• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تعداد البشر يزداد يوماً بعد يوم

تحقيق: جويل إ. كويين / ترجمة: أ. د. أحمد شفيق

تعداد البشر يزداد يوماً بعد يوم
 على الرغم من أن معدل نمو السكان قد انخفض منذ سبعينيات القرن العشرين، فإن منطق التزايد يعني أنّ المستويات الحالية لنمو سكان العالم ما زالت أكبر من أي من المستويات التي مر بها العالم قبل الحرب العالمية الثانية. وفي حين أنّ الزيادة المطلقة الأولى في السكان بمقدار بليون شخص قد انطلقت منذ بداية الزمان حتى بواكير القرن التاسع عشر، فإن بليون شخص سوف يضافون إلى عدد السكان في يومنا الحالي خلال 13 أو 14 سنة فقط. وبحلول العام 2050 فإنّه من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 9.1 بليون، بزيادة أو بنقص بليوني إنسان، وهذا سوف يتوقف على معدلات المواليد والوفيات في المستقبل. وهذه الزيادة المتوقعة بمقدار 2.6 بليون نسمة بحلول العام 2050 عن الـ6.5 بليون نسمة في العام 2005 تتجاوز العدد الإجمالي لسكان العالم في سنة 1950، والذي كان 2.5 بليون. وباختصار، فإنّ النمو السريع في السكان لم ينته، إز تزيد أعداد البشر حالياً بمقدار يتراوح بين 74 مليون نسمة و76 مليون نسمة سنوياً، وهو ما يعادل إضافة ولايات متحدة أخرى إلى العالم كل أربع سنوات. غير أن معظم الزيادات لا تحدث في دول تتمتع بثراء الولايات المتحدة. وفيما بين العامين 2005 و2050 فإن عدد السكان سوف يصبح على الأقل ثلاثة أمثال ما هو عليه حالياً في أفغانستان، وبوركينا فاسو، وبوروندي، وتشاد، والكونغو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وتيمور الشرقية، وغينيا – بيساو، وليبيريا، ومالي، والنيجر، وأوغندا، وهذه الدول من بين أفقر الدول على كوكب الأرض. وفي الواقع، فإن كل نمو السكان خلال الخمسة والأربعين عاماً التالية من المتوقع أن يحدث في المناطق الأقل تقدماً واقتصادياً اليوم. وعلى الرغم من معدلات الوفيات العالية في كل فئة عمرية، فإن عدد السكان في الدول الفقيرة يزداد بسرعة أكبر من عدد سكان الدول الغنية، وذلك لأن معدلات المواليد في الدول الفقيرة أعلى بكثير. وفي الوقت الحالي، فإن متوسط ما تنجبه المرأة هو تقريباً ضعف عدد الأطفال (2.9) في الدول الفقيرة مقارنة بالدول الغنية (1.6 طفل لكل امرأة). وسوف يُنتج نصف الزيادة في عدد سكان العالم بفعل تسع دول فحسب. وإذا ما وضعناها في جدول بترتيب مساهمتها المتوقعة فهي الهند، وباكستان، ونيجيريا، وجمهورية الكونغو الديموقراطية، وأوغندا، والولايات المتحدة، وإثيوبيا، والصين. والدولة الوحيدة الغنية في القائمة هي الولايات المتحدة، حيث ينشأ ما يقرب من ثلث الزيادة في السكان عن معدل عالٍ للهجرة. وفي مقابل ذلك، فإن 51 دولة أو منطقة، معظمها أكثر تطورا اقتصادياً، سوف تفقد سكاناً فيما بين الآن والعام 2050. ومن المتوقع أن ينخفض عدد سكان ألمانيا من 83 مليون نسمة إلى 79 مليون نسمة، وإيطاليا من 58 مليوناً إلى 51 مليوناً، واليابان من 128 مليوناً إلى 112 مليوناً، وأكبر انخفاض في الاتحاد الروسي من 143 مليوناً إلى 112 مليوناً. وفيما بعد ذلك فإن روسيا سوف تصبح أقل قليلاً في عدد السكان من اليابان. وتعني الزيادة الأبطأ في عدد السكان في كل مكان أنّ القرن العشرين ربما كان هو القرن الأخير في تاريخ البشرية الذي فاق فيه عدد الشباب عدد من هم أكبر سنا منهم. كما أن نسبة جميع البشر الذين كانوا أطفالاً في الرابعة من العمر أو أصغر قد وصل إلى ذروته في العام 1955 بمعدل 