• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الأخلاق من أجل حياة طيِّبة

الشيخ محمّد جواد مغنية

الأخلاق من أجل حياة طيِّبة

◄هناك أُمور قد يُسمّيها بعض الناس «علماً»، وما هي بشيء، كمعرفة الأنساب، وطول سفينة نوح (ع) وعرضها، واسم نملة سليمان (ع)، وهل هي ذكر أو أنثى؟ وغير ذلك ممّا لا خير في معرفته، وموسع على العباد في جهله.

وفي «أصول الكافي» عن الإمام الصادق (ع): «لا معرفة إلّا بعمل، فمن عرف، دلته المعرفة على العمل، ومَن لم يعمل، فلا معرفة له».

وفي «سفينة البحار» عن الإمام الكاظم (ع): «أولى العلم بك ما لا يصلح لك العمل إلّا به، وأوجبه عليك ما أنت مسؤول عن العمل به، وألزمه لك ما دلّك على صلاح قلبك، وأظهر لك فساده».

وكلّ هذه الأوصاف تصدق وتنطبق على علم الأخلاق، فهو بقواعده ومبادئه يهدي للّتي هي أقوم وأسلم من السلوك والأفعال، بحيث لا يسوّغ الفصل بينهما بحال، لأنّ العلم والعمل لا يصلحان إلّا على أساس الخلق الكريم، ومَن عرف هذا الخلق، لزمته الحجّة، وأصبح عنه مسؤولاً، ومن هنا، قسموا علم الأخلاق إلى نظري وعملي.

والنظري هو الذي يبحث عن أُسس الخير المطلق وفكرة الفضيلة من حيث هي، بغضّ النظر عن المصاديق والأفراد، تماماً كالبحث عن العبادة من حيث هي عبادة، لا من حيث هي صوم أو صلاة فقط.

وأيضاً، يُسمّى العلم النظري للأخلاق بفلسفة الأخلاق، أمّا علم الأخلاق العملي، فلا يبحث عن الخير المطلق والفضيلة كفكرة ومبدأ، بل يبحث عن مصاديق الخير التي تقع تحت الحواس والفضائل الخارجية، كالوفاء بالأمانة والإحسان إلى المعوزين، تماماً كما يقول الفقيه: يجب ردّ التحيّة، وتحرم السرقة. وعليه، يكون موضوع علم الأخلاق النظري بمنزلة الجنس الذي لا يوجد في الخارج إلّا بوجود أفراده، وموضوع علم الأخلاق العملي نفس المصاديق التي تحس وتظهر للعيان، كالكرم والشجاعة.

مثلاً، إذا قلنا: كلّ ما أمر به الوحي والعقل فيه خير، أو كلّ ما فيه نفع وصلاح للناس في جهة من الجهات فهو حسن، كانت هذه القضية أخلاقية نظرية بحتة وفكرة مجرَّدة، وإذا قلنا: هذا الميتم أو المستشفى المجاني خير، تكون القضية عملية، مع العلم أنّ الأخلاق النظرية ليست غاية في ذاتها، بل خطوة مرحلية ينتقل منها الباحث إلى التطبيق والعمل، وهذه المرحلة التطبيقية العملية هي الهدف الأسمى لعلم الأخلاق، بل لكلّ علم على الإطلاق.

أمّا مجرّد الحفظ والفهم لما دوَّنه العلماء في كُتُبهم، أو دار في رؤوسهم، فهو كلام في كلام، تماماً كالحرف المسطور في كتاب مقبور، والفرق أنّ الذي في هذا الكتاب حبر على ورق، أمّا الحفظ، فصورة في مرآة الذهن.

والخلاصة، أنّ العلم النظري للأخلاق مجرَّد معرفة، والعلم العملي سلوك، والصلة بينهما تماماً كالصلة بين اليد والعمل بها، وبين العين ورؤية الطريق.

وكما أنّ كلاً من اليد والعين ليست لمجرَّد الجمال والتناسب بين الأعضاء، كذلك المعرفة ليست لمجرد الترف وتراكم الصور الذهنية، بل للعمل من أجل الحياة الطيِّبة الخيّرة التي يوحي بها الحبّ والعدل، ويهدي إليها الوحي والعقل.►

 

المصدر:  كتاب فلسفة الأخلاق في الإسلام

ارسال التعليق

Top