◄المجتمع الإسلامي هو مجتمع عقيدي، يقوم على أساس العقيدة الإسلامية، بما فيه من الروابط بين الأفراد والجماعات والمؤسّسات الاجتماعية، كالأسرة والدولة والجمعية والمحكمة والحزب والمنظّمة والنقابة والاتحاد والمدرسة والنادي والمصرف المالي... إلخ. فسلوك الأفراد، ونظام الجماعات، وقانون الحياة والتنظيمات الاجتماعية، كلّها مبنيّة على أساس العقيدة والأحكام والأخلاق الإسلامية.
فالمجتمع الإسلامي هو: (كلُّ جماعة سياسيّة مستقرَّة في بقعة من الأرض، تؤمن بالإسلام وتقيم علائقها ونظام حياتها على أساسه).
ومن المفيد جدّاً أن نعرّف أهم الروابط التي تربط أفراد المجتمع الإسلامي، وهي:
1- العقيدة الإسلامية:
إنّ المجتمعات البشرية القائمة في أيّ بقعة من بقاع العالم تربط أفرادها ومؤسساتها روابط مختلفة، كالروابط العقيديّة أو القومية أو رابطة الجنس واللون أو اللغة أو رابطة الأرض الموحّدة (الرابطة الاقليميّة) إضافة إلى الروابط المادية، كالروابط الاقتصادية والأمنيّة... إلخ، حسب طبيعة ذلك المجتمع ومبادئه في الحياة.
امّا المجتمع الإسلامي فيرتبط أفراده بروابط العقيدة الإسلاميّة وروابط الأخوّة والولاء بين المؤمنين، التي لا تفرِّق بين أفراده بسبب الجنس أو اللّغة أو اللون أو الإقليم. فالمسلمون أمّة واحدة، متساوون في الحقوق والواجبات، ولا فضل لفرد على آخر بسبب النسب أو اللون أو اللغة أو الطبقة الاجتماعية أو المال أو السلطة. انّ المجتمع الإسلامي هو مجتمع التوحيد، لأنّه يقوم على أساس الإيمان بالله الواحد الأحد، والتصديق برسله وشرائعه، وبناء حياته وعلائقه وسلوكه وروابطه على أساس المبادئ الإسلاميّة. وقد شبّه الرسول الكريم المجتمع الإسلامي بالجسد الواحد حينما قال (ص):
"مَثَلُ المؤمنين في توادّهم وتراحُمِهم وتَعاطُفِهم كَمثلِ الجَسدِ إذا اشتكى مِنهُ عُضْوٌ تَداعى له سائرُ الجَسدِ بالسَّهرِ والحمّى".
ويشكّل الحبُّ لشخص الرسول الكريم محمّد (ص) وأهل بيته – والذي جعله الله فريضة على المسلمين – رابطاً من الروابط الأساس التي تعمل على تماسك المجتمع وشدِّ أواصره، قال تعالى: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا) (الشورى/ 23).
وقال (ص): "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من نفسه".
انّ المجتمع لا يكون مجتمعاً إسلامياً – وإن كان كلُّ أفراده أو معظمهم ممن يؤمن بالإسلام – إذا لم يبنِ نظامه وعلائقه وسلوكه على أساس الإسلام. فالمجتمع الذي يطبِّق القوانين والأنظمة غير الإسلامية، ويمارس السلوك والأخلاق غير الإسلاميّة بشكل غالب على حياته العامّة، إنما هو مجتمع غير إسلامي، وإن كان أفراده يؤمنون بالإسلام، ذلك لأنّهم لم يلتزموا الإسلام بصورة عامّة، ولم يبنوا حياتهم على أساسه. فالمجتمع الذي يكون أفراده من المسلمين، وهو يطبِّق الأنظمة غير الإسلامية، ويُباحُ فيه بصورة علنيّة الفاحشة بأشكالها، ولا يؤخذ للمظلوم حقُّه، وتمارَس فيه الفواحش والمنكرات، وتشيع فيه الأفكار المنحرفة عن الإسلام... إلخ، إنّ هذا المجتمع لا يصحُّ أن نسمِّيه مجتمعاً إسلامياً، وإن كان معظم أفراده أو كلُّهم مسلمين.
2- الرابطة التاريخيّة:
الأُمّة الإسلامية لها تاريخ وامتداد تاريخيٌّ موحَّد، بدأ بنزول الوحي على النبيّ الكريم محمّد (ص) فكلُّ مسلم يرتبط بالسلف الصالح من هذه الاُمّة، ويعتز به، وبما أنجز المخلصون للعقيدة والأُمّة من إنجازات عظيمة وتضحيات في مجال نشر الدعوة الإسلامية، والانتاج العلمي والدفاع عن الحقِّ والرسالة، والذي قدّمه علماء هذه الأُمّة وأئمّتها الهداة، ورجالاتها الصالحون، وعلى هذا الأساس يرتبط حاضر الأُمّة بمستقبلها وماضيها. وقد أثنى القرآن الكريم على هذه الرابطة النفسية بين الأجيال المؤمنة بقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر/ 10).
