعد على وضع قواعد جديدة قابلة للتطبيق على نطاق دولي، غير أنّ هذا النموذج يواجه عدة صعوبات منها عدم مواكبة المعاهدات الدولية للتطور السريع في تقنيات الإنترنت. فكلّ يوم يظهر سلوك جديد، وحكم جديد وتوقيع المعاهدات يستغرق وقتاً طويلاً. وبجانب صعوبة تحقيق الإجماع على نصوص المعاهدات الدولية، فإنّ تلك النصوص والمبادئ تتسم بالعمومية مما يثير المشاكل بشأن التفاصيل. والإنترنت تقدم كلّ يوم أسئلة مبتكرة في حاجة إلى التدخل السريع، وطبيعة المعاهدات لا تسعفها.

3- المنظمات الدولية: من خلال تأسيس منظمة دولية تكون مهمتها وضع القواعد المنظمة لشبكة الإنترنت، وتحديد آليات تطبيق تلك القواعد. ورغم أنّ هذا النموذج يتجاوز بعض مشاكل القوانين الوطنية والمعاهدات الدولية، فإنّه يثير العديد من التساؤلات منها: كيف تستطيع منظمة غير حكومية فرض سيطرتها على الإنترنت؟ وبأي حقّ؟ وبأي آليات؟ ولمن ستكون الهيمنة التشريعية: لمجلس حملة أسماء النطاق أم لمجلس حملة العناوين؟ وهل ستكون هناك سلطة قضائية دولية قادرة على فض قواعدها؟

3- القرارات التنظيمية الذاتية اللامركزية: من خلال القبول الطوعي للمعايير والقواعد المنظمة من قبل مكاتب تسجيل أسماء النطاق والشركات مقدمة الخدمة والمستخدمين.

ورغم تزايد فرص نجاح هذا النموذج، الذي يتجاوز المشاكل والتعقيدات المرتبطة بالنماذج الثلاثة السابقة، إلّا أنّه يواجه بعض الصعوبات منها:

·      يتطلب أي نظام تحديد معايير الانتهاكات، ووضع عقوبات، وتحديد آليات للتطبيق. وفي ظل النظام الطوعي، تبرز الأحكام الشخصية، وتتعدد المعايير وتضعف الآليات.

·      الاستغلال السيئ لأسماء النطاق والعناوين.

·      صعوبة الاتفاقع على مفهوم المصلحة العامة وتحديد مفاهيم الخطأ والانتهاك والتشهير.

·      التنظيم الذاتي اللامركزي يتضمن مبادئ وقواعد لا ترقى إلى مرتبة القانون الملزم، ومن ثمّ فإنّ أخلاقيات الشبكة ليست لها قوة ملزمة لردع المخالفين والمنحرفين.

·      وجود رغبة قوية وملحة لدى الحكومات للتدخل لحماية الأمن القومي ومصالح المواطنين، حتى ولو أرجأت التشريع لحين ظهور نتائج التنظيم الذاتي اللامركزي.

·      القانون الذي يقرره التنظيم الذاتي اللامركزي غير متوقع، وغير مستقر، ولا يحقق النتائج المتوقعة.

وأياً كانت النماذج المطبقة، فإنّ تقنيات الإنترنت توفر للمستخدمين إمكانية المراوغة والإفلات من الرقابة، من خلال تغيير عناوين مواقع الويب، والاستعانة بخادم معلومات أجنبي، وتجنب قوائم التسجيل لدى الشركات مقدمة الخدمة بالاتصال الدولي المباشر، ونسخ المواقع الممنوعة ونشرها في أي مكان، وتشفير الاتصال وإنشاء إنفاق إلى المواقع الأجنبية الممنوعة.

نخلص مما سبق إلى أنّ الطبيعة الدولية واللامركزية للإنترنت، تجعل أساليب السيطرة الحكومية أقل فعالية، بل عقيمة في معظم الأحيان، ومن ثم إذا كان التدخل الحكومي ضرورة في بعض الأحيان لتحقيق التوازن بين حرية التعبير والمسؤولية الاجتماعية، فإنّ السيطرة الحكومية تبدو أقل ضرورة في بعض السياقات.

وإذا كانت شبكة الإنترنت تختلف عن وسائل الإعلام التقليدية في طرق توزيع المعلومات، وأساليب التعامل معها، وبيئة الاتصال، ووسائل التعبير، فإنّها تقاوم وبشكل فريد أساليب السيطرة الحكومية والتنظيم اللامركزي، الأمر الذي يؤكد أنّ ما حدث من تطور تقني متسارع، ليس مجرد إحلال لوسائل جديدة وأساليب جديدة، وإنّما يمثل إزاحة للوسائل والأساليب التقليدية، بما يترتب عليه إحداث تحول جوهري في التنظيم القانوني، ينعكس بوجه عام ليس فقط على الإعلاميين المحامين والقضاة والعاملين في مجال الخدمات المعلوماتية الإلكترونية، بل أيضاً على المواطنين ومدى تفاعلهم مع القوانين الجديدة.►

 

المصدر: كتاب دراسات في الإعلام الإلكتروني

ارسال التعليق

Top