• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التنافس بين الأشقاء والشقيقات.. حتمي ولا يمكن تجنبه

التنافس بين الأشقاء والشقيقات.. حتمي ولا يمكن تجنبه

◄التنافس بين الأشقاء والشقيقات حتمي، ولا يمكن تجنبه أبداً. فمادام هناك أشقاء وشقيقات، هناك تنافس. فما العمل؟
تبدأ المشاكل عادة بعد ولادة الطفل الثاني وتستمر طوال مرحلة الطفولة ويمكن أن تسبب الإحباط والقلق لمعظم الأُمّهات. وكما يؤدي التنافس في حالات نادرة إلى نتائج كارثية، كما في قصة هابيل وقابيل، فإنّه يترك أيضاً أثراً سلبياً في كل أفراد العائلة. ومثلما أنّ للتنافس بين الأشقاء والشقيقات جوانب سلبية عديدة، فإن هناك جوانب إيجابية أيضاً على الأُم أن تبحث عنها وتجدها.

دور الأُم:
تستطيع الأُم أن تلعب دوراً أساسياً في معالجة التنافس بين الأشقاء بفاعلية. إن موقف الأُم من التنافس وتجاوبها مع احتياجات طفلها العاطفية وتقبلها للتقنيات التي يستخدمها في التغلب على المصاعب، تسهم كلها في قيادة العائلة إلى برّ السلام وتشيع جواً من الانسجام بين أفرادها. إنّ التنافس بين الأشقاء ظاهرة طبيعية شائعة يجب معالجتها بفاعلية حتى لا تؤثر نتائجها في علاقة الأشقاء مع بعضهم.
إنّ احتياجات الأطفال العاطفية الفطرية، تدفعهم إلى التنافس والتشاحن للاستئثار باهتمام الأُم الذي لا يُجزأ. ويؤثر التنافس في الأطفال في كل العائلات تقريباً، وتعتمد مضاعفاته على الأطفال أنفسهم وعلى طريقة معالجة الأُم للأمر. إنّ الأُم التي تعرف كيف توازن في تعاملها مع أطفالها في هذه المرحلة المؤقتة، تستطيع أن تتعامل مع تنافس الأشقاء بطريقة إيجابية.
يوفر التنافس العديد من الفرص للطفل، حيث يستطيع أن يتعلم ويتدرب ويفهم العلاقات بين الأشخاص بطريقة أفضل. في الغالب، تمثل الحياة العائلية مختبراً صغيراً، حيث يبدأ الطفل تعلم أشياء كثيرة في سنوات عمره الأولى من مثل التعاطف والإدراك والتواصل. فمنزل العائلة هو المكان الذي يتمكن فيه الطفل من تعلم التعامل مع المشاعر السلبية، مثل الغيرة، في بيئة صحية. على الرغم من بعض النتائج السلبية لتنافس الأشقاء، فإن تعلم كيفية التعامل معه وكيفية إقامة روابط عائلية، جزء مهم من النمو. تستطيع الأُم تحسين مهارات طفلها عموماً إذا علمته التواصل ومهارات حل المشاكل عندما يزحف التنافس إلى حياة الأشقاء. إيجابيات:
في بعض الحالات، يمكن أن يكون للتنافس بين الأشياء نواحٍ إيجابية. فقد يتنافس الأشقاء في ما بينهم في مجالات مختلفة، رياضية، أو علميّة، أو اجتماعية. وقد يساعد هذا التنافس على إظهار مقدرة الطفل. بالتأكيد، عندما يتوسع هذا التنافس ليشمل مجالات مثل التنافس على اهتمام الأُم ومحبتها، يمكن أن يتحوّل إلى تنافس سلبي. ومع ذلك يمكن أن يساعد التنافس اللطيف المقبول على تحسين الطفل في نواحٍ أخرى عديدة.
أثناء تعامل الأُم مع التنافس بين الأشقاء أو الشقيقات، عليها أن تحاول التركيز على الجوانب الإيجابية وأن تقلل قدر الإمكان من الجوانب السلبية. إن مساعدة الأطفال على الاعتذار عن الأخطاء المرتكبة أثناء التنافس وإعادة التصالح بعد كل شجار يكسبهم خبرات هائلة تفيدهم كثيراً في المستقبل.
كيف تستطيع الأم وضع حد للتنافس؟ في الحقيقة لا تستطيع الأُم وضع حد نهائي للتنافس بين الأشقاء أو الشقيقات. الأطفال وحدهم يملكون القدرة على ذلك. إن إدراك الأُم لهذه الحقيقة يساعدها كثيراً على محاولة التقليل من التنافس بين الأشقاء. هناك العديد من خبراء التربية الذين يعتبرون أنّ التنافس بين الأشقاء جزء طبيعي وعادي من النمو والتطور، وأنّه لابدّ من تقبل قدر معيّن من التنافس في ما بينهم.