3- العبادات ونظام الحياة:
تشكّل العبادات ونظام الحياة المُوحَّد رابطةً من أبرز الروابط الإنسانية في المجتمع الإسلامي، فإنّ العبادات الجماعية في الإسلام، كصلاة الجماعة والجمعة وصوم رمضان، وأداء فريضة الحج، كلّها مجالات للاجتماع والتآلف والمحبّة والشعور بالأخوّة والمساواة. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ لغة العبادة، هي لغة واحدة، وهي اللُّغة العربية، فالمسلم يؤدّي الصلاة والأذان والإقامة وشعائر الحج وغيرها باللّغة العربية في سائر بلاد المسلمين وإن اختلفت لغاتهم، مما يُشعر بالوحدة والترابط. وإذا كانت العبادات الجماعية تشكِّل رابطة اجتماعية فإنّ هناك مظاهر جماعية أخرى، كعيد الأضحى والفطر وغيرهما، تعمل على شدِّ أفراد المجتمع، وإشاعة الحب والإخاء بين الناس.
ويشكّل نظام الحياة والسلوك الموحَّد بين المسلمين رابطةً قويةً تعمل على تماسك المجتمع وتقوية بنيته الاجتماعية فالشريعة الإسلامية قد حدَّدت المحرّمات والواجبات، والمسلم الحقيقيُّ يبذل جهده من أجل التزام أحكام الشريعة، وهذا الالتزام الجماعي يبني وحدة سلوكية بين أفراد المجتمع، ويزيل حالة التناقض والاختلاف بينهم.
4- القرآن الكريم:
يشكّل القرآن الكريم رابطةً من أقوى روابط التوحيد في المجتمع الإسلامي. فالمسلمون – جميعاً – يؤمنون به، ويتلونه بلغة واحدة، وهي اللّغة العربية، في البيت والمسجد والإذاعة والاجتماعات العامّة، ويحفظونه، ويستشهدون بآياته، ممّا يُشعرهم بالوحدة والترابط الذي أكّده الله سبحانه بقوله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران/ 103).
وحبل الله هو القرآن الذي يربط الأُمّة بخالقها ربطاً موحّداً.
5- المصالح المادية:
إنّ الفرد في المجتمع الإسلاميّ يشعر بأنّه عضو فعّال، وعليه واجبات، وله حقوق، وله حاجات مادية، كالحاجات الاقتصادية والأمنية، وتوفير الخدمات الصحية والسكنيّة والتعليميّة... إلخ. وهذا الشعور يجعله يتماسك مع الجماعة، ويرتبط معها، ويفكّر بمصالحها؛ لأنّه يدرك أنّه لا يستطيع العيش منفرداً، ولا يسمح لنفسه بأن يعيش في مجتمع غير إسلامي إلّا لضرورة من الضرورات، وإلّا إذا اطمأنّ إلى أنّ وجوده في ذلك المجتمع لا يسبِّب له ولا لأهله وأبنائه انحرافاً عن العقيدة الإسلامية، ولا يُحول دون ممارسته لمسؤولياته الدينيّة، وهذا الإحساس يجعل الفرد مرتبطاً بالمجتمع الإسلامي، ومدافعاً عن مصالحه.
6- الثقافة المُوحَّدة:
تعتبر الثقافة الإسلاميّة رابطةً فكريةً ونفسيّةً قويّةً بين أفراد المجتمع الإسلامي كافّة، ذلك لأنّ المسلمين جميعاً يجب أن يبنوا ثقافتهم ومعارفهم – كالثقافة العقائدية والأخلاقية، والاجتماعية والاقتصادية والأدبية والفنية وغيرها – على أساس عقيدة التوحيد والأحكام والأخلاق الإسلامية. فثقافة المسلمين العقائدية والفقهية والسياسية هي ثقافة واحدة، وآدابهم وفنونهم، كلّها ملتزمة ضمن القيم والموازين الإسلامية، وتعطي ثقافة موحّدة. بالإضافة إلى ذلك فإنّهم يستعملون مصطلحات موحّدة في الفقه وعلم الحديث والتفسير والعقيدة والسياسة والاقتصاد... إلخ. وهذا التوحيد الفكري يبني وحدة اجتماعية متماسكة. وجدير بالذكر أنّ الأساس في بناء المجتمع الإسلامي والشخصية الإسلاميّة هو البناء الفكري والثقافي، ممّا يعطي هذه الرابطة قيمة كبرى، ودوراً أساساً في توحيد المجتمع الإسلامي.
هذه هي أبرز الروابط الاجتماعية التي تربط المجتمع الإسلامي وتجعل منه وحدةً وقوة إنسانيّة ومادية متماسكة.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق