• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

السكري والأمراض المصاحبة

السكري والأمراض المصاحبة

داء السكري من الأمراض الشائعة في العالم حيث تبلغ نسبة إصابة سكان العالم كلّه حوالي 177 مليون مريض بينما تصل نسبته في الولايات المتحدة وحدها إلى حوالي 15 مليون مريض أو بنسبة 6% من السكان، وهي ظاهرة يعلل زيادتها أما لأسباب وراثية أو على الأغلب هنا لزيادة نسبة البدانة الناتجة عن تبني نمط الحياة الغربية الحديثة سواء من قلة الحركة والرياضة، والإكثار من تناول الوجبات السريعة والمواد الدهنية.

ويتشكل داء السكري من عدة اضطرابات استقلالية في الجسم الناجمة عن زيادة الجلوكوز في الدم، وهذا يحدث نتيجة خلل في إفراز الأنسولين من البنكرياس، أو نتيجة خلل في وظيفة الأنسولين، ويمكن أن يحدث داء السكري سواء تواجد هاذان العاملان بصورة منفردة أو بصورة مجتمعة.

إنّ زيادة نسبة (الجلوكوز) في الدم بصورة مزمنة تسبب أذى على المدى البعيد على عدة أعضاء الجسم، وهذا الأذى يؤدي إلى قصور في وظيفة هذا العضو، أو فشل العضو عن العمل.

ومن أهم الأعضاء التي تتأذى من داء السكري هي القلب والأوعية الدموية، الكلية، العين، الأعصاب.

ويصيب داء السكري معظم الأوعية الدموية في الجسم سواء الصغيرة منها أو الكبيرة بحالة التصلب الشرياني مما يؤدي إلى حدوث نقص في تروية العضو المصاب، فإذا أصابت أوعية الأطراف السفلية فيمكن حدوث آلام في الساقين عند المشي في البداية، أما إذا استمر هذا المرض وازدادت شدته لفترة طويلة فقد يحدث انسداد في هذه الأوعية الدموية مسببة حدوث (الغانغرين) وهي حالة خطيرة تستدعي إجراء عمليات جراحية لتحسين التروية في هذه الأوعية وفي حالات قليلة قد يستدعي العلاج بالبتر فلذلك من الضروري على الطبيب فحص النبض بالأوعية المختلفة في الأطراف السفلية بصورة تشخيص هذه الحالة بصورة مبكرة.

أما الخطر الأكبر فهو في الأوعية الدموية التابعة للقلب بالتصلب الشرياني مما يؤدي إلى حدوث الذبحة الصدرية، أو جلطة القلب، فلذلك من الضروري على المريض اخبار الطبيب بأي أعراض قد تنذر بإصابة القلب كآلام الصدر، وضيق التنفس، خاصة عند الجهد للكشف عن هذه الحالة بصورة مبكرة.

أما إصابة أوعية الدماغ فهذا يؤدي إلى حدوث (الفالج) وتتأذى الكلية أيضاً من داء السكري. خاصة في حالة عدم انتظامه لفترة طويلة ففي البداية يبدأ تسرب المواد البروتينية الدقيقة أو (الميكرولبومين) عن طريق الكلية، وتزداد نسبته في البول تدريجياً وهذا يؤدي مع مرور السنين وخاصة في حالة عدم علاج السكري، بصورة منتظمة إلى حدوث قصور بوظيفة الكلية في تنقية الجسم من السموم، وهذا ينتهي بالفشل الكليوي الذي يحتاج إلى إجراء غسيل الكلية الدائم، أو حتى إلى زرع الكلية لعلاجه، فلذلك من الضروري مراقبة وظائف الكلية باستمرار عند مرضى السكري عن طريق إجراء فحوصات الدم والبول بصورة مستمرة.

أما إصابة العين فتؤدي إلى حدوث بعض الاضطرابات في الرؤية في البداية، وأحياناً من دون وجود أي أعراض أخرى لداء السكري، ويمكن أن يكتشف هذا المرض لأوّل مرة عند مراجعة طبيب العيون، ولكن إذا استمرت هذه الحالة لفترة طويلة من غير معالجة وخاصة إذا كان داء السكري غير منتظم لسنوات طويلة فإنّ هذا يؤدي إلى حدوث ضعف النظر التدريجي منتهياً بالعمى، ولذلك ننصح جميع مرضى داء السكري بمراجعة طبيب العيون سنوياً للكشف المبكر عن إصابة الشبكية بهذا المرض وعلاجها بالليزر بصورة مبكرة.

