• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الهدف من الحياة

عمار كاظم

الهدف من الحياة

أقدس وأهم قضية يُمكن أن يضعها الإنسان نصب عينيه خلال مسيرة حياته المحدودة في هذه الدنيا هي التعرُّف على الهدف النهائي من إيجاده وخلقه. فتشخُّص الهدف ووضوحه من أهم مُيسِّرات السلوك إليه وبلوغه. والذي يملك هدفاً في حياته تراه أقدر على ترتيب أولوياته وتنظيم حياته وتركيز مجهوده. والذي لا يعرف الهدف من وجوده في هذه الدنيا أشبه بشخص تائه في صحراء فسيحة، لا تزيده كثرة السير فيها إلّا ضياعاً وتعباً. أمّا الذي يعرف هدفه فمثله كمثل شخص يسلك طريقاً طويلاً وشاقّاً، ولكنه يرى بصيص النور في آخره فتراه يتعجّل بلوغ هذا النور هو الخاتمة السعيدة ببلوغ نهاية الطريق.

إنّ أهم ما يُميِّز مسيرة الأنبياء (عليهم السلام) عن غيرهم من البشر هو وضوح الهدف أمامهم بنحو لا يشوبه شكّ أو غموض. ولذلك ترى منهم هذه القَدَم الراسخة في السير نحو الله عزّوجلّ. هم يتوجّهون إلى هدفهم بفؤاد يُردِّد دائماً وأبداً: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام/ 79). ولا يوجد أيُّ منهج غير منهج الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) يستطيع أن يورث الإنسان الوضوح في الغاية والطريق.

فالإنسان قد يقع في طريق حياته العديد من الأهداف، منها ما يتعلّق بمعاشه في هذه الدنيا، ومنها ما يتعلّق بعلاقاته الاجتماعية، وغير ذلك أيضاً. إنّ الهدف الذي نرمي إليه هو الهدف المتعلِّق بمجمل مصير الإنسان الأبدي. فأيُّ حديث عن هدف غير هذا الهدف هو حديث عن هدف ثانوي. ولذلك من المهم أن نعلم أنّ الأهداف في حياة الإنسان لها ترتيبات من حيث الأهمية، وفي النهاية كلّها تقع تحت ذاك الهدف الذي يتوقّف عليه مصير وسعادة الإنسان الحقيقية.

إنّ نظرة سريعة على نتاجات العقول البشرية تُبرز لنا تضارباً واختلافاً في تحديد هدف الإنسان النهائي خلال حياته القصيرة في هذه الدنيا. وبالتالي لا يُمكن أن نركن إلى هذه النظريات التي تبيّن أنّها حقّها أنّها قاصرة ومحدودة الرؤية.

إنّ الله عزّوجلّ هو الذي يملك العلم المطلق، والحكمة والعدل وهو الذي يعرف ما يصلح للإنسان وما ينفعه، وهو المخوّل لوضع الهدف اللائق والصحيح الذي يُمكن للإنسان الوصول إليه. فالله عزّوجلّ لا تحكمه الغرائز والأهواء، ولا تحكمه العصبية العمياء كما هو عند بني البشر، والذي يتّصف بهذه الصفات هو الذي يجب أن نتوجّه إليه لنستقي منه الهدف النهائي لوجودنا في هذا الكون.

لقد بعث الله عزّوجلّ إلينا أنبياءه ورسله ليبيّنوا لنا الكثير من الحقائق والمعارف. وهؤلاء الكمّل هم وسيلتنا لنعرف الغاية التي خلقنا الله من أجلها. إنّ الرسول الخاتم (ص) قد نقل لنا كلمات الله عزّوجلّ في هذا الخصوص، ثمّ فسّر لنا مراد الكلام الإلهي. يقول تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) (الذاريات/ 55-57).

إنّ الله عزّوجلّ يأمر نبيّه الكريم بأن يُذكّرنا بهذه الحقيقة التي أودعها في فطرتنا وجبل أرواحنا عليها، وهي أنّ الغاية من خلقتنا أن نعبد الله عزّوجلّ. فالله تعالى لا يُريد منّا رزقاً وما شاكل ذلك، وكيف يطلب رزقاً وهو الغنيُّ الذي لا يفتقر. إنّ الغاية التي خلقنا الله سبحانه من أجلها ترجع بفائدتها إلينا، لأنّ الله عزّوجلّ غنيٌّ أيضاً عن عبادتنا. وفي كلام الرسول الأكرم (ص) والعترة الطاهرة (عليهم السلام) ما يُبيّن أنّ موقع العبادة هو في الجانب المسلكيّ والعمليّ الذي يؤمّن وصول الإنسان إلى الكمال والسعادة اللذين أعدّهما الله عزّوجلّ لأهل طاعته. فالعبادة غاية لأنّها توصل إلى هذا الهدف. فتحصّل لنا أنّ الغاية النهائية التي يتوقّف عليها مصير الإنسان هو الوصول إلى الكمال الذي أعدّه الله عزّوجلّ لأهل طاعته، وفي الوصول إلى هذا النحو من الكمال سعادة الإنسان الحقيقية التي لا تُقاس بها أي سعادة في عالم الدنيا.

ارسال التعليق

Top