• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإيمان بالله.. قلباً ولساناً

إيمان إسماعيل*

الإيمان بالله.. قلباً ولساناً
ورد في تعريف الإيمان أنه قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان، فهو يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان. أما قول اللسان فهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وأما تصديق الجنان فهو تصديق القلب لهذه الشهادة بما تحويه من معانٍ ونفي وإثبات. وأما عمل الجوارح والأركان فهو أن تعمل الجوارح والأركان بما تستلزمه هذه الشهادة من فعل الطاعات وترك المحرمات. إن معرفة أمور الدين الإسلامي واجبة على كل من الرجل والمرأة على السواء، سوى ما تختص به النساء من أحكام فقهية أو تشريعية، وأركان الإيمان من أهم أمور الدين التي يلزم معرفتها وفهمها بشكل جيد، لأن الإيمان هو أساس كل عمل صالح يقوم به الإنسان وفي مايلي بيان لتلك الأركان. الإيمان بالله وهو الإيمان بالقلب والنطق باللسان بوحدانية الله تعالى، وأنه سبحانه واحد لاشريك له منزّه عن المثل وعن الند والنظير والشبيه : (...لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى/ الآية 11)، فيجب له سبحانه كل كمال يليق بذاته ويستحيل عليه كل نقص، وهذا على سبيل الإجمال. أما على سبيل التفصيل والبيان فيجب لله تعالى عشرون صفة قائمة بذاته ويستيحل عليه أضدادها ويجوز في حقه فعل كل الممكنات أو تركها كالأيجاد والإعدام وبيان ذلك هو: -       الوجود، صفة نفسية قائمة بذاتها لا بداية لها ولا نهاية ويستحيل عليه ضدها وهو العدم. -       القدم، معنى هذه الصفة أن الله تعالى قديم لا أول لوجوده ويستحيل عليه الحدوث أي الوجود بعد العدم. -        البقاء، أي لا نهاية لبقائه سبحانه، فهو الباقي بعد فناء جميع المخلوقات ويستحيل عليه الفناء : (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ) (الرحمن/ 26 و 27). -       المخالفة للحوادث، فلا يشبه المخلوقين في شيء لا في الذات ولا في الصفات ولا في الأفعال ويستحيل عليه المشابهة. -       القيام بالنفس: فلا يحتاج الى ذات يقوم بها ولا الى موجد يوجده تعالى عن ذلك علواً كبيراً. -       الوحدانية، فالله سبحانه واحد في ذاته وواحد في صفاته وواحد في أفعاله ويستحيل عليه التعدد. -       القدرة، فالله سبحانه على كل شيء قدير وهو مانح القدرة للمخلوقين فيستحيل عليه العجز. -       الإرادة، فالله تعالى يحكم ما يريد ويفعل ما يريد، وإذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون ويستحيل عليه الإكراه. -       العلم، وعلم الله تعالى محيط بكل المخلوقات فيعلم الماضي والحاضر ويعلم المستقبل، وهو مانح العلم للعباد، فيستحيل عليه الجهل. -       الحياة، فهو سبحانه حي قيوم لا نهاية لحياته: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا) (الفرقان/ 58). -       السمع، فالله سبحانه يسمع كل الحركات والأصوات من دون آلة السمع، فهي صفة لله يستحيل عليه ضدها وهو الصمم، قال تعالى: (قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طه/ 46). -       البصر، والبصر من صفات لله تعالى التي تثبت أنه سبحانه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ويستحيل عليه العمى. -       الكلام، والكلام صفة من صفات الله تعالى، والله متكلم بلا صوت ولا حرف، وشبهه العلماء بالكلام النفسي تقريباً لإفهامنا، قال تعالى: (...وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) (النساء/ 164). الإيمان بالملائكة قال الله تعالى:(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) (البقرة/ 285). فالملائكة عباد مكرمون خلقهم الله تعالى من النور لا يأكلون ولايشربون ولاينامون ولايتناسلون ولايتصفون بذكورة ولابأنوثة، كل همهم العبادة:(يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) (الأنبياء/ 20). ولا يعلم عدهم إلا الله فنؤمن بهم إجمالاً. أما الإيمان تفصيلاً فيجب أن نؤمن بالآتي ذكرهم وهم رؤساء الملائكة: سيدنا جبريل، وهو أمين الوحي والواسطة بين الله والرسل، سيدنا ميكائيل، وهو المكلف