وأخيراً تصاب الأعصاب المختلفة في الجسم بداء السكري مما يؤدي إلى حدوث اضطرابات في حاسة اللمس والألم في اليد فيشعر المريض بحدوث التنمل والتخدير في الأطراف سواء السفلية أو العلوية فتسمى الاضطرابات العصبية السكرية، حيث يفقد المريض الإحساس جزئياً أو كلياً بذلك الطرف المصاب، بالإضافة إلى ذلك قد تصاب أعصاب الجهاز الهضمي مما يسبب حدوث تأخير في عملية الهضم بالمعدة، أما إصابة أعصاب الجهاز التاسلي فتسبب حدوث الضعف الجنسي خاصة عند الذكور.

وهناك نوعان لداء السكري النوع الأوّل (تابيل) والنوع الثاني 11 (تايبي) والفرق بين هاذين النوعين هو أنّ المريض بالنوع الأوّل يتميز بعدم وجود إفراز (الأنسولين) من البنكرياس على الإطلاق، وهذا النوع يبدأ عادة بسن مبكرة قبل الثلاثين من العمر، وقد يشاهد عند الأطفال ولا تتم معالجته إلّا بحقن الأنسولين.

أما النوع الثاني الذي يشكل حوالي 85% من مجموع مرضى السكري وهو الأكثر شيوعاً فيتميز بقدرة البنكرياس على إفراز كميات قليلة من الأنسولين بالإضافة إلى وجود حالة مقاومة الجسم لعمل وفعالية الأنسولين، فلذلك يمكن معالجة هذا النوع عن طريق الأدوية المختلفة، ولكن في هذه الحالات الشديدة أو المتأخرة من هذا المرض قد يضطر إلى اللجوء لحقن الأنسولين، بالإضافة إلى هذه الأدوية السابقة، وقد يحتاج علاج هذا النوع لإعطاء عدة أدوية بصورة مجتمعة حتى يتم ضبط هذا المرض.

ويمكن أن يحدث النوع الثاني من السكري خلال أي عمر ولكنه يحدث على الأغلب بين الثلاثين والخمسين من العمر، وهو نوع وراثي، فمثلاً إذا كان الأب والأُم مصابين به فإنّ احتمال إصابة الأطفال هي 50% أما ذا كان أحد الأبوين مصاباً فقط فإنّ احتمال حدوثه عند الأطفال ينخفض إلى 20% وكما هو معروف فإنّ الأنسولين هو المسؤول عن انخفاض نسبة (الجلوكوز) بالبدن، وتسهيل استخدامه من قبل خلايا الجسم المختلفة وفي كلا هذين النوعين من السكري تزداد نسبة (الجلوكوز) بالدم.

وعن أعراض هذا المرض فإنّه في البداية قد لا يشعر المريض بأي أعراض، وقد تمتد الحالة لعدة شهور، ولكنه عندما تزداد نسبة (الجلوكوز) بالدم بصورة عالية تبدأ بعض الأعراض بالحدوث مثل: العطش الزائد، وزيادة التبول، وأحياناً اختلاف الوزن والتعب والإرهاق، وبعض الالتهابات المختلفة نتيجة نقص المناعة.

ومن أبسط وسائل تشخيص المرض هو قياس نسبة (الجلوكوز) في الدم صباحاً قبل الطعام، والحد الطبيعي (للجلوكوز) هو بين 65-109 فإذا كان القياس أكثر من 120 خلال فحصين مختلفين أو قياس (الجلوكوز) بعد ساعتين من الطعام أكثر من 200 فيشخّص عند المريض الإصابة بداء السكري.

بالإضافة إلى فحص السكر بالدم فهناك فحص آخر يجب أن يجرى على كلّ مريض مصاب كلّ ثلاثة أشهر ويسمى (بالخضاب السكري).

وهذا الفحص يعطي معلومات عن حالة انتظام أو عدم انتظام هذا المرض خلال الأشهر السابقة للفحص، أو المعدل المقبول حالياً الذي يدل على أنّ السكري مثالي أو شديد الانتظام هو 6.5% أو أقل وعندما يرتفع هذا الرقم إلى 8% أو أكثر فهذا يدل على أنّ السكري غير منتظم على الإطلاق وتزداد حدوث اختلالات هذا المرض إذا بقي داء السكري على هذه الحالة لفترات طويلة.

وأحب أن أشدد على ضرورة كشف المرض بصورة مبكرة وخاصة في حالة وجود عوامل وراثية وبما أنّ الوقاية خير من العلاج، والكشف المبكر يؤدي إلى تفادي المضاعفات والاختلاطات الخطيرة لذلك ننصح بالنقاط التالية.

حمية غذائية منتظمة من دون انقطاع وحسب نصائح الطبيب.

-         مزاولة الرياضة وإنقاص الوزن.

-         مراجعة الطبيب كلّ ثلاثة أشهر.

-         مراجعة طبيب العيون سنوياً.

-         إخبار الطبيب بأي أعراض تثير الشك بإصابة القلب لإجراء الفحص للتأكد من سلامته وسلامة الأوعية الدموية من مرض تصلب الشرايين.

 

 الكاتب: د. عامر حلباوي

ارسال التعليق

Top