• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العدل والرحمة.. أساس لمفهوم السلام

عمار كاظم

العدل والرحمة.. أساس لمفهوم السلام

العدل صفة من صفات الله، فالله (يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) (النحل/ 76 و90). ويدعو القرآن الكريم الناس إلى الحكم بالعدل ويقول: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة / 8) و(وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (النِّساء /58). والرحمة صفة أُخرى من صفات الله، فالله (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (الأنعام/ 12). وهذا الالتزام الإلهيّ بالرحمة ورد في السورة ذاتها مرّة ثانية تأكيداً لمعناه، (فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (الأنعام/ 54). وهكذا فإنّ العدل والرحمة من الصفات الإلهيّة العظيمة التي أراد الله تعالى للناس أن يعيشوا روحها ومضمونها العملي في أكمل صورة، حتى ينعكس ذلك على واقع حالهم إحساناً وخيراً وسلاماً وسعادة.

للعدالة والرحمة والسلام أهميّة كبيرة في حفظ المجتمع واستقرار الإنسان وتوازن الحياة، لأنّ عكس ذلك يعني الظلم والخوف والقلق والفوضى التي لا تجلب إلّا الدمار وتهديم البنيان الإنساني والحضاري. هناك حديثان لرسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) يربطان رحمة الله للإنسان، برحمة الإنسان للإنسان. يقول في الحديث الأوّل: «ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء». فالطريق إلى رحمة الله تمرّ عبر رحمة الإنسان أخاه الإنسان، بل إنّ ممارسة الرحمة الإنسانية مدخل أساس لاستحقاق الرحمة الإلهيّة. ويقول في الحديث الثاني: «الراحمون يرحمهم الرحمن»، وفي ذلك تشديد واضح ومباشر على العلاقة المباشرة بين الرحمة الإلهيّة المنزّلة على الناس، والرحمة الإنسانية المتبادلة بين الناس.

من وصايا الإمام الكاظم (عليه السلام) لتلميذه هشام بن الحكم: «يا هشام، مكتوب في الإنجيل: طوبى للمتراحمين، أُولئك هم المرحومون يوم القيامة»؛ هؤلاء الذين يعيشون في مجتمعاتهم ليرحم بعضهم بعضاً. وقضية الرحمة في الإسلام هي من القضايا القيميّة الممتدّة في كلّ جوانب الحياة. ونحن نعرف أنّ الرسالة كلّها، والرُّسل كلّهم، هم رحمة للعالمين، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء/ 107)، هم رحمةٌ في الخُلُق، وفي القيمة، وفي الأسلوب الذي يلين فيه القلب، ويلين فيه اللسان، وقد قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران/ 159).

أن ترحم الإنسان الآخر، بأن ترحم عقله، لتخاطبه بمستوى عقله، وأن ترحم قلبه، لتفهم طبيعة التعقيدات والهموم أو الأحزان التي تعيش في قلبه، وأن ترحم واقعه، فتقدّر ظروفه في حركة الواقع، كما أنّك ترحمه لتشفق عليه، وتساعده، وتضمّد جراحه، وتخفّف آلامه. ولذلك فإنّ كلمة (الرحمة) هي الكلمة التي تدخل في مفاصل علاقات المجتمع بعضه مع بعض، والله سبحانه وتعالى يريد للمجتمع أن يرتكز على أساس الرحمة، ليكون المجتمع هو المجتمع المتراحم فيما بين أفراده.

اليوم، ما أحوجنا إلى أن نلتفّ حول العدل والرحمة، وأن نستقي منهما كلّ معاني الخير والتواصل الحيّ الذي ينعكس سلاماً روحياً من خلال إطلاق الكلمة المسؤولة والموقف المسؤول والواعي والحكيم الذي يعيد الحقّ إلى نصابه، ويتجاوز كلّ الحسابات حفاظاً على السلام والوئام، بما يفسح المجال للحياة أن تستمر وتتقدّم بالشكل الطبيعي دون عوائق، ولقد كان لنا في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة من أهل بيته (عليهم السلام) والعلماء الصالحين المجاهدين الصابرين قدوة حسنة في تأكيد إقامة العدل والسير في خطّ الرحمة والإحسان، لما فيه من إقامة أمر الدِّين وخير الإنسان والحياة. 

ارسال التعليق

Top