• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

بصلة.. بمئة تفاحة!

حنين عمر

بصلة.. بمئة تفاحة!

 

قبل حوالي أسبوع، تعرضت لحادث منزلي سيِّئ للغاية، سبَّب لي جرحاً بليغاً في وجهي، ولكنني بهدوء عالجت الأمر بالطريقة نفسها التي تداركت بها جرحاً نتج عن حادث سيارة تعرضت له قبل فترة من الزمن، حيث لجأت إلى قطع من قشرة البصل، وضعتها على الجرح مع مرهم من الزيوت الحيوانية، رافضة أن أقوم بخياطة الجرح كالعادة، وضاربة عرض الحائط بكل ما تعلمته في كلية الطب من مبادئ الإسعافات الأولية! وعلى رغم ما قد يبدو الأمر عليه من "جهل" لا يليق بمئزري الأبيض ومن تمسك بالعادات الشعبية التي يعتبرها البعض "خزعبلات" غير مفيدة، فإن ما فعلته كان صحياً جدّاً وله جذور طبية أقدم من كل تلك المبادئ التي لم أستعملها، إذ يعود إستعمال البصل كمضاد طبيعي إلى عصر الفراعنة، حيث كانت حضارة مصر القديمة تقدس البصل، وكان أطباؤها أوّل من دوّن فوائده، وقد وجدت آثار وكتابات على جدران الأهرامات تتحدث عن قيمته الغذائية والصحية. لكن هذه القيمة لاتزال تكبر وتزداد منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا، من خلال إكتشافات جديدة أثبتتها الدراسات الطبية الحديثة التي أجريت عليه، ومنها أنّه يحمي من الجلطات القلبية من خلال منع تخثر الدم في الشرايين، وكونه يساعد المرأة الحامل على وقاية الجنين من الكثير من الأمراض التي تسببها الجراثيم، إضافة إلى ذلك فهو خافض للكوليسترول ومنظم للسكر في الدم، كما يمنع هشاشة العظام ويقي من الإلتهابات الكبدي ويطيل العمر من خلال تجديد الخلايا، بل وأكثر من ذلك فإنّه يقلل من نسبة الإصابة بالسرطان. ولعل ما لا يعرفه الكثيرون أو الكثيرات تحديداً ممن يأنفن أكله، أنّ البصل يمكنه أن يساعد على التخلص من الوزن الزائد وفي الحصول على أجسام رشيقة ومشدودة كالعارضات، من خلال وصفات قديمة بسيطة جدّاً، لكنها على بساطتها تصنع "الجمال" وتحافظ عليه، وتجعلنا نبتسم أمام مرايانا. وعلى سيرة الجمال والمرايا، ابتسمت وأنا أتفقد الجرح هذا الصباح وأتأمل وجهي في مرآتي، وشعرت بأنني ممتنة جدّاً لأُمّي التي علمتني هذه الوصفة السحرية التي جعلته يختفي تقريباً، وفكرت في ذلك الدرس الفلسفي العميق الذي علمته لي "البصلة"، تلك النبتة التي ينفر الكثيرون منها بسبب رائحتها وطعمها، لقد علمتني أنّ الأشياء ليست دائماً كما نراها أو كما يهيأ لنا أننا نراها، والأحكام الخارجية التي قد نطلقها على الناس إستناداً إلى مظاهرهم أو إلى طبيعتهم التي خلقوا عليها، لا تكون غالباً صحيحة، إذ علينا دائماً أن نكون أكثر تأملاً في ماهية الأشياء وفي قيمتها، وفي ما تقدمه للآخرين، حينها فقط يمكننا أن نكوِّن رؤيتنا بعيداً عن فلسفة المظاهر التي تغزو مجتمعاتنا، وتجعلها تهمل الجوهر المعنوي الثمين لحساب الشكل المادي الزائل والمزيّف والمبهرج بلا فائدة. إنّ بعض الناس يشبه البصلة التي قد لا تحبها والتي نسد أنوفنا من رائحتها، ولكنها هي التي تداوي جراحنا حينما تجرحنا الحياة، وهي التي تمنع تعفنها، وتحافظ على صحتنا وجمالنا وحياتنا، بينما البعض الآخر يشبه التفاحة الفاسدة التي نشتهي أكلها لجمالها الخارجي ولرائحتها الطيبة، ثمّ ما إن نقضمها حتى نشعر بالقرف منها ومن كل شيء حولنا. ومع أنني أحب التفاح كثيراً، وأعتبر أن له فلسفته وأسراره وفوائده الخاصة، إلا أنني لابدّ أن أرفع قبعتي للبصلة التي أنقذت وجهي مرتين من أثر كان سيشوهني للأبد، ومنحتني رؤية أعمق لجوهر الأشياء، والتي أعتبرها فعلاً: بصلة... بمئة تفاحة!!

ارسال التعليق

Top