• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحبّ الحقيقي لله تعالى

أسرة البلاغ

الحبّ الحقيقي لله تعالى

◄نعرّف الحب أوّلاً، فما هو الحبّ؟

-            ما معنى الحبّ؟

إذ قلت إنّي أحبّ الشيء أو الشخص الفلاني، فماذا تعني بقولك (أحبّه)؛ تعني واحداً من الأمور التالية، أو كلّها:

1-      جعلتُ قلبي معرّضاً لحبّه.

2-      آثرته على غيره.

3-      مِلتُ له ميلاً شديداً.

4-      طلبتُ القُربَ منه.

5-      أطعته واتّبعتُ أوامره.

وحبّ الشيء أو الشخص يكون أحد ثلاثة أنواع:

1-       (محبّة لذّة) كحبّ الرجل للمرأة والمرأة للرجل.

2-      (محبّة نفع) كحبّ المال، فنحن نحبّ المال لا لأوراقه النقدية أو قطعه المعدنية، بل لما يُحقِّق لنا من منافع، ويُلبِّي لنا من احتياجات.

3-      (محبّة فضل) كمحبّة العلماء الأدباء والمحسنين.

كلّ المواصفات الخمس في تعريف الحبّ تنطبق على حبّنا لله، ونوعان من أنواع تصحّ وتصدق عليه، وهما: (محبّة النفع) و(محبّة الفضل)، فالله تعالى النفّاع الذي بيده الخير وهو على كلّ شيءٍ قدير، والله ذو الفضل والإنعام والمنّ والإحسان، والله تعالى يُحَبّ لذاته لأنّه مجمع الكمالات.

أ‌-           (محبّة الله تعالى للعبد): من خلال إيجاده وتربيته، وتغذيته، وحراسته، ولطفه به وإحسانه، وإكرامه وإنعامه عليه، وهدايته إلى سبل الخير ومنحه السعادة في الدنيا والآخرة: وهذا (حبُّ عام).

وهناك حبّ خاص للصالحين والمخلصين من عباده كالتوابين والمتطهِّرين.

ب‌-     (محبّة العبد لله تعالى): بطلب الزّلفى (التقرّب والتودّد) إليه، وطاعته وعبادته، والاستجابة لأوامره، والانتهاء عن نواهيه، وعمل ما يُقرِّب منه ويزيد الحضوة عنده، وحبّ كلّ مَن يحبّه الله عزّوجلّ. يقول النبيّ الأكرم (ص): "أحبّوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبّوني لحبّ الله".!

وعرّف بعضهم حبّ الله سبحانه بالقول: هو عاطفة إيمانية تتمثّل في:

أ‌-          المَيْل النفسي إلى الله تعالى.

ت‌-    الاستعداد الدائم للأنس والالتذاذ بلقائه.

ويرتكز هذا الحبّ – بحسب الدراسات النفسية التحليلية – على (حبّ الذات) الذي يمتدّ بها إلى حبّ خالقها، فأصدق حبّ الذات هو حبّها لله، لأنّه بذلك تطلب لنفسها الخير والصلاح والاستقامة والنجاة في القيامة، وبمعنى آخر فإنّك بحبّك لله تعالى تحقّق لذاتك ما يلي:

1-      التمتّع بفيض نِعَمه وبركاته وتوفيقاته.

2-      السلامة من الآثام والشرور، لأنّ منهجه يُبعدك عن كلّ ذلك.

3-      بلوغ أعلى درجات الكمال، فحبّه تعالى متنامي، أي ينمو باستمرار، ويأخذ دائماً صيغة الإعلاء والتّرقي والسّمو.

4-      الأُنس بالآفاق المعنوية الرحبة التي تنتجها حالات التقرّب منه والتودّد إليه.

5-      الفوز برضوانه وجنّته في ختام الرحلة الحياتية.

 

-            التعبير عن الحب:

الإعراب أو الإفصاح عن مشاعر الحبّ يتّخذ ثلاثة أشكال متكاملة، وهي:

أ‌-          التعبير اللفظي.

ب‌-    التعبير القلبي.

ت‌-    التعبير العملي.

في التعبير اللفظي تنطلق كلمات الحبّ – كما النّبع – متدفِّقة من (الجوف) إلى (السطح).. من قرارة النفس إلى الشفتين، وفي حبّ الله والتعبير عنه من لدن المحبّ، ويتجلّى ذلك في (الدعاء) و(الذِّكر) و(الشكر) وفي (المناجاة) بصفة عامّة.

وفي التعبير القلبيّ يتحرّك الإحساس بعُمق الحبّ وشدّته ليبثّ لواعج الشوق، والشعور باللّطف والامتنان، والإدراك الداخلي لقيمة المحبوب وقيمة كلّ ما يرتبط به.

في (الذِّكر) حتى لو لم تتلفّظ لكلمات الذِّكر المعهودة، وخطر لك شيء من عظمة الله وقدرته، فأنتَ ذاكِر.. والذِّكر (طاقة).

وفي (الشكر) حتى لو لم تنطق بكلمات الشكر المعروفة، وجالَ في ذهنك شيء من لطف الله وفضله ونعمته، فأنتَ شاكر.. والشكر (طاقة).

وفي (النيّة) حتى ولو لم تتفوّه بما تنوي عمله، وكنتَ قصدتَ عمل شيء واستحضرتَ ذلك في نفسك، وعقدت العزم على تنفيذه، فأنتَ قد نويتَ، والنِّية (طاقة).

