• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الذوق.. خُلق إسلامي صميم

د. عمرو خالد

الذوق.. خُلق إسلامي صميم
◄إنّ الخُلق الذي سنتحدث عنه في هذا الموضوع، صار من الصعب أن تقتنع أنّه خلقٌ إسلامي!! بل تتعجب إن قيل ذلك. فخلق الإيثار مثلاً أنت على يقين أنّه خلق إسلامي رغم أنك لم تكن تعرف معناه... ولكن خلق الذوق على العكس. فأنت تعرفه جيِّداً وتتخلّق به ولكنك لا تعرف أنّه خُلُق إسلامي، ولذلك حينما أقول لك خلق الذوق... الأدب... سمو النفس.. التعامل الراقي مع الناس... أجدك تقول: وما علاقة هذا بالإسلام؟ إنّ الكثير منا يشعر بأن هذا الخلق غريب على الإسلام...!! ولذلك فإننا نريد أن تكون نيَّتنا الأساسية هي أن تصل معي إلى أنّ الذوق خلق إسلامي صميم. حقاً... إن هناك أخطاء يجب أن تصحَّح..!! هيا جدِّد النية.   ما المقصود بالذوق...!؟ بداية أقصد بخلق الذوق: أدبيات التعامل مع الناس... تقدير قيمة الجمال... الروح الجميلة...النفس المرهفة... النظام النظافة... الحس المرهف... الروح الجميلة... النفس الشفافة التي تفهم الخطأ وتقدر وقوعها فيه من نظرة العين وابتسامة الوجه. عشنا هذه اللحظات مع كلمات رقيقة تهذب المشاعر وترقق القلوب، ولكلها مرادفات لكلمة واحدة وهي: الذوق. ولكني أعتقد أن أحلى وأجمل العبارات التي قرأناها منذ قليل هي: "النفس الشفافة التي تفهم الخطأ وتقدر وقوعها فيه من نظرة العين وابتسامة الوجه". يا الله.. أيّ حسٍّ مرهف هذا...!! اللّهمَّ اجعلنا منهم هل أنت من هؤلاء...!؟ آهٍ منك... لقد تركت هذا الجو الجميل الذي ترتقي به المشاعر... وأصررت على موقفك وقلت: وما علاقة هذا بالدين؟ إنّ الحياء شعبة من الإيمان... وان من يفهم خطأه من نظرة العين وابتسامة الوجه أليس بحيي!!؟   ما زالت الرؤية لم تتضح...!! رغم هذا ما زلت تشعر بأنّ خلق الذوق بعيد كل البعد عن الإسلام، بل تزداد قناعتك وتقول: إنّ الأدب، والحس المرهف، والروح الجميلة، والحضارة، والرُّقي، والتعامل مع الناس، و... كل هذا يدرس في الجامعات العالمية للدبلوماسيين، فهم الذين يحتاجون هذا الخُلُق ولذلك فهم يتعلمونه. وإنّ هذا الخلق يدرَّس لتلاميذ المدارس الأجنبية فهي التي تهتم بتدريس هذه الآداب... ولذلك يتكرر داخلك السؤال... ما علاقة هذا الخلق بالإسلام؟ أخي الحبيب... أما نقشت في قلبك هذه العبارة: الذوق خلق إسلامي صميم إن لم تكن قد نُقشت... فما زال هناك متسعٌ من الوقت فهيا لتتعلم... فالتعليم في الصِغر كالنقش على الحجر.   أصناف أربعة...!! إنني في هذا الخلق – خلق الذوق – سوف أبعث رسائل إلى أربعة أصناف موجودة في مجتمعات المسلمين عموماً، فهم المعنيون بهذا الموضوع. أخي الحبيب.. اعلم أنك واحد من هذه الأصناف الأربعة. فهيا استعد لتلقي الرسالة، وإنني أعلم أنّه بدون طابع البريد لن تصل الرسالة... فاللّهمَّ ارزقنا الإخلاص!!!   الصنف الأوّل: وأوّل هذه الأصناف صنف اعتقد أنّ الذوق والأدب والخلق الرفيع والرُّقي والحضارة... كل هذا اعتقد أنّه قيم غربية، ونحن قد تعلمناها منهم عن طريق المدارس الأجنبية... فتجد الأب يقول: أريد أن يكون ابني في منتهى الأدب والذوق لذلك سأدخله مدرسة أجنبية...!! إنّ هذا هو أوّل صنف أريد أن أبعث له رسالة... فيا من اعتقدت أنّ الأدب والذوق والرقي من قيم الحضارة الغربية ونحن أخذناها منهم ستعرف الآن خطأ هذا الاعتقاد. وسينجلي لك الأمر وتعرف أنّ الذوق خلق إسلامي أصيل.   