• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الاتزان الروحاني

د. الراحل إبراهيم الفقي

الاتزان الروحاني

◄إنّ أوّل ما يساعد الإنسان على التحكم بأحاسيسه: الاتزان الروحاني، وهو أساس السعادة الدائمة، والسبب في ذلك أنّه عندما يكون إدراكك روحانياً، يصبح تفكيرك روحانياً، وتركيزك روحانياً، وإحساسك وسلوكك روحانياً، وبالتالي تصير نتائجك روحانية.

عندما يصبح الشخص روحانياً يكون سمحاً في تعامله مع الناس ليرضى الله عزّ وجلّ، يكون حسن الخلق لطيفاً ودوداً كريماً، فالاتزان الروحاني يرتقي بسلوكيات الإنسان، حينما تصلح علاقة العبد بخالقه، فإنّ ذلك ينعكس على علاقته بالناس، فتجده يعين الضعيف ويعطي المحتاج ويغيث الملهوف ويرحم الصغير ويوقر الكبير.

"إنّ تحملك لمسؤولية حياتك هو بداية تحكمك في ذاتك.."

ومن أهم مبادئ البرمجة العصبية: احترام وتقبل الآخرين على ما هم عليه، و"أنا مسؤول عن عقلي، لذا أنا مسؤول عن نتائج أفعالي"، لأنّ العقل يبني أفكاره على آخر تجاربه، وبالتالي يبدأ بتلك الأفكار حين يتعامل مع التجارب الجديدة، والمرء مسؤول عن توجيه طاقته؛ لأنّه مسؤول عن أفكاره، فبمجرد أن تفكر في فكرة ما تتحوّل إلى طاقة، توجه هذه الطاقة في اتجاه ما وتؤدي إلى سلوك ونتائج من نفس نوع الفكرة.

إنّ أحاسيسك من صنعك أنت، وأنت المسؤول عن التحكم فيها، وأنت لست أحاسيسك أو أفكارك أو إدراكك، فأفضل بين ما هو أنت، وبين أي شيء آخر في الحياة، فلا تقل "أنا" ثمّ تنطق بعدها أي كلمة سلبية: تعيس، فاشل، مضطرب؛ لأنّ هذه الكلمات تعبر عن حالات طارئة على الإنسان متعلقة بنشاطات الحياة وتحدياتها، فبعد أن تقول "أنا" قل شيئاً إيجابياً يعود عليك بالنفع، فالمخ يخزن المعلومات التي تمده بها، ثمّ يخرجها لك من نفس نوعها.

حين تواجه أمراً ما، وفي المواقف المشابهة له يمدك العقل بنفس الأفكار والأحاسيس، لذا لاحظ أفكارك، فهي تتحول إلى كلمات وأقوال، تتحول – بدورها – إلى أفعال وسلوكيات، تعطي نتائج، فبملاحظتك لأفكارك يتغير مسار حياتك، ومن ثمّ أعود لأكرر أنّ "إدراكك للشيء هو بداية تغييره"، فلا تحاول تغيير الآخرين، بل ابدأ من نفسك داخلياً.

يقول غاندي: "كن التغيير الذي تريد أن تراه في العالم"، ويجب أن يكون التغيير مبنياً على قيم المرء الموجودة في مفهومه الذاتي، لا يمكن أن يتغير المرء ويستمر تغيره إلا إذا كان هذا التغيير مبنياً على قيمه ونابع من داخله عن اعتقاد، لا تستطيع أن تغير أحداً إذا أثرت عليه لفترة ما، دون أن يكون هذا التغيير نابع من داخله.

فلا تستطيع أن تغيره ولكنك تستطيع أن تعينه على تغيير نفسه، بأن توسع له آفاقه وتعلمه كيفية اتخاذ القرار، ومواجهة المشكلات وتذليل الصعاب.

حينما تتحمل مسؤولية حياتك، ويحدث إخفاق في أمر ما، فإنك لا تلقي باللوم على الآخرين وتحمّلهم التبعات، بل تبحث عن أسباب هذا الإخفاق، وتزيلها من طريقك وتصحح أخطاءك.

إنّ الشخص الذي يتحمل مسؤولية حياته، يحرص على التعلّم من أخطائه وتجاربه، ويجيد استثمار وقته، وتحسين مهاراته وإمكانياته، وتوظيف طاقاته وقدراته.

 

إنّه شخص ذو أهداف سامية ورؤية واضحة، يصمد في مواجهة تحديات الحياة، ويعمل على إزالة العراقيل والعقبات التي تعترض طريقه، فلا بأس ولا اكتئاب ولا شكوى ولا لوم للآخرين، وإنما عمل واجتهاد ومثابرة.