14.5 في المائة وانخفض تدريجياً إلى 9.5 في المائة بحلول العام 2005، في حين أن نسبة البشر في الستين من العمر أو أكبر ارتفعت من حدها الأدنى البالغ 8.1 في المائة في العام 1960 إلى 10.4 في المائة في العام 2005. وحوالي العام 2000 كانت كل من المجموعتين تمثل نحو 10 في المائة من البشر، ومن الآن فصاعدا فإن لكبار السن اليد العليا عدديا. ويعكس هذا التحول في النسب بين الشباب والشيوخ عمرا أطول وخصوبة أقل، إذ ارتفع متوسط العمر منذ ما يقرب من 30 عاما في بداية القرن العشرين إلى أكثر من 65 عاماً في بداية القرن الواحد والعشرين، إلا أنّ التأثير الأقوى كان لانخفاض معدل الخصوبة الذي أضاف أعداداً أصغر إلى الفئات السنِّية الأصغر. ولا تحدث شيخوخة السكان بالتساوي في جميع أنحاء العالم، إذ إنّه في العام 2050 سيكون شخص واحد تقريباً من بين كل ثلاثة أشخاص فوق الستين عاماً أو أكبر في المناطق الأكثر تطوراً، وشخصاً من كل خمسة أشخاص في المناطق الأقل تطوراً. ولكن في 11 من الدول ذات أقل درجة من التطور – وهي أفغانستان، وأنجولا، وبوروندي، وتشاد، وجمهورية الكونغو الديموقراطية، وغينيا الاستوائية، وغينيا – بيساو، وليبيريا، ومالي، والنيجر، وأوغندا – فإن نصف السكان سيكون عمرهم 23 عاما أو أصغر. وإذا ما استمرت الاتجاهات الحالية، كما هو متوقع لها، حتى العام 2050 فإن كل نمو سكان العالم سيكون بالفعل في المناطق الحضرية. في الواقع، فإنّ هذا يعني أنّه سيكون لزاما على الدول الفقيرة أن تبني ما يعادل مدينة تضم أكثر من مليون نسمة كل أسبوع خلال الخمسة والأربعين عاما المقبلة. وعلى الرغم من أنّ التوقعات الديموغراطية طويلة المدى حتى العام 2050 وما بعده تتسم بالروتينية، فإنّ النماذج الاقتصادية ليست متطورة بما فيه الكفاية بحيث تلائم التوقع على المدى الطويل، إذ إنها عرضة لتغيرات غير متوقعة في المؤسسات والتكنولوجيا ولتحولات في هيمنة مناطق وقطاعات اقتصادية معينة، إلا أن معظم النماذج تتنبأ بأنّ العالم سوف يصبح أكثر غنى. ووفقا لأكثر السيناريوهات تفاؤلاً فإن نسبة دخل الفرد في الدول الصناعية إلى النسبة في الدول النامية يمكن أن تنخفض من النسبة المقدرة 16 إلى 1 في العام 1990 إلى ما بين 6.6 إلى 1، و2.8 إلى 1 في العام 2050، وهذه التحسنات ليست مؤكدة، إذ تتنبأ نماذج أخرى بفقر يتسم بالركود. وتثير التوقعات ببلايين إضافية من البشر في الدول النامية وبأناس أكبر سنا في كل مكان، بالإضافة إلى الآمال المتعلقة بالنمو الاقتصادي وبخاصة فيما يتعلق بفقراء العالم، تثير قلقا في بعض الدوائر حول توافر أسباب الحياة للسكان حالياً وفي المستقبل.   - ما يفوق قدرة الأرض على استيعاب البشر:

على المدى القصير، يمكن لكوكبنا أن يتيح مكانا وغذاء، على الأقل على مستوى الكفاف، لخمسين في المائة إضافية من عدد البشر الذين يحيون الآن، وذلك لأنّ البشر يزرعون بالفعل حبوباً بقولية تكفي لتغذية 10 ملايين شخص غذاءً نباتياً. ولكن كما ذكر عالم الديموغرافيا والاجتماع كنجسلي ديفيز في العام 1991 فإنّه "ليست هناك دولة في العالم يقنع الناس فيها بالحصول على ما يكفي لطعامهم بصعوبة". والقضية هي ما إذا كان البلايين من الناس الذين سيوجدون في العام 2050 يمكن أن يحيوا ولديهم حرية الاختيار والرفاهية من قَبل أولئك الذين يعيشون في 2050، وعما إذا كان أطفالهم وذرية أطفالهم سيتمكنون من الاستمرار في الحياة بحرية ورفاهية، بصرف النظر عن كيفية تعريفهم لهما في المستقبل. وهذه هي القضية المتعلقة بتوافر أسباب الحياة.

