• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العبادة الحقّة

العبادة الحقّة

◄- زيّ العبودية:

كثيراً ما يرى العبد أنه الفعّال لما يريد في هذه الحياة، لتُمكِّنه من علاقة السببية القائمة بين أفعاله والنتائج، فيشرب الدواء ليتسبب منه الشفاء وهكذا في كلّ موارد التسبيب.. ومن الضروري في هذا المجال الإلتفات إلى أنّ طرفي النسبة وهو "الدواء والشفاء" منتسبان إلى الله عزّوجلّ مباشرة، وإنْ تسبَّبَ العبد في ايجاد الربط بينهما.

فالله تعالى هو (الخالق) للدواء والمبدع (لسَببيّته) في الشفاء، كما أنه المؤثر في (قابلية) البدن للشفاء بذلك الدواء، وهو الذي بمشيئته يرفع السببية بين الطرفين – لو شاء ذلك – وإن أعمل العبد جهده في ايجاد الربط بينهما.. كما أنه بمشيئته أيضاً قد يحقق المُسبِّب من دون وجود سبب عادي من عبده، كموارد الكرامة والإعجاز.. وبذلك لزم على العبد الإلتفات إلى كلّ ذلك، لئلّا يخرج من زي العبودية لله المتعال، أثناء تعامله مع عالم الأسباب.

 

- المتهجِّدون هم أولو النُّهى:

رُوِي عن النبي (ص) أنه قال: "خياركم أولو النُّهى"، فقيل: يا رسول الله ومَنْ أولو النُّهى؟ فقال: "المتهجِّدون بالليل والناس نيام".

فالملاحظ أنّ النُّهى أمر مرتبط بعالم التعقُّل واللب، ومن هنا كان هو المُدرك للآيات والعلامات الدالة على الحق، وقد ورد في القرآن الكريم: (إنّ في ذلك لآيات لأولي النهى...) والتهجُّد حالة عبادية يتمثّل في توجُّه القلب إلى الحق المبين، فما الارتباط إذن بين النُّهى والتهجُّد؟!

ودفعاً للاستغراب نقول: إنّ للعبادة دوراً أساسياً في تكميل العقل من جهات: فالعبادة – في نفسها – لا تخلو من (تدبُّر) وخاصة في الأسحار، أضف إلى أنها (مانعة) لغلبة الشهوات القاضية على ازدهار العقل في الوجود البشري، أضف إلى (مِنَح) الحق الموجبة لتكميل أحب ما خلق، وهو العقل في هؤلاء العباد.. كما أنه يكسو أصحاب الليل من أنوار جلاله، جزاء خلوتهم به – ولهذا صاروا كما روي من أحسن الناس وجهاً – فإنه كذلك يكسو عقولهم من أنوار المعارف الحقّة، ما لا يُعطاها جهابذة الفكر البعيدين عنه.

 

- استثقال العبادة:

إنّ الأداء الظاهري للعبادة مع استثقالها، قد لا يعطي ثماره الكاملة، كالصائم نهاراً والقائم ليلاً – مستثقلاً لهما – ومرغماً نفسه عليهما.. إمّا (تخلُّصاً) من تبعات الإثم في ترك الواجب، أو (طلباً) للأجر في المندوب، أو (إلتزاماً) بما اعتاد عليه.. والحال أنّ العبادة أداةٌ لتقرُّب المحب إلى حبيبه، بل هو التقرُّب بعينه، والمفروض أن لا يرى المحب مشقةً في طاعة محبوبه، مادامت سبيلاً إلى ما فيه لذّته وبغيته من الوصل واللقاء.. وعليه، فينبغي علاج موجبات ذلك الاستثقال المذكور، ليستطعم حلاوة العبادة كما يتذوَّقها أهلها...►

 

ارسال التعليق

Top