• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحصانة والوقاية في الشهر الشريف

عمار كاظم

الحصانة والوقاية في الشهر الشريف

الصوم في اللغة الإمساك ومنه يقال للصمت صوم لأنّه إمساك عن الكلام فقد جاء في القرآن الكريم: (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا...) (مريم/ 26). فأعلنت مريم صيامها في عدم الكلام أي الكف عن الحديث. أما شرعاً فالصوم هو الإمساك والكف عن المفطرات المخصوصة في زمن مخصوص من البالغين القادرين ضمن شروط فقهية معينة.. لعلكم تتقون أي لكي تتقوا وتحصلوا على الحصانة والوقاية لإيمانكم واستقامتكم من الانحراف والعصيان فبإطاعة الله سبحانه في فرض الصيام يصل الإنسان إلى درجة الاتقياء فالكف عن المفطرات توصله إلى الكف عن المعاصي وارتكاب الآثام فقد ورد عن النبيّ (ص): "خصاء أمتي الصوم". حيث يعتبر الصوم من أهم العبادات وهو واجب بضرورة الدين كوجوب الصلاة ففي الحديث بني الإسلام عن خمس: "شهادة أن لا إله إلّا الله، وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً" وحينما ذكر في الآية الكريمة: (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ليبعد الله عزّ جلّ الوحشة عن نفوس المؤمنين ويقربهم لحالة الاستيناس أي بأنّ هذا القرار الشرعي لم تنفردوا به أنتم أيها المؤمنون برسالة محمّد ومن المؤكد إنّ هذا التشبيه في فرض الصيام يسلّي المؤمنين كثيراً ويترك أثره الإيجابي في النفس، أي لا ينبغي أن تستثقلوه وتستوحشوا من تشريعه في حقكم وكتابته عليكم فليس هذا الحكم بمقصور عليكم بل هو حكم مجعول في حقّ الأُمم السابقة عليكم ولستم أنتم متفردين فيه. أما علة الصيام وعلة وجوبه فهي كثيرة منها: تربوية شخصية فيدخل الإنسان الصائم في دورة تربوية تمرينية لتجنب المنكرات وفعل الخيرات عبر الكف عن المفطرات في نهار شهر رمضان فيكتسب قوّة في الإرادة وضبط النفس عن الشهوات ومنها: اجتماعية حيث يتحسس الصائم بألم الجوع فيعطف على الفقير وحينذاك يستوعب الصائم مدى تأثير الفقر في الإنسان وحقاً كاد الفقر أن يكون كفراً... ومنها: تذكير ليوم الحساب والوقوف في المحكمة الإلهية الكبرى لذلك يقول الإمام الصادق (ع): "أما العلة في الصيام ليستوي به الغني والفقير وذلك لأنّ الغني لم يكن ليجد مسّ الجوع فيرحم الفقير لأنّ الغني كلما أراد شيئاً قدر عليه فأراد الله عزّ وجلّ أن يسوّي بين خلقه وأن يضيق الغني مسّ الجوع والألم ليرقّ على الضعيف ويرحم الجائع". وقال الإمام عليّ (ع): "صوم الجسد الإمساك عن الأغذية بإرادة واختيار خوفاً من العقاب ورغبة في الثواب والأجر، صوم النفس إمساك الحواس الخمس عن سائر المآثم وخلوّ القلب من جميع أسباب الشر". وقال رسول الله (ص) لجابر بن عبد الله: "يا جابر هذا شهر رمضان مَن صام نهاره وقام ورداً من ليله وعفّ بطنه وفرجه وكفّ لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر" فقال جابر: يا رسول الله ما أحسن هذا الحديث؟ فقال رسول الله (ص): "يا جابر وما أشدّ هذه الشروط". والآن تسليط الضوء على قضية التقوى ولماذا هذا التأكيد في القرآن الكريم وكيف يمكننا الوصول إلى حالة التقوى كهدف وطموح؟ يوجد محوران للحديث عن التقوى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأوّل لماذا التأكيد والثاني كيف نحصل على التقوى وقبل ذلك ما معنى التقوى؟ لغة يقال اتقاه بالترس أي جعله حاجزاً بينه وبينه ومنه الوقاية لأنّها تمنع رؤية الشعر والذي يتقي البرد يتحصن منه. واصطلاحاً الوقاية والحصانة من غضب الله في الدنيا والآخرة قال الإمام الصادق: "الصوم جُنة من النار"، أي الخوف من عقابه وسخطه. وقيل المتقي الذي اتقى ما حرم عليه وفعل ما أوجب عليه وقيل هو الذي يتقي بصالح أعماله عذاب الله.. وروي عن النبيّ (ص) إنّه قال: "إنما سميّ المتقون لتركهم ما لا بأس به حذراً من الوقوع فيما به بأس"... وقال بعضهم التقوى أن لا يراك الله حيث نهاك ولا يفتقدك حيث أمرك. والتقوى إجمالاً وازع نفسي وحافز ذاتي ومحكمة الوجدان الداخلي كلّ ذلك يدفع بالإنسان نحو تطبيق القرارات الشرعية بدقة من دون حاجة إلى رقابة خارجية هذا الحافز يجسد الإيمان التام بالله عزّ وجلّ وينميه لتطبيق الشريعة فالتقوى التزام حذر للتعاليم الإسلامية والإنسان – دائماً – مهدّد بتقواه إن لم يدعم التقوى بالعبادة الواعية وعلى رأسها الصيام في هذا الشهر المبارك. وهذا البيان هو جواب المحور الأولى لماذا التقوى؟ فالذي يمتلك ملكة ذاتية تدفعه للخير وتطبيق الشريعة وإطاعة الله عزّ وجلّ من جانب وتمنعه من ارتكاب الآثام من جانب آخر إنّه وصل إلى طموح الإنسان الواعي. وفي قوله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) إنّ لهذه العبادة الجليلة انعكاسها المباشر على الإنسان حيث إنّه سيحصل على التقوى ومن هنا نفهم أنّ الله تعالى غني عن العبادات وما ننجزه من عبادات فهو لصالحنا (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا...) (الإسراء/ 7)، وهو سبحانه غني عن عبادتنا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ...) (فاطر/ 15). فآثار هذه الفريضة تتوضح على الإنسان نفسه فيحصل على ملكة التقوى فالذي يمنع نفسه من تناول المباحات في الأكل والشرب، في نهار شهر رمضان أنّه ستقوى إرادته للامتناع عن المحرمات في بقية أيام السنة إذن لعلكم تتقون لأنّه قد يصوم الإنسان بمنع الأكل والشرب عن نفسه ولكن دون الحصول على شهادة التقوى لذلك قال رسول الله (ص): "ربّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش وربّ قائم حظه من قيامه السهر". والإمام عليّ (ع) يقول: "كم من صائم ليس له من صيامه إلّا الظمأ وكم من قائم ليس له من قيامه إلّا العناء حبذا نوم الأكياس وإفطارهم". فالصيام إذن حالة تربوية لتقوية الإرادة في فعل الخير والإحسان وردّ النفس عن حاجاتها وميولها وشهواتها بصرامة وهذا يستهدف النجاح والانتصار خلال المعركة الطويلة مع الشيطان والدنيا والإغراءات والشهوات... فالصيام تهذيب للجوارح والشهوات. فإذن شهر رمضان المبارك هو مرحلة ذهبية لتطهير النفس من الترسبات المتكلسة في بواطن الإنسان وفي لا شعوره خلال أحد عشر شهراً وهو أيضاً محطة لتزويد الإرادة الإنسانية بالمقاومة والصبر فقد جاء في الحديث الشريف: "الصيام نصف الصبر" وهو أيضاً فترة الحصانة الروحية للإنسان وبمعنى آخر أنّ شهر رمضان بيعة متجددة مع الله والقرآن والرسالة وأهل البيت مرحلة تطهيرية لضمان النقاء واستمراره عبر مراسيم الصيام التي تعد بحقّ انتفاضة ذاتية مباركة تسقط معها الذنوب المتراكمة ويفتح الإنسان سجلاً جديداً للحياة الشخصية والاجتماعية فقد قال الرسول الأعظم (ص) في خطبته المباركة: "فإنّ الشقي مَن حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم". والمحور الثاني كيف نحصل على التقوى؟ ونحن نقرأ في الدعاء: (.. واجعلني للمتقين إماماً) فهو طموح نبيل يسمو إليه الإنسان حين تحقيقه وللجواب نذكر النقاط التالية على سبيل الأهمية لا الحصر:

- بناء الروح الإنسانية بحاجة إلى غذاء روحي متين وسنوياً يُطل علينا هذا الشهر المبارك ببشارته الذهبيّة لكلّ إنسان فأوّل العوامل للحصول على التقوى ممارسة أنواع العبادات وعلى رأسها الصلاة والصيام ممارسة واعية.

- دراسة القيم التي سنّها النبيّ (ص) في حياته الشخصية والاجتماعية بمعنى آخر لنتساءل كيف كان ينمي إرادته وإرادة أصحابه وأتباعه في مواجهة الشيطان والهوى وحب الدنيا والإغراءات الدنيوية عموماً.. كيف كان يصبر؟ ويقاوم؟ ويصوم بجوارحه وقلبه.

ارسال التعليق

Top