• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تربية روح الجهاد والشهادة في غزوة بدر الكبرى

عمار كاظم

تربية روح الجهاد والشهادة في غزوة بدر الكبرى

دراسة التأريخ بصورة عامة والإسلامي بصورة خاصة، وتأريخ الرسول الكريم (ص) وسيرة حياته بصورة أخص، لها دور كبير وفعّال في تربية الإنسان، وتزويده بالعبر والخبرات والتجارب (... وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ) (الأنفال/ 41)، وتتأكّد أهمية دراسة سيرة الرسول (ص) وحروبه وجهاده بالنسبة للأُمّة المسلمة، لأنّ سلوك الرسول ومواقفه من أقوال وأفعال وتقريرات هي سنة وتشريع يثري الفقه والتشريع الإسلامي. ودراسة المعارك والحروب والغزوات التي قام بها الرسول (ص) تساهم في بيان أحكام الجهاد والأسرى والغنائم والمعاهدات والاتفاقيات والهدنة.. إلخ.

كما تساهم في تربية روح الجهاد والشهادة وبناء الشخصية الإسلامية القوية الرافضة للظلم والطغيان والفساد. ومعركة بدر، المعركة الكبرى التي وضعت أحداثها في السابع عشر من شهر رمضان المبارك في العام الثاني من هجرة الرسول الكريم (ص)، لهي معركة خالدة انتصر فيها الحق على الباطل وتجلت فيها نصرة الله سبحانه للمؤمنين رغم قلتهم، جرياً على القانون الإلهي الذي ثبته بقوله تعالى: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة/ 249).

ولقد شبه المؤرخون والمفسِّرون معركة (بدر) بمعركة النبيّ داود (ع) مع جالوت التي تحدث عنها القرآن بقوله: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة/ 251). ومعركة بدر تعيد لنا عظمة تأريخنا.. وعظمة أُمّتنا.. وتشد عزائمنا، وتقوي فينا روح الجهاد لمواجهة الظلم، وتزرع فينا روح النصرة للمظلومين والمستضعفين في العالم. وتصنع منا أُمّة قوية مهابة الجانب.. مرهوبة المكانة. تأريخ الإسلام غني بالعبر والمواقف الخالدة، وتأريخ الجهاد مدرسة ومعلم ومثل أعلى في التضحية والإقدام والفداء. وواضح أنّ الإيمان بالله سبحانه والشوق إلى رضوانه والفناء في حبه والدفاع عن الحقّ هو الباعث والمحرك للجهاد والشهادة والتضحية في سبيل الله، وقد تجلت هذه المواقف مشرقة نيرة في ميدان بدر. وقد خلد لنا التأريخ صوراً ومشاهد نذكر منها للعبرة والموعظة أحد المواقف التي برزت على لوحة معركة بدر، كم برزت مواقف وبطولات عديدة: ذكر المؤرخون: "أنّ رسول الله (ص) كان يحرض المؤمنين على القتال، ويقول: والذي نفس محمّد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلّا أدخله الله الجنّة".

انتشرت هذه الكلمات الخالدة.. وهذه البشرى للشهداء والمجاهدين، فكانت قوة دافعة، وباعثاً على الشوق إلى الشهادة، ووقعت في النفوس مواقعها.. سمع الصحابي المجاهد عمير بن الحُمام الأنصاري تصريح رسول الله وحثه على الجهاد والشهادة.. وكان بيده تمرات يأكلهن.. فتعجل القتال والشهادة.. وراح يخاطب نفسه: "بخ بخ! ما بيني وبين أن أدخل الجنّة الا أن يقتلني هؤلاء". القى التمرات من يده وقاتل حتى قتل. تلك صورة رائعة من صور التضحية والفداء وحبّ الشهادة يصورها لنا التأريخ.. ويرويها على مسامع الأجيال. لقد كانت هذه المواقف وأمثالها هي السبب في النصر والعزة والكرامة.

ارسال التعليق

Top