ومع ذلك، يمكن أن يسبب التنافس بين الأشقاء الإحباط للأهل. ففي بعض الحالات يمكن أن يأخذ التنافس منحى سيئاً جدّاً، وينتهي إلى التسبب في إلحاق الأذى جسدياً أو لفظياً بطرف من الأطراف. من أقدم القصص التي تدل على التنافس السلبي، هي قصة الشقيقين قابيل وهابيل التي انتهت بمقتل أحدهما على يد الآخر. لهذا السبب، من المهم أن يبذل الأهل أقصى ما في وسعهم للمساعدة على وضع حد للتنافس، وبشكل خاص السلبي، أو على الأقل التخفيف من حدته قدر الإمكان.
أهم ما تستطيع الأُم فعله للمساعدة على وضع حد للتنافس هو تعليم أطفالها مهارات حل المشاكل والصراعات. عليها بداية تعليم طفلها التعبير عن مشاعره وتحديد بدقة السبب الذي ولّد عنده هذه المشاعر. وما إن يتمكن الطفل من التعبير عن احتياجاته ورغباته للأُم، عليها الانتقال إلى الخطوة التالية وهي تعليمه الاستماع إلى احتياجات ورغبات شقيقه أو شقيقته. حينما تتمكن الأُم من مساعدة طفلها على الإفصاح عن احتياجاته والاستماع إلى احتياجات شقيقه، فإنّها تزوده بالأدوات اللازمة التي يحتاج إليها، ليس فقط لوضع حد للتنافس، وإنما لحل مشاكل أخرى يمكن أن تواجهه في الحياة أيضاً.
في العديد من الحالات، يفضل التعامل مع المنافسة بين الأشقاء بأسلوب غير مباشر، لأن تدخل الأُم وسط جدال محترم بين الأشقاء يمكن أن يوحدهم ضدها. بدلاً من تدخلها، يفضل أن تتحدث إلى كل طرف وحده وأن تساعده على تحديد السبب الذي أدى إلى الجدل الحاد والتقاتل، وأن تسأل كلاً منهما عما يمكن فعله لتجنب مثل هذا التصرف مستقبلاً. تستطيع الأُم الصبورة والمتفهمة والتي تمتلك مهارات التواصل، أن تخفف إلى حد كبير من التنافس بين الأشقاء، إن لم نقل وضع حد له. أسباب:
أمّا الأسباب التي تثير التنافس بين الأشقاء. فإنّ هناك العديد من الحقائق التي تسهم في إثارة التنافس بين الأشقاء منها:
• التنافس على تحديد الهوية الشخصية: عند اكتشاف كل طفل هويته الخاصة، يحاول اكتشاف مواهبه والأنشطة التي تهمه واهتماماته. كل طفل يحب أن يظهر أنّه مختلف عن بقية أشقائه وشقيقاته.
• شعور الطفل بأنّه لا يحصل على القدر نفسه من اهتمام أمه والاعتناء به وتجاوبها معه.
• قد يشعر الطفل بأنّ المولود الجديد يشكل تهديداً لعلاقته بأمه.
• إنّ مراحل نمو وتطور الطفل تؤثر في درجة نضجه ومدى استعداده لتقاسم اهتمام أمه من أشقائه وشقيقاته.
• تزداد احتمالات أن يلجأ الطفل المحبط نتيجة شعوره بالجوع أو الملل أو التعب أو القلق، إلى التقاتل مع أشقائه وشقيقاته.
• قد لا يعرف الطفل كيف يحصل على اهتمام شقيقه أو شقيقته، أو كيف يقاسمه أنشطته بإيجابية فيختار أن يتقاتل معه.
• يزداد احتمال تقاتل الأطفال الذين يتربون في كنف أم تعتقد أنّ العدائية والمشاجرات بين الأشقاء أمر طبيعي وأنّها الطريقة الوحيدة لحل مشاكلهم.
• إنّ عدم تخصيص وقت تمضيه العائلة في اللعب والمرح معاً، يؤثر في علاقات الأشقاء والشقيقات ويزيد من فرص تقاتلهم ومشاحناتهم.
• إذا كانت الأُم تعاني قلقاً دائماً، فإنّ هذا يؤثر في علاقاتها بأطفالها وبالتالي في درجة اهتمامها بهم، ما يدفعهم إلى التنافس في ما بينهم.
• إذا كان الطفل يعاني القلق الدائم، فإن هذا يزيد من احتمال انفجاره ويقلل من قدرته على تحمل الإحباط، الأمر الذي يؤدي إلى تشاحنه مع أشقائه باستمرار. وسائل:
أمّا وسائل معالجة التنافس بين الأشقاء والشقيقات، فإنّ هنا بعض الوسائل المحددة التي تساعد الأُم على معالجة التنافس بين الأشقاء بفاعلية:
• تخصيص وقت محدد لكل طفل: إنّ تمضية الأُم وقتاً خاصاً مع كل طفل من أطفالها، هو بمثابة رسالة تؤكد له فيها أنّه مهم وتحب أن تشاركه أنشطته واهتماماته. إنّ هذه المقاربة الإيجابية تشعر الطفل بالأمان وتساعده على بناء ثقته بنفسه. يمكن أن تمضي الأُم بعض الوقت مع طفلها، فإما تحدثه عن حياته اليومية أو تشاركه نشاطاً يحبه. مهما كان الوقت الذي تمضيه الأُم مع طفلها فإن فوائده لا تحصى.
• التعاطف مع مشاعر الطفل وتفهمها: يتوق الطفل، خاصة في سنوات نموه الأولى، إلى الحصول على استحسان الأهل، ويحاول أن يكسب تعاطفهم الكامل بكل الوسائل الممكنة. وهذا ما يحصل بشكل خاص مع الطفل الأوّل بعد ولادة الطفل الثاني، قد يشعر الطفل الأوّل بالتهديد من الطفل الثاني وبالخوف من أن يفقد حب الأهل واهتمامهم، قد يولد هذا الشعور مشاعر سلبية تجاه "الطفل" الآخر. لذا، من المهم جدّاً أن يتعاطف الأهل مع احتياجات الطفل العاطفية وتفهمها.
• على الأُم أن تؤكد باستمرار حبها غير المشروط لطفلها واهتمامها به: إذا أظهرت الأُم مشاعر الحب والاهتمام نفسها لطفليها وأكدت ذلك بالقول والفعل، يمكن أن تنجح في تجنيبهما المشاجرات والجدل وتوجيه التهم لبعضهما البعض والتقاتل.
• احترام شخصية الطفل وميزاته الفردية: يمتاز كل طفل بمواصفات يتفرد بها. من هنا، على الأُم أن تتجنب المقارنة بين الأشقاء أو الشقيقات. بدلاً من ذلك عليها أن تأخذ وقتها لاكتشاف ميزات كل منهم وتشجع مواهبه وقدراته. إنّ الأُم التي تتجنب إحساس طفل من أطفالها بأنّه أفضل من بقية أشقائه أو أدنى درجة منهم، تتمكن من منع حصول تنافس في ما بينهم. إذا أنجز طفل من أطفالها نجاحاً في مجال ما، على الأُم أن تشجع أشقاءه وشقيقاته على المشاركة في الاحتفال بإنجازات شقيقهم أو شقيقتهم مهما كانت صغيرة. يعتبر هذا الأسلوب في التعاطي مع الأشقاء مهماً جدّاً لأنّه يجنبهم تفشي مشاعر الغيرة والحسد والغضب في ما بينهم. وفي الوقت نفسه، تضع الأُم حداً لتأثير التنافس السلبي في أطفالها قبل أن يستفحل ويصعب عليها معالجته.
• تطبيق العدالة مع كل الأطفال: على الأُم أن تؤكد لأطفالها أنها تحب أن تتقاسم مع كل منهم الوقت والاهتمام والحب بعدالة، وأنها لا تسمح لأي منهم بأن يفرط في مطالبه إلى درجة إلحاق الأذى بأشقائه أو شقيقاته. يجب أن يعرف الأطفال أنّ القوانين المتعلقة بالتصرف تطبق على الجميع. وأنّه لا العمر ولا المهارات ولا المظهر ولا العادات ولا القدرات ولا درجة الذكاء يمكن أن تغير من موقف الأُم حيال التصرفات غير المقبولة أو تجعلها تفضل أحدهم على الآخرين. على الأُم ألا تعاقب الطفل الخاطئ في حضور أشقائه أو شقيقاته مهما كان الظرف. عليها أن تنفرد به بعيداً عن بقية أفراد العائلة وأن تُعرب له عن رغبتها في تحسين سلوكه ووضع حد لأخطائه.
في الخلاصة، من المهم ألا يغيب عن بال الأبوين أنهما المثال الذي يقتدي به الأطفال. إنّ طريقة تعاملهما مع بعضهما بعضاً وموقف كل منها من الطرف الآخر، يمكن أن يؤثرا سلباً أو إيجاباً في علاقة الطفل الصغير مع أشقائه وشقيقاته. إن خلق جو يسوده الحب والاهتمام بين أفراد العائلة، يقلل كثيراً من احتمالات التنافس بين الأشقاء أو الشقيقات. كما أن تشجيع الطفل على التعبير عن مشاعره بطريقة إيجابية، يمكن أن يبعده عن التنافس السلبي.►                                                                                                                      

ارسال التعليق

Top