وهذا القلق قديم قدم التاريخ المعروف، إذ إن ألواحاً مكتوبة بالحروف المسمارية يرجع تاريخها إلى العام 1600 ق. م أوضحت أنّ البابليين كانوا يتخوفون من أنّ العالم كان بالفعل مليئا بالناس أكثر مما ينبغي. وفي العام 1798 جدد توماس مالتوس هذا القلق، كما فعلت دونيلا ميدوز في كتابها الصادر سنة 1972 بعنوان حدود النمو. وفي حين عبّر بعض الناس عن قلقهم بشأن عدد الناس الأكثر مما ينبغي، فإنّ المتفائلين قد قدموا تأكيدات بأنّ العناية الإلهية أو التكنولوجيا سوف توفر سبل الرفاهية للبشرية. وقد افترضت المحاولات المبكرة لحساب قدرة كوكب الأرض على استيعاب البشر أن أحد الشروط الضرورية لمجتمع بشري يجد سبل عيشه يمكن أن يقاس بوحدات الأرض. وفي أول حساب كمي معروف، قدّر أنتوني فإن لينهوك في العام 1679 أنّ المنطقة الآلهة من الأرض كانت 13385 مرة أكبر من مساحة هولندا وأن سكان هولندا حينئذ كانوا نحو مليون نسمة. وعلى فرض أنّ الجزء المأهول من الأرض له نفس كثافة السكان في هولندا، وعلى الرغم من أنّه لا يمكن أن يتم سكناه بهذه الكثافة، فقد كتب يقول: "إن كون الأرض المأهولة 13385 مرة أكبر من هولندا تعطينا ... 13385000000 إنسان على الأرض "أو حدا أعلى هو 13.4 بليون نسمة تقريباً". واستمرار في هذا الاتجاه، في العام 2002 حاول ماتيس واكرنانجل، وهو مبتكر مفهوم بصمة القدم "البيئية"، وزملاؤه أن يحددوا كمية الأرض التي يستخدمها البشر لكي يتيحوا مصادر ويتخلصوا من النفايات. وقد توصل تقديرهم الأولى إلى أنّ البشرية استخدمت 70 في المائة من قدرة المحيط الحيوي للأرض في العالم 1961، و120 في المائة في العام 1999. وبمعنى آخر، فإنّه مع حلول العام 1999 كان البشر يستغلون البنية استغلالاً أسرع مما تستطيع تعويض نفسها، هكذا قالوا، وهو وضع من الواضح أنّه لا يمكن استمراره. ويكتنف هذا المدخل في التناول مشكلات كثيرة. وربما كان أخطرها هو محاولته إرساء شرط ضروري لاستمرار بقاء المجتمع البشري في البعد الوحيد المتعلق بمساحة الأرض المنتجة بيولوجيا. وعلى سبيل المثال، فلكي يترجموا استخدام الطاقة إلى وحدات من الأرض، قام واكرناجل وزملاؤه بحسب منطقة الغابات التي ستكون هناك حاجة إليها لامتصاص ثاني أوكسيد الكربون الناتج عن توليد الطاقة. وهذا المدخل يخفق فيما يتعلق بتكنولوجيات توليد الطاقة التي لا ينبعث عنها ثاني أوكسيد الكربون، مثل الألواح الشمسية، أو القوة المائية أو المصانع النووية. وتحويل كل إنتاج الطاقة إلى طاقة نووية من شأنه أن يحول الأزمة من ثاني أوكسيد كربون أكثر من اللازم إلى استهلاك وقود نووي أكثر من اللازم. وتظل مشكلة توفير سبل الحياة كما هي، ولكن مساحة الأرض المنتجة بيولوجيا ليست مؤشراً مفيداً عليها. وتتضمن الكميات الأخرى ذات البعد الواحد التي تمت الإشارة إليها بوصفها حدا أعلى على القدرة على استيعاب البشر، الماء، والطاقة، والغذاء، والعناصر الكيميائية المختلفة التي يتطلبها إنتاج الغذاء. وتتمثل الصعوبة في كل مؤشر وحيد للقدرة على استيعاب البشر في أن معناه يتوقف على قيمة العوامل الأخرى. فلو ندر الماء في حين توافرت الطاقة، على سبيل المثال، فإنّه سيكون من السهل إزالة ملوحة الماء ونقله من مكان إلى آخر، أما لو