• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أخبرني قلبي

د. فوزية الدريع

أخبرني قلبي
 عزيزي الشاب.. كم مرّة حصل أن طرأت على بالك صديق قديم، أو حتى جديد، ثمّ فجأت رأيته، أو سمعت عنه أو اتصل بك، فشهقت: "آه.. كنتُ اليوم أو أمس في سيرتك، وطرأت على بالي". هذا الأمر ليس مصادفة، بل هي حالة وصل وإحساس بعيدة عن حواسنا الخمس المألوفة. إنها حالة "الحدس". وهكذا، فإن قلبنا يخبرنا في معظم قرارتنا ما يجب وما لا يجب عمله. فعلى سبيل المثال، كم مرة قلنا بعد صدمة من إنسان وثقنا به: "أخبرني قلبي بحقيقته، لكنني لم أستمع لقلبي". أو إننا، مثلما حصل معي حين التقيت شريك حياتي، وهذا حصل لكثيرين بأن شعرت: "هذا شريك حياتي للعمر كله". فمن أين يأتي هذا الإحساس؟ والسؤال الأصعب: لماذا لا نثق بإحساسنا حين يخبرنا بذلك؟ السبب يعود إلى أننا أوّلاً تعودنا أن كل أحاسيسنا السلبية توضع في دائرة "الشك والظن"، وهذا الأمر متأتٍّ من التربية ومما يقوم به الأهل من غسل لأدمغتنا لإقناعنا بأنّ الظن أمر سيِّئ، من منطلق الآية الكريمة: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (الحجرات/ 12). نعم، الآية الكريمة تقول "بعض" الظن، وليس "معظم" الظن ولا "كل" الظن. وما تشعر به هو رسالة تأتي غالباً من داخلك وليست مجرد وسوسة شيطان. أضف إلى ذلك أنّه حتى لو علم الآخر بأن ظنك فيه قد صدق، فهناك مقولة أخرى تُستخدم في شكل تعميم خاطئ تقول: "المجرم بريء حتى تثبت إدانته". ولأننا نغالط أنفسنا نقول: لم يبدر من الآخر شيء بعد. وبعد أن تقع الفأس على الرأس، ويثبت أنّ "المجرم هو فعلاً مجرم"، يكون قد فات الأوان. النقطة الثالثة مهمة جدّاً، وهي تأثير حواسنا الخمس فينا. والحقيقة أنّ الحواس المعروفة، وهي البصر والسمع والشم والتذوق واللمس، تعمل بشكل أكبر على المحافظة على الإنسان والبقاء. ونزعة البقاء الجسدي منذ أن نولد هي أقوى من أي نزعة أخرى. لذا، فإن هذه الحواس تتولى قيادتنا مبكراً. كذلك فإنّ التعلم اليومي في كل مراحل حياتنا يعتمد على الحواس الخمس أكثر من اعتماده على الحدس، أو ما يعرف بالحاسة السادسة. وهذا الواقع، أي غلبة الحواس المعروفة، يعود إلى مقارنتها الظالمة بالحدس. وللإيضاح أسأل: ما هو الأهم.. أن تتجنب حادث سيارة أم أن تتجنب إنساناً لا يحبك؟ طبيعياً ستجيب، ومن منطلق غريزة البقاء وحسب برمجة المخ، أنّ الأهم هو تجنب حادث السيارة بتسخير فاعلية الحواس الخمس. ولأنّ الحاسة السادسة أو "الحدس" هو واحد في مقابله خمس حواس، يحصل كذلك في هذا الأمر أنّ الكثرة تغلب الشجاعة. لكن أيضاً هناك نقطة مهمة بخصوص الحاسة السادسة، وهي الفروق الفردية بين الناس في مسألة "الحدس". فلماذا يوجد شخص حدسه عالٍ جدّاً، وآخر لا يستشعر إلا ما ندر؟ كل شخص مختلف في كيفية عمل حاسته السادسة، وهل هي تعمل بشكل جيِّد أم العكس. ونجزم أنّ البعض توصل إليه حاسته السادسة الخبر بطريقة صورة تظهر عنده، والبعض الآخر كأنه يسمع صوتاً والبعض الثالث يعبّر عن ذلك بشكل إحساس جاءه، وهذا النوع يمثل الأغلبية. الحقيقة أنّ الحاسة السادسة موجودة عند الجميع. وكل الذي تحتاج إليها أن يعطيها الإنسان مساحة حتى تظهر، وكل المطلوب من الإنسان حين يأتيه الإحساس أن يتجاوب معه من دون شك أو تساؤل، وبعدها يأخذ وقتاً ليدقق في ما تخبره الحواس، ثمّ يعود للإحساس ويقيس حجم الخطر الممكن، ثمّ يتخذ قراره. إنّ الحاسة السادسة نعمة من رب العالمين، وتجاهُلها هو تحطيم لهذه النعمة ونكران لها.

ارسال التعليق

Top