بتيسير السحاب، سيدنا إسرافيل، وهو المكلف بقبض الأرواح، منكر ونكير، وهما  فتانا القبر، مالك ورضوان، مالك ورضوان، مالك خازن النار ورضوان خازن الجنة، الكرام الكاتبون، وهم الحفظة أيضاً، قال تعالى:(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ. كِرَامًا كَاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الانفطار/ 10-12)، وقال سبحانه:(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) (الطارق/ 4). الإيمان بالكتب السماوية فيجب الإيمان بكل من التوراة ومعناه القانون، وهو الكتاب الذي أنزله الله تعالى على سيدنا موسى (ع)، الإنجيل ومعناه البشارة، وهو الكتاب الذي أنزله على سيدنا داود (ع)، القرآن الكريم، وهو الكتاب الذي أنزله الله على سيدنا محمد (ص) وهو الكتاب الخاتم لجميع الرسالات والمهيمن على ما سبقه من الكتب المنزلة، وقد تعهد الله سبحانه بحفظه لم يتغير ولن يتبدل منه حرف واحد الى قيام الساعة، قال تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر/ 9)، بخلاف الكتب السماوية السابقة، فقد تركت لحفظ البشر فبدلوها وغيروها. ويجب الإيمان أيضاً بصحف سيدنا إبراهيم (ع). الإيمان بالرسل يجب الإيمان إجمالاً بأن الله تعالى أرسل رسلاً وأنبياء كثيرين لا يعلم عددهم إلا هو سبحانه. أما تفصيلاً فيجب الإيمان بخمسة وعشرين نبياً ورسولاً ورد ذكرهم في القرآن الكريم. ففي (سورة النعام) ثمانية عشر في قول الله تعالى: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) (الانعام/ 83-86). ثم يبقى سبعة وهم إدريس وهود وعيب وصالح وذو الكفل وآدم ومحمد (ع). وما ورد من ذكرهم هكذا لا يفيد الترتيب الزمني لهم (ع). والنبي هو من أوحى الله إليه ولم يأمره بالتبليغ، والرسول هو من أوحى الله إليه وأمره بالتبليغ. فكل رسول نبي وليس كل نبي روسلاً. ويجب في حق الأنبياء الصدق والأمانة والفطنة والتبليغ ويستحيل عليهم أضدادها وهي الكذب والخيانة والبلادة والكتمان، ويجوز في حقهم الأكل والشرب والزواج وكل ما لايقدح في العصمة كالأمراض غير المنفرة، والعصمة ثابتة للجميع فلا يذنبون أبداً وما حدث منهم مما يشبه الخطأ، فهو على خلاف الأولى وخاصة بعد أن يوحى إليهم. أما أولو العزم فهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (ع)، والعزم هو الصبر وتحمل الأذى. الإيمان باليوم الآخر يجب الإيمان باليوم الآخر وما فيه، وسمي بالآخر لأنه آخر أيام الدنيا، أو لأنه لا ليل بعده. وهو يوم الدين، أي يوم الجزاء على الأعمال وفيه ما يأتي: -       البعث والنشور: وهو إحياء الموتى جميعاً وإخراجهم من قبورهم حفاة عراة كما خلقهم الله أول مرة، قال تعالى:(أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (يس/ 77-79). -       الحشر: وهو سوق الناس بعد بعثهم الى الموقف للعرض والحساب، قال تعالى: (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا. وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا. وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (الكهف/ 47-49). -       الحساب: يجب الإيمان بالحساب وأن الله تعالى سيحاسب الناس جميعاً في وقت واحد لا يشغله محاسبة أحد عن أحد، قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ. فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا. وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا. وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ. فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا. وَيَصْلَى سَعِيرًا) (الانشقاق/ 7-12). -       الميزان: ويجب الإيمان بالميزان الذي توزن به افعال العباد من حسنات وسيئات، قال الله تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الانبياء/ 47). الإيمان بالقدر

الإيمان بالقدر، أي ما سبق في علم الله تعالى من جميع أمور الكائنات صغيرها وكبيرها، لأن علم الله تعالى محيط بكل شيء، ولا يجوز الاحتجاج بالقدر ولا بإرادته لها، قال سبحانه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) (فصلت/ 46).

*مديرة الأوقاف في دبي

ارسال التعليق

Top