كانت الطاقة مكلفة، فإن إزالة الملوحة والنقل ربما يكونان أمرين غير عمليين. وتواجه محاولات تحديد كمية استيعاب الأرض للبشر أو حجم سكاني يمكن توفير سبل الحياة له التحدي المتعلق بفهم القيود التي تفرضها الطبيعة، والاختيارات التي يواجهها الناس والتفاعلات فيما بينهم. وبعض القيود التي تفرضها الطبيعة تناقش في مكان آخر في هذا العدد من المجلة، أما هنا فإنني سوف أجذب الانتباه إلى قضايا الاختيار أمام الإنسان التي ينطوي عليها تقييم توافر سبل الحياة. ما الذي سيرغب فيه البشر وما الذي سيقبلونه بحسبانه متوسط مستوى الإمكانات المادية للرفاهية وتوزيعه في العام 2050 وما بعده؟ وأية تكنولوجيات ستستخدم؟ وأيّة مؤسسات سياسية داخلية ودولية ستستخدم لحل النزاعات؟ وأية ترتيبات اقتصادية سوف تتيح الائتمان، وتنظم التجارة، وتضع المعايير وتمول الاستثمارات؟ وأية ترتيبات اجتماعية ديموغرافية سوف تؤثر في المواليد، والصحة، والتعليم، والزواج، والهجرة، والموت؟ وأيّة بنيات مادية وكيميائية وبيولوجية سوف يريد الناس الحياة في ظلها؟ وأي مستوى من التنوع سوف يكون البشر على استعداد للحياة في ظله؟ (إذا لم يبال البشر برؤية حجم السكان ينخفض بمقدار بلايين عندما يصبح الطقس غير مواتٍ، فإنّهم ربما يحسبون أن عددا أكبر بكثير من السكان يمكن أن تتوفر له سبل الحياة عندما يكون الطقس مواتيا). وأي مستوى من مستويات المخاطر سيكون البشر على استعداد للحياة في ظله؟ (هل الانهيارات الطينية، والأعاصير والفيضانات مخاطر مقبول بها أم لا؟ سوف تؤثر الإجابة في رقعة الأرض التي ينظر إليها بحسبانها مناسبة للعيش عليها). وأي أفق زمني سيستخدم؟ وأخيراً، وهو ما له مغزاه، كيف – تكون قيم البشر وأذواقهم في المستقبل؟ وكما ذكر عالم الأجناس دونالد ل. هاردستي في العام 1977 فإن "رقعة من الأرض ربما يكون لها قدرة منخفضة على استيعاب البشر، ليس بسبب الخصوبة المنخفضة للتربة ولكن لأنها مقدسة أو تسكنها الأشباح". وقد قدمت معظم التقديرات المنشورة لقدرة الأرض على استيعاب البشر إجابات غير متمحصة عن واحد أو أكثر من هذه الأسئلة. وفي كتاب "كم من البشر يمكن لكوكب الأرض استيعابهم؟" جمعت وحللت أكثر من ستين من هذه التقديرات المنشورة بدءا من العام 1679 وما يليه. وتلك التقديرات التي تمت في نصف القرن الماضي فقط تراوحت بين أقل من بليون إلى أكثر من 1000 بليون. وهذه التقديرات أرقام سياسية، مقصود بها إقناع البشر، بوسيلة أو بأخرى، بأنّه: إما أنّه هناك بشر أكثر كثيراً مما ينبغي يحيون على كوكب الأرض أو أنّه ليست هناك مشكلة في استمرار التزايد السريع في السكان. أمّا الأرقام العلمية فمقصود بها وصف الواقع. ونظراً لأنّه ليست هناك تقديرات لقدرة استيعاب الأرض للبشر تناولت بصراحة الأسئلة المثارة آنفا، آخذة اختلاف وجهات النظر في الحسبان حول الإجابات عنها في المجتمعات والثقافات المختلفة، فإنّه لا يمكن أن يقال إنّه توجد تقديرات علمية لحجم البشر الذين يمكن أن تكفل لهم الأرض سبل الحياة. وفي كثير من الأحيان يمثل الانتباه إلى القدرة الاستيعابية على المدى الطويل تحويلاً للنظر عن المشكلة المباشرة المتعلقة بجعل الغد أفضل من اليوم، وهي مهمة لا تتيح مجالاً كبيراً للعمل العلمي والبناء. ولذلك فلنفحص بإيجاز اتجاهين ديموغرافيين رئيسيين، هما العيش في الحضر، وشيخوخة السكان، وبعض الخيارات التي يتيحها هذان الاتجاهان.   - ازدهار أم انفجار؟ أُسست كثير من المدن الكبرى في مناطق ذات إنتاجية زراعية عالية، عادة في السهول الناشئة عن فيضان الأنهار، أو في مناطق ساحلية وجزر ذات إمكانية للحصول على مصادر الغذاء البحري وإمكانية التجارة البحرية. فإذا تضاعف عدد سكان الحضر في العالم تقريباً خلال نصف القرن التالي، من ثلاثة بلايين إلى ستة بلايين، في حين يظل سكان المناطق الريفية في العالم ثابتاً تقريباً عند ثلاثة بلايين، وإذا توسعت مدن كثيرة في المساحة بدلا من زيادتها في الكثافة، فإنّ الأراضي الزراعية الخصبة حول تلك المدن يمكن أن تتوقف عن الإنتاج، والمياه حول المدن الساحلية أو مدن الجزر يمكن أن تواجه تحدياً متصاعداً من مخلفات المناطق الحضرية. وحالياً فإن نصف سكان الكوكب الذين يستقرون في أكثر المناطق كثافة سكانية يعيشون على ما يتراوح بين 2 و3 في المائة من جميع الأراضي الخالية من الجليد. وإذا تضاعفت المدن في المساحة وأيضاً في عدد السكان بحلول العام 2050 فإنّ المناطق الحضرية يمكن أن تزيد لتحتل 6 في المائة من الأرض. ويمكن لاقتطاع تلك الكمية من الـ10 إلى الـ15 في المائة – على أبعد تقدير – من الأرض التي تعتبر قابلة للزراعة أن يكون له تأثير ملحوظ في الإنتاج الزراعي. وسوف يكون من شأن تخطيط المدن بحيث نتجنب استهلاك الأراضي القابلة للزراعة تقليل تأثير زيادة السكان فيها على إنتاج الغذاء، وهو هدف في مصلحة الحضريين إلى حد بعيد نظرا لأنّ المدن ستكون في حاجة إلى إمدادات. وإذا لم تحدث طفرة في زراعة الغذاء في المناطق الحضرية، فإن كل ريفية – في المتوسط – سوف يكون عليها أن تتحول من توفير الغذاء لنفسها (إذ إن معظم العمال الزراعيين في العالم من النساء) وواحد من قاطني المدن اليوم إلى توفير الغذاء لنفسها ولاثنين من قاطني المدن في فترة تقل عن نصف قرن. وإذا ما زادت كثافة الإنتاج الزراعي في المناطق الريفية، فإنّ الطلب على الغذاء. جنبا إلى جنب مع التكنولوجيا التي تقدمها المدن النامية للمناطق الريفية، قد ترفع – في نهاية المطاف – الفقر عن كاهل سكان المناطق الزراعية الريفية، كما حدث في كثير من الدول الغنية. ومن ناحية أخرى، إذا ما استخدم مزيد من الأسمدة الكيميائية والمبيدات البيولوجية لزيادة المحصول، فإنّ الإرتفاع في إنتاج الغذاء يمكن أن يضع أعباء هائلة على البيئة. وفيما يتعلق بسكان المدن، فإنّ العيش في الحضر يهدد بمخاطر مخيفة من الأمراض المعدية إلا إذا أتاحت الإجراءات الصحية الكافية الماء النقي والتخلص من النفايات، إلا أنّ المدن تتركز فيها فرص الإثراء التعليمي والثقافي، والحصول على الرعاية الصحية وفرص العمل بأشكالها المتنوعة. ولذا، فإنّه إذا كان نصف البنية التحتية الحضرية التي ستتوافر في العالم في العام 2050 لابدّ من بنائها خلال الخمسة والأربعين عاما المقبلة، فإن فرص تصميم مدن جديدة وبنائها وتشغيلها وصيانتها بشكل أفضل من المدن القديمة فرص هائلة ومثيرة وتمثل تحديا. والعيش في الحضر سوف يتفاعل مع التحول الحادث في المجتمعات البشرية نتيجة للشيخوخة، إذ إنّ المدن ترفع العائد الاقتصادي الذي يحصل عليه العمال الأصغر سناً والأفضل تعليماً في حين أن انتقالهم من مكان إلى آخر كثيراً ما سيضعف من علاقات القرابة التقليدية التي تقدم دعماً أسرياً لكبار السن. والمرأة الأكبر سناً وغير المتعلمة التي كان من الممكن أن تحصل على دعم أسري وعمل منتج من الزراعة لو كانت قد عاشت في منطقة ريفية ربما تجد صعوبة في العثور في منطقة ريفية ربما تجد صعوبة في العثور على مورد رزق على دعم اجتماعي في مدينة ما. وبعد العام 2010 فإن معظم الدول سوف تمر بتسارع حاد في معدل زيادة نسبة كبار السن المحتاجين إلى إعالة – وهي النسبة بين عدد البشر البالغين 65 عاماً أو أكثر إلى عدد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاما. وسوف يحدث التحول أوّلاً، وبأكبر درجة من الحدة، في الدول الأكثر تطوراً، في حين أنّ الدول ذات الدرجة الأدنى من التطور سوف تمر بزيادة بطيئة في كبار السن المحتاجين إلى إعالة بعد العام 2010. وبحلول العام 2050 فإن نسبة كبار السن المحتاجين إلى إعالة في الدول ذات الدرجة الأقل من التطور سوف تقترب من تلك النسبة التي كانت في الدول الأكثر تطوراً في العام 1950. غير أنّ الاستقراء مباشرة من السن بشأن الأعباء الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن الاعتماد عليه. فالعبء الاقتصادي الذي يفرضه وجود الشيوخ المحتاجين إلى إعالة سوف يتوقف على صحتهم، وعلى المؤسسات الاقتصادية المتاحة لتوفير فرص عمل لهم، وعلى توافر المؤسسات الاجتماعية لرعايتهم. والاتجاهات المتعلقة بصحة الشيوخ إيجابية في مجملها، على الرغم من المشكلات الحادة التي يعاني منها بعض الاقتصادات التي تمر بفترة تحول وبعض المناطق المصابة بالأيدز. وعلى سبيل المثال، فإن معدل العجز المزمن فيما بين الأمريكيين كبار السن انخفض بسرعة بين العامين 1982 و1999. ونتيجة لذلك، فإنّه بحلول العام 1999، كان هناك 25 في المائة من الأمريكيين كبار السن مصابين بعجز مزمن أقل مما كان متوقعاً لو أن معدل العجز في الولايات المتحدة قد ظل ثابتاً منذ العام 1982. ونظرا لأن شخصاً مسناً واحداً يعتمد في المقام الأوّل على زوجته أو زوجها في حالة المتاعب (لو كانت هناك زوجة أو زوج)، فإنّ الحالة الاجتماعية تمثل أيضاً تأثيراً رئيسياً في أحوال المعيشة بين كبار السن. فكبار السن المتزوجون من المحتمل بدرجة أكبر أن تتم رعايتهم في البيت بدلاً من دخولهم مؤسسات رعاية، مقارنة بغير المتزوجين، والأرامل والمطلقين. ورعاية العجائز تتوقف بطرق معقدة ليس فقط على العمر والجنس والحالة الاجتماعية ولكن أيضاً على وجود ذرية تقدم العون وعلى الوضع الاقتصادي – الاجتماعي، وأبرزه الدرجة التي حصلوا عليها من التعليم، إذ إنّ التعليم الأفضل في فترة الشباب يرتبط بصحة أفضل في الشيخوخة. ونتيجة لذلك، فإن إحدى الاستراتيجيات الواضحة لتحسين ظروف معيشة الموجة القادمة من كبار السن هي الاستثمار في تعليم الشباب اليوم، بما فيه التعليم في تلك السلوكيات التي تحافظ على الصحة وتدعم استقرار الزواج. وهناك استراتيجية واضحة أخرى هي الاستثمار في المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية التي تسهل الإنتاجية الاقتصادية