إذا أردت أن تساعد الناس، فليكن ذلك تبعاً لأسلوبهم لا أسلوبك أنت، فلا تملِ عليهم ما يجب أن يفعلوه، وإنما ساعدهم على تنمية مهاراتهم وإمكانياتهم وعلى توظيف طاقاتهم وقدراتهم..

وحاذر أن تحطم معنوياتهم أو أن تبعث في نفوسهم التشاؤم، وألِنْ لهم جانبك، ولا تُسمع آذانهم إلا الكلمة الطيبة والقول الحسن، فللكلام والبيان تأثير بالغ، فبالكلمة بعث الله الرسل، وبالكلمة نشر العدل والسلام، وبها اندلعت الحروب والغزوات، وبها كان الزواج، وبها كان الطلاق.

إذن لا تحاول أن تغير الآخرين، ولكن إبدأ بنفسك أوّلاً، واعلم إنّه مهما كانت صعوبة التحديات التي تواجهك، فإنّ لها حلاً يكمن بداخلك.

 

يقول أحد أطباء علم النفس: "إنّ كلَّ مشكلة تحتوي في جذورها على حلها"، فإذا غيّرت ترتيب عناصر المشكلة، فسوف تستطيع الوصول إلى حلها، إنّ الأمر أشبه بتغيير ترتيب حروف كلمة "آلام" لتصير "آمال"، فكلّ تحدٍ من تحديات الحياة تكمن حلوله في داخله..

السبب في ذلك أنّ هذه التحديات هداية من الله عزّ وجلّ، فهي تعلمك الصبر، والتكيف والتأقلم مع ظروف الحياة، والالتزام والانضباط، فما من داء إلا وله دواء، وقد كتب الله على نفسه الرحمة، وحرَّم على نفسه الظلم، وليس ثمة مشكلة دون حل.

ضع الأمور في نصابها الصحيح، وتعامل مع تحديات الحياة على قدر حجمها، فإذا حدث خلاف بينك وبين شخص آخر وغضبت، فلا تقل "أنا غاضب من فلان"، بل أنت غاضب من تصرف صدر منه أو كلمة قالها لك، فحينما تحدد المشكلة بدقة، وتقدّر التحدي تقديراً دقيقاً سليماً دون تعميم أو مبالغة، وتعلم أنك لست غاضباً من الشخص، وإنما من سلوك صدر منه، هذا السلوك يحمل رسالة لك، لابدّ من فهمها ومعالجتها.. حينما تفعل ذلك تصبح أقدر على التواصل والاتصال مع الناس.

إنّ كلَّ إحساس يحمل رسالة، تَعرّف عليها، فالعقل العاطفي مسؤول عن الأحاسيس، والعقل التحليلي مسؤول عن الأفكار والتقييم والمنطق، فعندما تتعرف على وجود رسالة، فأنت تفكر بالعقل التحليلي، وما دام العقل التحليلي في حالة عمل، فإنّ العقل العاطفي يكون في حالة استرخاء، وعندما تتمتع بمهارة التعرف على أحاسيسك، تصبح الأحاسيس إيجابية.

يقول "كارل يونج" في كتابه "الاستخدامات الإيجابية والسلبية في علم النفس"، عبارة شهيرة ذات أهمية بالغة هي: "احتفظ بالمهارة، وتخل عن الأحاسيس السلبية"، فالأحاسيس تتبع نوع الأفكار، وبمجرد أن تحتفظ بالمهارة تصير الأحاسيس إيجابية، وتختفي الأحاسيس السلبية، لتحل محلها أحاسيس أخرى تتناسب والإدراك والأفكار الجديدة.

فعندما تبذل جهداً في العمل، وتفاجأ بأنّه تم تسريحك منه، فلابدّ أن تسأل نفسك: ماذا تعلمت من هذه التجربة؟ وحينما تمرّ بأي تجربة فلابدّ أن تسأل نفسك هذا السؤال؛ لأنّ ذلك يمنحك مهارة؛ لأنّه يجعل العقل التحليلي يفكر ويحلل ويقيِّم، وما دام العقل التحليلي يقوم بهذه العمليات إيجابياً، فالأحاسيس السلبية سوف تختفي.

كلّ إنسان يختار أفضل اختيار له في الوقت الحاضر، وهذا يعد الافتراض الخامس في البرمجة العصبية، بمعنى أنّه لو كان هناك شخص جالس لمشاهدة التلفاز، فإنّه اختار ذلك، وهذا أفضل اختيار بالنسبة إليه، أشِرْ عليه باختيار آخر أنسب له، وعلّمه كيف يفكر، وسوف يختار هو شيئاً آخر أنسب له، ولكن في الوقت الحاضر هو قد اختار، فلا تنتقد اختياره، بل وسّع له آفاقه، وأشر عليه باختيارات متعددة، وبدائل متنوعة. ►

 

المصدر: كتاب كيف تتحكّم في شعورك وأحاسيسك؟

ارسال التعليق

Top