• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الصورة الإنسانية للرسول «ص» في القرآن

عمار كاظم

الصورة الإنسانية للرسول «ص» في القرآن

«مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ»، «لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ»، «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ».

هكذا كانت صورته في القرآن؛ كانت الصّورة الَّتي تعبّر عن عمق إنسانيَّته في كلّ إنسان دعاه إلى الله وعاش معه، وفي كلِّ إنسانٍ أعطاه وحاوره. كان الإنسان الَّذي تتفايض إنسانيَّته من عقله، فيتحرك عقله بكلّ الفكر الإنسانيّ المنفتح على الحقّ كلّه، وكانت إنسانيّته تتفايض من قلبه، فكان قلبه القلب اللّيِّن الرقيق الطيّب، الّذي ينفتح على أعدائه ليحبّ لهم الهداية، كما ينفتح على أوليائه ليحبّ لهم الاستزادة من الإيمان والتّقوى.

كانت إنسانيَّته (صلى الله عليه وآله وسلم) تتفايض في كلِّ حركته، فكانت تتفايض في يديه بالعطاء، وفي رجليه عندما يسير بهما إلى أن يُغيث ملهوفاً، وإلى أن يُنقذ بائساً، وإلى أن يزور مريضاً، وإلى أن يتحرَّك في كلّ ما يرتفع بالإنسان في أعلى الدَّرجات.

ونحن عندما نتذكَّر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذكرى مولده، فإنّنا مهما تحدَّثنا عنه، مما تحدّث الناس عنه في صفاته في نفسه، فإننا لن نستطيع أن نبلغ ما تحدَّث به الله سبحانه عنه.

لذلك، نحن هنا من أجل أن نعيش مع رسول الله أخلاقه وإسلامه وإيمانه وجهاده وشريعته، لأنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس مجرّد إنسان عاش في التاريخ، ولكنّه أيضاً نبيٌّ بقي في عقولنا عقلاً، وفي قلوبنا قلباً، وفي حركتنا دعوةً وجهاداً وعطاءً، لذلك، نحن نولد دائماً برسول الله عندما يعيش رسول الله فينا.

وهكذا، ينبغي أن يكون فينا شيءٌ من رسول الله ومن إيمانه وروحانيّته وخلُقه وكلّ سيرته، وقد قال لنا الله سبحانه وتعالى، إنَّ عليكم أن تضعوا رسول الله نصب أعينكم في كلماته وسيرته وفي كلِّ ما عاشه وفكَّر فيه، عندما تعيشون مشاكل الحياة، وعندما تفقدون الطّريق المستقيم، وعندما تكثر عليكم الضّغوط، وعندما يتحدّاكم الكافرون والمستكبرون.

وربما يضعف بعضكم، ويسقط بعضكم، ويخاف بعضكم أن يتحدَّث عنه النّاس بسوءٍ، أو يتّهمه النّاس بغير الحقيقة. اقتدوا برسول الله، فلقد قالوا عنه إنّه ساحر وكاهن وكاذب وشاعر، «وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً»، ولكنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وهو يستمع إلى ذلك ـ رفع عينيه إلى السَّماء، ولم يسمع كلَّ هذه الكلمات، ولم يواجه كلَّ هؤلاء، بل قال لربِّه في ابتهالٍ خاشع: «إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي».

الرسول القدوة

وتركها رسول الله لكلِّ داعية ومصلح ومجاهد من بعده، عندما ينطلق الَّذين يسبّون ويشتمون ويتَّهمون، ليقول لربّه ـ وهو في زحمة كلِّ ذلك ـ «إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي»، وهذا هو التّوحيد الّذي يدخل في العقل، ليجعل العقل ثابتاً في الله، ويدخل في القلب ليجعله نابضاً بالله، ويدخل في كلِّ حركة الحياة ليجعلها متحركة باسم الله. علينا أن نواجه الحياة كلَّها باسم الله، لأنَّ الله وحده هو الّذي يرعى مسيرتنا، وقد قالها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه صاحبه في ليلة الهجرة، والقوم يقتربون منه خطوةً خطوة، وليست هناك إلا بضع خطوات بينه وبينهم، وكان صاحبه يهتزّ ويرتعد ويخاف ويعيش الحزن، وكان رسول الله الإنسان الّذي عاش السّكينة الروحيّة في قلبه والطّمأنينة الإيمانيّة في عقله، كان يشعر بالفرح.

ارسال التعليق

Top