• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

القناعة.. القلب والنفس

عصمت عمر

القناعة.. القلب والنفس
 عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: سمعت النبي (ص) يقول: "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب". ولقد وضع الإسلام الحنيف العلاج الناجع لتلك الحالة من حب الدنيا المفرط الذي أشار إليه الحديث النبوي الشريف بتوجيه المؤمن إلى "القناعة" ذلك الكنز المفقود لدى كثير من الناس في زماننا. والحق أن من رُزق "القناعة" بات في راحة، فبها يتحقق الفلاح، ويهدأ القلب وتنشرح النفس وترضى بما قسمه الله، لأنها لن تتطلع إلى ما في أيدي الآخرين، وهنا يكون العبد أقرب ما يكون إلى ربه جل وعلا؛ لانصراف مطامع الدنيا عنه. ولا شك أنّ الرضا بما قسم المولى عزّ وجلّ يحقق غنى النفس الذي يدرب المرء على القناعة ويحققها، وصدق رسول الله (ص) حين قال: "وارْضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس". وقال أحد الحكماء: مَن أراد أن يعيش حرّاً أيام حياته، فلا يسكن قلبَه الطمعُ.. وقيل: عزّ من قنع، وذل مَن طمع. وقيل: العبيد ثلاثة: عبد رِقّ، وعبد شهوة، وعبد طمع. نعم.. إنّ السعي من أجل الرزق مطلوب فالعمل في الإسلام يرقى إلى درجة العبادة، لكن الإسلام يحذرنا من الغرق في الدنيا بكل زخارفها لدرجة أن يكون شغل المرء الشاغل والوحيد هو "جمع المال"، ولم يزد الله سبحانه صاحب المال فضلاً على الفقير، ولكن جعل الفضل في الزيادة من خلال التقوى وذلك في قوله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) (البقرة/ 197). وقوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران/ 133). وقد بين الرسول (ص) أنّ المسلم القانع الذي يتعفف عن سؤال الناس يكون ثوابُه الجنة، فقال: "من يكفل لي ألا يسأل الناس شيئاً، وأتكفل له بالجنة؟" فقال ثوبان (رض): أنا. فكان لا يسأل أحداً شيئاً. (وفي الحديث القدسي: "يابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنىً، وأسُدّ فقرك، وإن لم تفعل، ملأتُ صدرك شُغْلاً، ولم أسدّ فقرك". وقد أخبر الرسول (ص) الأُمّة بأفضل مراتب الغنى، فقال (ص): "ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس". وقال (ص): اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفَّهُ الله، ومن يستغن يغنه الله". وأختتم الحديث عن القناعة بقول الشافعي يرحمه الله: رأيتُ القناعة رأسَ الغِنَى **** فصرت بأذيالها ممتسك فلا ذا يراني على بابه **** ولا ذا يراني به منهمك فصرت غنياً على بلا درهم **** أمرُّ على الناس شِبه الملك

ارسال التعليق

Top