• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

وقاية النفس الإنسانية بالتقوى

عمار كاظم

وقاية النفس الإنسانية بالتقوى

التقوى في أصل معناها جعل النفس في وقاية، ولا تجعل النفس في وقاية إلّا بالنسبة لما يخاف، فخوف الله أصلها، والخوف يستدعي العلم بالمخوف، ومن هنا كان الذي يعلم الله هو الذي يخشاه وكان الذي يخشاه هو الذي يتقيه. فالمتقون هم الذين يقون أنفسهم عذاب الله وسخطه في الدنيا والآخرة وذلك بالوقوف عند حدوده وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وهو لا يأمر إلّا بما فيه خير للإنسانية ولا ينهى إلّا عما يضرها. عني القرآن بالتقوى عناية كبرى، وأكثر من الأمر وتوجيه النفوس إليها، وكانت له في ذلك أساليب مختلفة. أمر بتقوى الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران/ 102).

يعتبر العفو من التقوى أيضاً، قال الله تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (البقرة/ 237). والاستقامة مع الأعداء هي من التقوى، يقول تعالى: (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة/ 7). وذكر القرآن أنّ التقوى تجعل الإنسان في أمن من الخوف والحزن يوم القيامة، والنصر والتوفيق في هذه الحياة: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) (يونس/ 62-64). ومن ثمراتها الثواب العظيم والنعيم في الآخرة: (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ) (آل عمران/ 15). ومن ثمراتها أيضاً، نيل رحمة الله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) (الأعراف/ 156). ويذكرها القرآن في معرض تفريج الأزمات وحل المشكلات: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق/ 2-3). (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (الطلاق/ 4). وفي معرض النصر والتأييد: (إِنَّ الأرْضَ لِلهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف/ 128). وفي معرض تنوير البصيرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا) (الأنفال/ 29).  فالفرقان ما يفرق به بين شيئين ملتبسين أو أشياء مشتبهة، فثمرة التقوى هي نور البصيرة الذي يفرق بين الحقّ والباطل، واختيار طريق النجاة. هذه هي التقوى وهذه صفات المتقين وثمراتها في الأفراد والجماعات، ولهذا ليس بمستغرب أن يوليها القرآن عناية فائقة ويدعو إليها كما جاء في هذه الآية البليغة التي تدلّ على عمق الروحية الإسلامية: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) (البقرة/ 197). ولو أنّ العالم عرف التقوى وقام بواجبها لانطفأت ثورة الشر وساد السلام في ربوعه.

ولهذا نجد أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد إلقائه الخُطبة الشعبانية وتنويهه إلى المزايا الفائقة لشهر رمضان المبارك وحثّه الناس للإفادة الجادة والواعية من نِعم هذا الشهر وتذكره بمشاهد يوم القيامة ودعوته للإنفاق على الفقراء واحترام الكبار والرأفة بالصغار وصلة الأرحام وكف الألسن والأعيُن والآذان عن المعاصي والعطف على الأيتام والابتهال إلى الله لغضه عما صدر عن عبده من الذنوب.. وإلخ من الوصايا. أعلن عن توفر فرصة متميزة في هذا الشهر حيث أبواب الجنّة فيه مفتوحة وأبواب النيران فيه مؤصدة والشياطين فيه مغلولة، عندئذ نهض الإمام عليّ (عليه السلام) يسأله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أفضل الأعمال في هذا الشهر، فأجاب (صلى الله عليه وآله وسلم): «الورع عن محارم الله عزّوجلّ». من هنا فإنّ رمضان فرصة للتزود بتقوى الله تعالى وعمل الصالحات.. إن أجلّ شيء يفتح الله تعالى به على عبده التقوى، فإن منها تتشعب الخيرات وأسباب القربة والتقرب، وأصل التقوى هو الإخلاص، وحقيقته التخلي عن كلّ شيء إلّا ممّن إليه تقواك، لا يصل العبد إلى شيء من التقوى حتى يكتمل زهده وورعه، والتقوى مقرونة بالراحة، قال تعالى في: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) (الطلاق/ 2). لذا علينا أن نحرص على الوصول إلى صحّة التقوى، التي هي من غايات الصوم، بترك سائر الذنوب، يقول تعالى في: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران/ 102).

ارسال التعليق

Top