يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران/ 133-134). في هذه الآيات، دعوة من الله سبحانه وتعالى لكلِّ عباده إلى أن يسارعوا قبل فوات الأوان للحصول على مغفرةٍ من ربّهم، وعلى الجنّة التي تتّسع حتى يكون عرضها كعرض السماوات والأرض. والمسارعة تتحقّق بالسَّير على خطّ التقوى، الذي يجعل الإنسان يراقب الله في كلِّ أُموره، فلا يغفل عن الله في أيّة لحظة، فيتذكّر الله عندما يفكِّر ليكون تفكيره خيراً، ويراقب الله ويتّقيه عندما يتكلَّم حتى لا ينطق بالكلام الذي يضرّ البلاد والعباد. وإذا أراد أن يفعل، فلابدّ من أن يراقب الله ويتّقيه حتى لا يكون عمله إلّا خيراً. فالله أعدّ الجنّة للمتقين في تمثّلهم التقوى من الأُفق الواسع الذي يشمل كلَّ فكر الإنسان وعمله. ويؤكِّد الله مسألة العفو عن الناس؛ أن تعفو عمّن أساء إليك، إذا كان في ذلك مصلحة، ثمّ يقول الله إنّ مَن كظم غيظه وعفا عن الناس، كان محسناً، والله يحبّ المحسنين.
كما وإنّ الله يريد من الإنسان دائماً أن لا يتحرّك بذهنية شفاء الغيظ بأن يكون كلّ همّه شفاء الغيظ، حتى لو أثار ذلك له وللناس أكثر من مشكلة. والذي يفكِّر بهذه الذهنية، هو الذي قد يقضي على نفسه وعلى غيره؛ إنّها عقلية الإنسان الذي لا يفكِّر بطريقةٍ هادئةٍ معقولة.. وفي بعض الأحاديث: «مَن كظم غيظاً وهو يقدر على إمضائه، حشا الله قلبه أمناً وإيماناً يوم القيامة». بعض الناس يفكِّرون في أنّ شفاء الغيظ مصدر قوّة، وأنّ الذي لا يفعل ذلك هو إنسان جبان وضعيف، ولكنّ المسألة أنّ ذلك يمثّل صرع حلمه بغضبه، لأنّ مَن لم يملك غضبه لم يملك عقله.
يقول أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في خطبةٍ له: «لا يهلك على التقوى سنخ أصل، ولا يظمأ عليها زرع قوم. فاستتروا في بيوتكم، وأصلحوا ذات بينكم، والتوبة من ورائكم. ولا يحمد حامدٌ إلّا ربّه، ولا يلِمُ لائِمٌ إلّا نفسه». ويصف أمير المؤمنين (عليه السلام) حال من يعيش التقوى في قوله وفي عمله، كحال الشجرة الطيِّبة القوية الجذور، أصلها ثابتٌ لا يتزعزع في التربة، وثمرها طيِّبٌ أُكُله، فصاحب التقوى سليم من المخاطر والمهالك، كما الشجرة الثابتة السليمة في مأمن من المرض والهلكة. كما ويصف (عليه السلام) التقوى كالماء، حيث الزرع ينمو به ويُثمر، فكذلك الأعمال الصالحة تعود بخيراتها ونفعها على صاحبها من خلال التقوى.
نتعلّم من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) أهميّة الالتزام بالتقوى كطريقةٍ للانتصار على الأنانيات والذاتيات والشهوات، وكطريقة لحفظ النفس من غلبة الهوى واتّباع الباطل، كما نتعلّم أن نكون من الواعين العاقلين الذين يفيدون المجتمع بأخلاقهم ومواقفهم وحركتهم، والمؤمنين الذين يسعون في الإصلاح بين الناس، ويحاربون أصحاب الفتنة ويواجهونهم بالوعي والحكمة. كما نتعلّم منه (عليه السلام) كيف نكون من الحامدين لله حقّ الحمد، والشاكرين له حقّ الشُّكر، المعترفين بفضله ونِعَمه علينا، والطالبين للتوبة على الدوام، المقبلين على العدل والحقّ، المبتعدين عن طاعة الهوى والشيطان.
ختاماً، تقوى الله تعالى تعني الصحوة في الضمير، وتعني العمل الدؤوب في سبيل إحقاق الحقّ والتمسّك به، ومواجهة الباطل والظلم، ومكافحة كلّ شكل من أشكال الفساد والانحراف، إنّ التقوى تعني التزام حدود الله، والتحلّي بالإخلاص، وتحمّل الأمانة والمسوؤلية، حتى تكون دنيانا ساحةً نكتب فيها مصيرنا في الآخرة، بكلّ إيمان وثبات وإخلاص وتُقى.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق