• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحكمة من فريضة الصوم

عمار كاظم

الحكمة من فريضة الصوم

الحكمة من الصوم يمكن استنباطها من القرآن الكريم، ومن الأحاديث الشريفة الواردة فيه والأدعية المستحبة في شهر رمضان المبارك، فالآية الكريمة (185) من سورة البقرة تقول: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) وفي الدعاء: "اللّهمّ إنَّكَ قلتَ في كتابكَ المنزَل: شَهرُ رمضان الذي أُنزِلَ فيه القرآن هُدَىً للنّاس وبيِّنات من الهُدى والفرقان، فعظّمتَ حُرمةَ شهر رمضان بما أنزلتَ فيه من القرآن". إذن، فالشهر المبارك يستمدُّ عظمته من كونه ظرفاً لحدثٍ جليلٍ وعظيمٍ جدّاً، جاهد من أجل التمهيد له كلّ الأنبياء والمرسلين – صلوات الله عليهم أجمعين – وقدَّموا في ذلك أغلى الدماء والنفوس، وقد مرّت الكرة الأرضية بدوراتٍ تدريبية تربوية كبرى مرحلية نَمّت الروح البشرية وأكّدت عوامل الوعي الكامل والمسيرة، كانت تنمية مقدّسة غذّاها وحي السماء بتشريعات متتاليةٍ وتلك ضرورة من ضرورات المسيرة البشرية وبعد أن بلغت البشرية مرحلة من النضوج أهّلتها لأن تختصّ بهذا الحدث، فإذن الله وجاء أمرُهُ، وكان الحدث في شهر رمضان الخالد، وهو إنزال القرآن الكريم هدية من الله للبشرية، تحمل لها كلّ ما تحتاج كما في سورة الإسراء، آية (89): (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) إنّها الهدية التي تتكفّل برفع عجلة الرُّقي البشري إلى يوم القيامة، إنّها الهدية التي تربِّي أجيال القرآن، والأُمّة المسلمة، معبِّرةً بذلك عن قيمة اللطف الإلهي وما أكثر الألطاف والنعم.. وبعد ذلك نجد أنّ الآية الكريمة التي وصفت الشهر المبارك بأنّه الذي أُنزِل فيه القرآن، انتقلت لوصف القرآن نفسه، فأثبتت له وصفين كريمين، فيهما سعادة البشرية وأملها كما في سورة البقرة، آية (185): (هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) فهو الهدى المستند لله – تعالى – العالم بكلّ شيء، المحيط بكلّ ما تحتاج حياة النّاس وما يصلحها وهو المقياس الذي يفرق بين الحقّ والباطل.. والإنسانية المؤمنة عندما تدخل في هذا الشهر المبارك، إنّما تقترب من ليلة ميلاد ذلك الحدث العظيم، فعليها إذن أن تعيش حالة أخرى فيها كلّ مظاهر التقديس والخشوع وكلما اقتربت أكثر ازداد وتعمّق هذا الخشوع والتكريم حتى يصل إلى أشده في ليلة المولد الكريم لهذا الحدث العظيم كما قال – تعالى – في سورة القدر، آية (1): (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ليلة القدر خير من ألف شهر لأنّ فيها ذكرى إنزال القرآن الكريم.. من هنا إذن نَبَعَ التقديس، ولعله من هذا السبب بالذات كان شهر رمضان هو شهر الصيام، كلّ ذلك تأكيداً على أنّ هذه الحقيقة العظمى يجب أن يكون استقبالها في جوٍّ من الخشوع والتقديس، ويجب أن تُطبّق تعاليمها في الأرض.. إنّ القرآن الكريم يحتاج إلى الصبر في فهمه، والصبر في تطبيقه، والصبر في حفظه وحمله للآخرين وإلّا تحوّل إلى مجرد تعاليم فكرية مجرّدة، وذلك يتنافى مع روح ما حصلَ في ليلة القدر وهدفه، إذ أنّ القرآن هو الحياة بما فيها من أفكار وأعمال كما قال – تعالى – في سورة الأنفال، آية (24): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) وهكذا يتكرّر فرض الصوم في كلّ عام، فيبعث من جديد في شعور الأُمّة الذكرى المقدّسة حيّة مرة أخرى وكأنّ ليالي القدر في كلّ عام محطات سنوية تتزوّد منها البشرية طاقتها لعام جديد مما يُحيي فيها العزم والثبات، ويُذكّرها بأعظم نعمة.

ارسال التعليق

Top