• ٣ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحسين (عليه السلام).. إشراقات لا تنتهي

عمار كاظم

الحسين (عليه السلام).. إشراقات لا تنتهي

إنّ الالتزام في قضية الإمام الحسين (عليه السلام) تحمّلنا مسؤولية أن نقف حيث وقف، وأن نتحرّك حيث تحرك. إنّه كان يتحرّك من أجل طلب الإصلاح في أُمّة جده، فهل نتحرّك في خط الإصلاح في أُمّة جده؟ الحسين (عليه السلام) كان يتحرّك في خطّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلنتحرّك في هذا الخطّ.

يجب أن لا نعتبر العظماء الذين نقدّسهم ونتقرّب إلى الله بهم أشخاصاً انتهوا إلى صفحات التاريخ؛ بل يجب أن يستمروا إشراقات في كلِّ طرقنا المظلمة: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب/ 33)، وأهل البيت يحتاجون إلى أتباع أطهار يعيشون طهر أهل البيت الفكري في طهرهم الفكري، وطهر أهل البيت العاطفي في طهرهم العاطفي، ويعيشون طهر أهل البيت الحركي في طهرهم الحركي.. إنّه الطريق الذي يتّبع الحقّ، وينتهي بالجنّة.

إنّ هناك من يفكِّر بأنّ قصّة الجهاد انتهت باستشهاد الحسين (عليه السلام)، المسألة أنّ لك الحقّ في أن تدفع العدوان عن نفسك، وإذا دفعتَ العدوان عن نفسك فلست معتدياً (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة/ 194). لقد قام الإمام الحسين (عليه السلام) بعمل خالص لوجه الله تعالى دون أي شائبة، وأدى المهمّة المطلوبة منه لأُمّته ودينه في حدّها الأقصى، فلم يدع شيئاً قابلاً للتضحية في سبيل الله، إلّا وقدّمه خالصاً لوجه الله.

كانت ثورة الحسين (عليه السلام) إنسانية الصبغة، وكانت خصوصية كربلاء أنّ جماعتها فتحت للأجيال طريق الخلاص من الظلم والاستبداد والتسلّط، والانحراف عن دين الله القويم، فيما سيأتي بعدهم من الأيام، على مدى الزمن. ولم يكن أحد من أهل الحسين (عليه السلام) وأحبائه قد جيء به قسراً، بل كلّهم كانوا إخوة العقيدة والفكر والإيمان، وقد رفض الإمام (عليه السلام) من الأساس أن يكون بين صفوفه أي فرد يشكّل نقطة ضعف، لهذا عرض على أصحابه العودة لمن أراد منهم ذلك، مرتين أو ثلاثة، ليبقى على النخبة الخالصة النقية.

إنّ الحسين (عليه السلام) هو صريع الدمعة الساكبة وصاحب المصيبة الراتبة ولكنه هو إلى جانب ذلك إنسان الرسالة وإنسان الإنسانية كلّها، وإنسان الحقّ والثبات والجهاد. فعندما تستنزفون عيونكم بدموعكم تذكروا أنّ الحسين (عليه السلام) كان يبكي على الإنسان من حوله، وعلى مأساة الضلال في الذين جاءوا يحاربونه، وكان يبكي لأنّ الله سوف يعذب هؤلاء لأنّهم وقفوا ضده. الحسين (عليه السلام) والصفوة الطيبة من أهل بيته (عليهم السلام) وأصحابه عاشوا المأساة على قسمين: هناك المأساة الإنسانية التي تتحرّك من خلال عناصر الواقع التي يضطهد أو يظل فيها الإنسان، مأساة الضحايا الذين يسقطون ضحية قهر وظلم واستكبار سقوطاً سلبياً، وهناك مأساة تتحرّك في خطّ القضية بحيث يقف الإنسان الذي يحمل قضية ورسالة ليتحدى الواقع المنحرف في ساحات الخطر وليهجم على المأساة لا حبّاً بالموت ولا من خلال ما قد يعيشه من مزاج الشهادة، بل من خلال إرادة التغيير وحركية الرسالة.

أراد الحسين (عليه السلام) أن يبيّن للأُمّة أنّ المبادئ الإسلامية فوق الرجال والشخصيات، وأنّ القائد والإمام ليس له من الأمر شيء. فلابدّ للأُمّة أن ترتبط بالمبادئ أوّلاً، ثمّ ترتبط بمن يكون سلوكه مصداقاً لتلك المبادئ؛ فالمبادئ ثابتة والرجال يقتربون ويبتعدون منها، فقدّم الحسين (علیه السلام) المبادئ على نفسه وإن كان إماماً وابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعل الحقّ فوق نفسه فقال: «فمن قَبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ». إنّ النهضة الحسینیة أعطت الناس دروساً بليغة في استرخاص النفس مقابل المبادئ والقيم العظيمة التي أرسى قواعدها المصطفى محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم). إنّ الانتصار الحقيقي هو انتصار القيم الإسلامية وتقريرها في واقع الحياة لتكوّن الأفكار والعواطف والسلوك الاجتماعي والسياسي منسجمة مع المنهاج الإسلامي وقيمه، ولا قيمة ولا وزن للانتصار العسكري والسياسي إذا لم يكن قائماً على أساس ذلك المنهاج وتلك القيم، فقد يكون النصر العسكري أحياناً وبالاً على الأُمّة، لأنّه لا يمتّ إلى مبادئ الإسلام وقيمه بصلة.

ارسال التعليق

Top