• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الخشوع الصادق في الصلاة

عمار كاظم

الخشوع الصادق في الصلاة

الصلاة هي استحضار العبد وَقْفته بين يدي ربّه، وحينما يقف العبد بين يدي الله، لابدّ أن يزول كلُّ ما في نفسه من كبرياء، ويدخل بدلاً منه الخشوع، والخضوع والذلة لله سبحانه. والمتكبّر غافل عن رؤية ربّه الذي يقف أمامه، والصلاة تحارب الاستكبار في النفس، لذلك كان مؤدّى الصلاة أنّها تَرْكُز الخشوع في النفس. والخشوع يجعل الإنسان يستحضر عظمة الحقّ سبحانه، ويعرف ضآلة قيمته أمام الحقّ سبحانه، ومدى عجزه أمام خالق هذا الكون. ويعلم أنّ كلّ ما عنده يمكن أن يذهب به الله تعالى في لحظة، ذلك أننا نعيش في عالم الأغيار. ولذلك فلنخضع للذي لا يتغير؛ لأنّ كلّ ما يحصل عليه الإنسان هو من الله، وليس من ذاته. والذين يغترُّون بوجود الأسباب نقول لهم: اعبدوا واخشعوا لواهب الأسباب وخالقها؛ لأنّ الأسباب لا تعمل بذاتها. (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران/ 140). ولذلك لابدّ أن نفهم أنّ الإنسان الذي يستعلي بالأسباب سيأتي وقْتٌ لا تعطيه الأسباب، فالإنسان إذا بلغ في عينه وأعيُنِ النّاس مرتبة الكمال اغترَّ بنفسه. نقول له: لا تغتر بكمالات نفسك، فإن كانت موجودة الآن فستتغير غداً، فالخشوع لا يكون إلّا لله. من هم الخاشعون؟ الخاشع هو الطائع لله، الممتنع عن المحرمات، الصابر على الأقدار، الذي يعلم يقيناً داخل نفسه أنّ الأمر لله وحده، وليس لأيّ قوة أخرى، فيخشع لمن خلقه وخلق هذا الكون له. الخاشعون هم الذين يقرنون الطاعة بالثواب، والمعصية بالعقاب والعذاب؛ لأنّ الذي ينصرف عن الطاعة لمشقتها عزل الطاعة عن الثواب فأصبحت ثقيلة، والذي يذهب إلى المعصية عزل المعصية عن العقاب فأصبحت سهلة. وهكذا يتلقى المؤمن مشقات الطاعة بحُبٍّ، فيُهوّنها الحقّ سبحانه عليه، ويجعله يدرك لذة هذه الطاعة، لتهون عليه مشقتها، ويمدُّه سبحانه أيضاً بالمعونة. فالخاشع الخاضع لله يستشعر حلاوتها، ولذلك كان رسول الله (ص) يقول عندما يحين موعد الصلاة: "أرحنا بها يا بلال". والحقّ سبحانه يقول في الصلاة، وهي أُمُّ العبادة: (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة/ 45). إذن: عندما يأتى التكليف يكون شاقاً، وما دام شاقاً فهو بحاجة لصلابة إيمان وجَلَد ويقين، بحيث يَعي أنّ ما قام به من عمل وإنْ كان شاقاً لكنه سيعطيه سعادة كبيرة جدّاً. لذلك عندما تتضخم الجزاءات في نفس المؤمن يُقبِل على العمل بحُبٍّ. وسبحانه يقول: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون/ 1-2). فالفلاح هو الفَوْز بأقصى ما تتطلع إليه النفس من خير، وأوّل أسباب الفلاح عند المؤمن هو الخشوع في الصلاة.

ارسال التعليق

Top