هذا هو التعبير التقريبي للحبّ القلبي أو التعبير عن الحبّ القلبي.

وأمّا التعبير العملي عن الحبّ، فهو أرقى درجات التعبير عن الحبّ، لأنّه يجمع التعبيرين السابقين. وزيادة: هو لفظي، قلبي، ومتحرِّك في الخارج أيضاً.. هو (بلورة) و(تجسيد) لتلك المشاعر المتراكمة في ينبوع القلب، والسائلة على اللسان والشفتين، والمعبّر عنها بأفعال حيّة توصل إلى المحبوب رسائل الحبّ حارة، ودفّاقة، مُشعرة بمدى ما ينطوي عليه ضمير المحبّ أو داخله من أشواق ومودّة وعرفان.

في الحبّ الإلهي العملي:

تمسيدة رأس اليتيم.. حبّ.

إيصال الصدقة (الإحسان) إلى مُستحقّه من غير أن يعلم مَن تصدّق عليه، وحتى مع علمه.. حبّ.

التحية على كلّ مَن تلقّاه لمَن تعرف من الناس وممّن لا تعرف.. حبّ.

قضاء حاجة محتاج، حتى ولو بأن تدلّه على مَن يقضيها له.. حبّ.

الاستماع إلى شكوى مشتكٍ، حتى ولو لم تحلّ له مشكلته..

حبّ.. وإن كنتَ قادراً على حلِّها، فذلك حبّ أكبر.

توجّهك للعمل في سبيل الله – أياً كان حجمه – حبّ.

استجابتك لأوامر القيادة الصالحة.. حبّ.

وقوفك بين يَدَي الله – في أيّة ساعة من ساعات نهارك أو ليلك، داعياً، ومُصلِّياً، وذاكراً، ومُتضرِّعاً.. حبّ.

خدمتك لأهل بيتك.. لجيرانك.. لزملائك.. للمُسنِّين.. للضّعفاء من الأطفال والنساء.. حبّ في حبّ.. مساحة الحبّ أوسع من أن تُحدّد.

 

-            الحبيب المثالي:

لو سألنا أنفسنا السؤال البديهي التالي:

نحنُ نحبُّ مَن؟

-            مهما تعدّدت الإجابات عن السؤال، واختلفت زوايا النظر إليه، فإنّها لا تتعدّى الإجابات التالية:

نحنُ نحبُّ مَن؟

1-       مضن يُحسِن إلينا ابتداءً، وله الفضل علينا في أكثر من مجال.

2-      مَن يُسامحنا ويصفح عنا إذا أخطأنا بحقّه، ويرحم نقاط ضعفنا.

3-      مَن يتفقّدنا في جميع الأحوال: في الصحّة والمرض، في الفقر والغنى، في الغياب والسفر... إلخ.

4-      مَن يعلِّمنا ما لا نعلم، ويرشدنا إلى ما يُصلحنا، ويهدينا إلى ما هو خيرٌ لنا.

5-      مَن يُقابل إساءتنا بالإحسان.

6-      مَن يُعطينا أكثر من استحقاقنا، وأحياناً بدون استحقاق، ويُضاعف لنا العطاء على العمل الصغير.

7-      مَن يمتلك صفات ومواصفات جديرة بالحبّ والانجذاب والتعلّق.. صفات كمال نفتقر إليها، ويمكن أن نستكمل بها نقصنا من خلال الاقتداء بها.

8-      مَن لا يقطع الصِّلة معنا حتى ولو قطعناها معه.

9-      الصادق معنا دائماً في أقواله وأفعاله ووعوده.

10- الذي لا يتخلّى عنّا في الشدائد والمآزق والمواقف الحرجة.. لا يخذلنا ولا يُسلِّمنا إلى الأعداء، وينصرنا إذا احتجنا إلى النصر، ويغيثنا إذا استغثناه.

11- الذي يكون معنا أينما كنّا: في اليقظة والنوم، والانكسار والانتصار، والوحدة والجمع.. في السجن، وفي الحرّية.. وحيثما نكون.

12- مَن يؤنسنا ويُسعدنا بصحبته.. لا يملّنا ولا يُعرِض بوجهه عنّا، متى أتيناه رأينا بابه مفتوحاً ويديه مفتوحتين.. لا يتعذّر عن مقابلة، ولا يقصِّر في الاستجابة لطلب.

إنّ حبيباً بهذه المواصفات العالية لا يوجد في دنيا الحبّ إلّا في نموذجين اثنين فقط لا غير:

الأوّل: الله تبارك وتعالى بما يحمل من أسماء حُسنى وصفات جلال وكمال وجمال هي عين ذاته، أي أنّها (مطلقة).. كلُّ منها مكتنز بمعناه حدّ الامتلاء.

الثاني: مَن تحوّل من الناس إلى حقيقة هذه الأسماء والصفات متخلِّقاً بها، ومتوسِّلاً بها للوصول إلى الغاية القصوى للكمال، ليكون من أهل الله، وأحبّائه، وأصفيائه، وعمّاله وجنوده وحزبه، أي أنّ غاية الحبّ بالنسبة لغير الحبيب المثالي هي بلوغ درجة (التخلّق بأخلاقه).►

ارسال التعليق

Top