الصنف الثاني: وثاني هذه الأصناف: صنف من الناس تربَّى على الأدب والرقي والذوق، وظنَّ أنّ الإسلام عكس ذلك تماماً، فتراه حينما يسمع كلمة "متديِّن" يكون مرادفها بالنسبة له: عدم اللياقة... عدم النظافة... عدم النظام... فصار الذوق حاجزاً بينه وبين التديُّن. إنّ هذا الصنف ليس بالقليل في المجتمع وقد يكون عنده العذر. فإنّه لا يعرف.. ورسالتنا له تكون بمشيئة الله في محلها... فسيتحطم الحاجز... وسوف يتدين حينما يتعلَّم أنّ الذوق منبعه الأساسي هو ديننا.   الصنف الثالث: وثالث هذه الأصناف صنف ظنّ أنّ الإسلام داخل المسجد فقط... !! شعار هذا الصنف: "دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر" وبالتالي فالأددب والرقي والحضارة وكذلك إدارة الحياة جميعها... ليس لهذا علاقة بالدين. ولهذا الصنف خاصة أوجِّه لهم رسالة من القلب وأقول: إنّ ما لله لله وما لقيصر لله! وستعرف وسيتأكد لك الآن أنّ الأدب والرقي والذوق والحضارة له أصل في ديننا فإن كانت هذه الأشياء البسيطة لها أصل في الدين أليس لباقي أمور الحياة أصل في الدين؟.. إنّ الإسلام جاء لتنظيم الحياة وادارتها.   الصنف الرابع: وآخر هذه الأصناف صنف من الشباب المتديِّن الذي فهم الإسلام كعبادة... صلاة وصيام وذكر وتسبيح وخشوع و... فهو حريص على العبادة، حريص على إرضاء الله... ولكنه لم يفهم أنّ الذوق من أخلاق الإسلام، ومن قيمه التي جاء بها النبيّ (ص)، فنجده يعامل الناس بغلظة... وبشيء من عدم الذوق في التعامل مع الناس، فتكون النتيجة أنّه يفتن الأصناف الثلاثة السابق ذكرها... فيصبح تديُّنه سبباً لبعد هذه الأصناف عن الإسلام... وتجد أبويه يقولان: منذ أن تدين أصبح فظّاً... غليظاً... غير مهتم بملبسه، انظر إلى شكله!! رائحته!! وإلى هذا الصنف أوجه رسالة تتساقط منها الدموع... وأقول له: أرجوك افهم الإسلام فهماً صحيحاً، فالإسلام كلٌّ لا يتجزأ... افهم الإسلام كما جاء به النبيّ (ص) واعلم أنّ الذوق قيمة من قيم الإسلام الهامة.   غايتنا من هذا الخلق: إنني أعتقد أنّ هذا الخلق – خلق الذوق – من أهم الأخلاق، مثله مثل الصدق... الصبر... الأمانة. إنني أريد أن نخرج من خلق الذوق بعد يقيننا أنّه خلق إسلامي بهذه العبارة: "الحمد لله على نعمة الإسلام". الحمد لله أننا منتمون لهذا الدين العظيم: دين الإسلام. أحبتي الكرام: إن غايتنا من هذا الخلق أن نفخر بانتمائنا للإسلام.. وكيف لا نفخر وهو دين الرحمة والسلام والسعادة والأدب والرقي والذوق؟ أحبتي الكرام... نحن أولى الناس بهذا الخلق.   مرجعية الذوق للإسلام: إنني حينما قلت لك: إنّك واحد من الأصناف الأربعة السابق ذكرها لم أقصد نفي خلق الذوق عنك... لا والله، فأنا على يقين أنك تربيت على الذوق، ولكن الاختلاف هو: أنك تربَّيت على الذوق كتربية بيت؛ لا لأنّه خلق إسلامي والإسلام يأمر بذلك. نعم كثير منا تربى على الذوق والأدب والرقي في المعاملة؛ لا لأنّ الإسلام يقول ذلك؛ بل لأنّ الأصول تقول ذلك والحقيقة أن مرجعية الذوق هي الإسلام.►   المصدر: كتاب الصبر والذوق (أخلاق المؤمن)

ارسال التعليق

Top