والترابط الاجتماعي فيما بين كبار السن. لا أحد يعرف الطريق إلى توفير سبل الحياة لأنّه لا أحد يعرف الاتجاه الصحيح، إذا ما كان هناك مثل هذا الاتجاه. غير أننا نعرف بالتأكيد كثيراً مما يمكننا عمله اليوم لكي نجعل الغد أفضل مما كان يمكن أن يكون عليه إذا لم نضع معرفتنا موضع التطبيق، وكما قال عالم الاقتصاد روبرت كاسين "إن كل شيء تقريباً في حاجة إلى أن يتم إنجازه من وجهة النظر المتعلقة بالسكان لابّد من إنجازه على أيّة حال".   - مفترق الطرق أمام السكان: المشكلة: * سوف يزيد النمو السريع في السكان أعداد البشر بما يقرب من 50 في المائة، من 6.6 بليون الآن إلى 9.1 بليون في العام 2050. وتقريباً فإن كل هذا النمو سوف يحدث في مدن موجودة بالفعل أو مدن جديدة في الدول النامية. وخلال الفترة نفسها، فإن كثيراً من الدول الأكثر غنى سوف ينخفض عدد سكانها. وسوف يوسع انخفاض معدل الخصوبة وزيادة عمر الإنسان في جميع أنحاء العالم من نسبة كبار السن الذين من المحتمل أن يعولهم آخرون.   الخطة: اصنع فطيرة أكبر، وشُوَكا أقل، وأخلاقا أفضل: زد القدرة الإنتاجية للبشر من خلال الاستثمار في التعليم، والصحة، والتكنولوجيا. زد إتاحة الرعاية الصحية الإنجابية ووسائل منع الحمل لكي تبطئ نمو السكان طوعيا. حسن ظروف تجاوب الناس من خلال إصلاح المؤسسات الاقتصادية، والسياسية، والمدنية، والاجتماعية، وإصلاح السياسات والممارسات وتحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية والقانونية. عدد سكان النيجر سوف يزيد بنسبة 258 في المائة بحلول العام 2050.   - سكان العالم في مرحلة انتقالية: سوف يزيد النمو غير المتساوي من تحول توازن السكان بين الدول الغنية والفقيرة. ففي العام 2005 كانت الدول المتطورة تضم 1.2 بليون من سكان العالم الذين يبلغون 6.5 بليون نسمة؛ أمّا الدول الأقل تطوراً فإنها كانت تضم الـ3.5 بليون الأخرى. وفي العام 2050 فإنّ الدول الغنية سوف تظل تضم نحو 1.2 بليون نسمة، ولكن الدول الفقيرة سوف تزداد إلى 7.9 بليون. وسوف تؤدي معدلات الخصوبة الآخذة في الانخفاض ببعض الدول الغنية إلى تناقص سكانها بدءاً من العام 2010 فصاعدا. البنية العمرية للسكان تحدد ملامحها أيضاً الاختلافات في الخصوبة. ففي الدول الأقل تطوراً، حيث يتزايد السكان بسرعة، فإن كل فئة عمرية أكبر من سابقتها، ويشبه السكان هرماً ذا قاعدة عريضة. وفي الدول الأكثر تطوراً، حيث تنخفض الخصوبة، وترتفع نسبة البقاء حتى سن متقدمة، فإنّ الهرم يشبه عاموداً سوف يصبح أثقل من ناحية القمة خلال الخمسة والأربعين عاماً المقبلة. وتمثل الصين والولايات المتحدة استثناءين في فئتيهما: إذ إن سياسة الصين المطبقة منذ فترة طويلة والخاصة بطفل واحد تمنحها بنية سكانية أشبه بتلك الموجودة في الدول المتقدمة، بينما تبقى الهجرة بأعداد كبيرة إلى الولايات المتحدة "أصغر سنا" من معظم الدول المتطورة. وسوف تنخفض الخصوبة أيضاً، في المتوسط، في الدول النامية إلى مستوى إحلال قيمته 2.1 طفل لكل امرأة بحلول العام 2035 تقريباً، على الرغم من أن معدلات المواليد في بعض من أفقر الدول سوف تظل أعلى.   - السكان: تعتمد التوقعات الخاصة بسكان العالم على افتراضات حول اختيارات البشر. ويفترض متوسط التوقع بـ9.1 بليون نسمة في العام 2050 أنّ الخصوبة ستستمر في الاتجاه إلى الانخفاض. وإذا أنجبت النساء، في المتوسط، نصف طفل فقط أكثر مما هو مفترض، فإن عدد السكان في العام 2050 سوف يكون 10.6 بليون. ومع نصف طفل أقل لكل امرأة، فإنّه سيكون 7.7 بليون. ولو ظلت معدلات الخصوبة في العام 2005 ثابتة حتى العام 2050 فإن عدد السكان سيصل إلى 11.7 بليون.   - صعوبة التنبؤ بتأثير الهجرة: للهجرة تأثير مباشر ضئيل على حجم سكان العالم ولكنه يمكن أن يزيد من تباطؤ نمو السكان، إذ إنّ المهاجرين – أو ذريتهم – الذين ينتقلون من مناطق ذات خصوبة عالية إلى مناطق ذات خصوبة منخفضة غالباً ما يتبنون أنماط الخصوبة المنخفضة المتبعة في وطنهم الجديد، مع بعض التراخي في الوقت. وفيما بين العامين 2005 و2050 من المتوقع أن يكون في المناطق الأكثر تطورا نحو 2.2 مليون من المهاجرين من الخارج أكثر من المهاجرين من الداخل سنوياً، ومن المتوقع أن تستقبل الولايات المتحدة نصف عدد هؤلاء البشر. وأكثر من معظم المغايرات الديموغرافية، فإنّ الهجرة الدولية في المستقبل عرضة لاختيارات سياسية عمدية من جانب حكومات قومية، مما يجعل من الصعب التنبؤ بها. وعلى فرض أنّ المستويات الحالية للهجرة سوف تستمر، فإن إجمالي المهاجرين البالغ عددهم 98 مليوناً المتوقع أن ينتقلوا إلى المناطق المتطورة فيما بين العامين 2005 و2050 سوف يعوضون ويزيدون عن النقص المتوقع ومقداره 73 مليون نسمة في تلك الدول من جراء زيادة الوفيات عن المواليد. ولن تؤثر سيناريوهات الهجرة الدولية المختلفة في الارتفاع الحاد في نسبة الدول الغنية من الشيوخ، الذين يعولهم آخرون، المتوقعين في القرن التالي، وذلك على الرغم من أنهم يمكن أن يؤثروا تأثيراً هائلاً في حجم السكان. وفي العام 2000، على سبيل المثال، توقع مكتب تعداد السكان في الولايات المتحدة أعداد البشر في 2050 في ظل مستويات مختلفة من الهجرة. وتراوحت النتائج بين 328 مليوناً تمثل 20 في المائة زيادة في السكان بفرض انعدام الهجرة، و553 مليوناً تمثل 80 في المائة زيادة بفرض أعلى مستويات الهجرة – مع افتراض ارتفاع إجمالي الهجرة السنوية إلى 2.8 مليون بحلول العام 2050، إلا أنّه بغض النظر عن الهجرة، فإن نسبة الشيوخ في الولايات المتحدة إلى الأشخاص في سن العمل سوف ترتفع ارتفاعاً كبيراً بدءاً من العام 2010 حتى حوالي العام 2035 وسوف تزداد تدريجياً بعد ذلك. وبحلول العام 2050 من المتوقع أن تصل إلى 39 في المائة على فرض انعدام الهجرة و30 في المائة على فرض أعلى معدل للهجرة.   - لمزيد من البحث.. كم من البشر يمكن لكوكب الأرض استيعابهم؟ تأليف جويل إ. كويين، 1995. تاريخ موجز لسكان العالم: مقدمة إلى عمليات السكان. الطبعة الثالثة المنقحة. تأليف ماسيو ليفي – باتشي، دار نشر بلاكويل، 2001. الديموغرافيا: قياس عمليات السكان ونمذجتها، تأليف صامويل هـ. برستون، باتريك هوفلاين، وميشيل جيلوت، دار نشر بلاكويل، 2001. موقع قسم السكان بالأمم المتحدة www.un.org/esa/population/unpop.htm مكتب مراجع السكان www.prb.org   ·       جويل إ. كويين (استاداً لعلم السكان ورئيساً لمعمل السكان في جامعة روكفلر وكولومبيا)

ارسال التعليق

Top