يُحتفل باليوم الدولي للاعنف في الثاني من أكتوبر الذي شَرع من سنة 2008م، وهو يوم مولد الزعيم غاندي، فهو زعيم حركة استقلال الهند، ورائد فلسفة وإستراتيجية اللاعنف. فجُعِل هذا اليوم مناسبة لنشر رسالة اللاعنف عن طريق التعليم والتوعية. وكذلك الرغبة في تأمين ثقافة السلام والتسامح والتفاهم واللاعنف. إنّ اللاعنف هو أقوى قوّة في متناول البشرية.. فهو سلاح إنساني بكلّ ما للكلمة من معنى. وكان ولا زال الإسلام الداعي الأوّل لثقافة اللاعنف.. فجوهر الإسلام يرتكز على حقيقة واضحة هي: أنّه دينُ سلامٍ، وإذا تتبَّعنا حياةَ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قبلَ الهجرة وبعدها في مكّة والمدينة، رأينا بوضوح تلك النظرةَ المتكاملة الواقعية الذكية إلى السلام، والمتتبِّعُ لآيات القرآن الكريم يرى بوضوحٍ تعميق تلك النظرة في نفوس المسلمين كجزءٍ من عقيدة سمحة تدعو إلى السلام عن حبٍّ له وثقة به. ويسعى الإسلامُ دائماً في تشريعه إلى أن يعيش الإنسانُ مطمئناً بسلام، لا يُعكِّر صفوَ حياته أيُّ اضطراب أو خلل، باعتباره دين الفطرة الذي تُوافِقُ تشريعاته النفس البشرية السَّوية التي تميلُ إلى السلم، وتسعى إليه وتعمل على استمراره. وتقوم قاعدة الإسلام على حماية الإنسان من الفزع والخوف، والقلق والاضطراب، والحرص على حمايته، والحفاظ على حقوقه المشروعة في الأمن والسكينة والسلام والاطمئنان؛ لذلك كان السلامُ ضرورةً حيّة للفرد والمجتمع كي يستقرّ ويتماسك، ودليلاً يقودُ الإنسان إلى العطاء الحضاري الذي يحافظ على مُقوِّمات الأُمّة من التحدّيات، والتي تتمثَّل في القيم الإسلامية والروحية. لقد غرسَ الإسلام بذرةَ السلام في نفوس الأفراد، السلام الإيجابي الذي يرفع الحياةَ ويرقيها، السلام النابع من التناسق والتوافق المُؤلَّف من الطلاقة والنظام، الناشئ من إطلاق القوى والطاقات الصالحة، ومن تهذيب النزوات والنزعات، لا من الكبت والتنويم والجمود.. السلام الذي يعترفُ للفرد بوجوده ونوازعه وأشواقه، ويعترف في الوقت ذاته بالجماعة ومصالحها وأهدافها، وبالإنسانية وحاجاتها وأشواقها، وبالدِّين والخُلُق والمُثُل، كلّها في توافق واتِّساق.
ومن ثمرات السلام الأُخوّة ونبذ الفِرقة والعنف؛ حيث ركَّز الإسلام على مفهوم الأخوّة، التي يجب أن تشيع في المجتمع الإسلامي؛ فقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات/ 10)، وجعل العقيدة الإسلامية أساساً لهذا الإخاء؛ فقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) (آل عمران/ 103). لذا أوجب الإسلام على كلِّ مسلم التمسُّك بدعائم الأُخوّة الدينية؛ بالتعاون، والإيثار، والتكافل الاجتماعي، وتجنّب كلِّ ما يَحُول دون تطبيق هذه القيم، وما يُسيء إلى العلاقات الفردية والجماعية لتحقيق السلام والأمن. إنّ خطوط المنهج القرآني في بناء الفرد والجماعة لا يتّصل بأي معنى من معاني العدوان أو الإرهاب أو التشدُّد في العقيدة، بل هو في كلِّ سطوره يفيضُ رحمةً ولطفاً وحبّاً وفضيلةً واستقامةً وعدلاً وسلاماً، ذلك الذي هو مطلب لجميع خَلْق الله. إنّ وحدةَ الأُمّة الاسلامية ترعاها في المجتمع الإسلامي فضيلة الرحمة والود والعطف، ويَحمِيها العدل والسلام، والجهر بالحقّ، والاتحاد، ونَبْذ الخلاف، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، ونهى عن التفرقة والاختلاف، فقال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) (آل عمران/ 105).. فهذه القواعد والمبادئ الأخلاقية أتاحت للمسلمين التعارُف والتواصل والاتّحاد، رغم اختلاف أجناسهم، فأصبحوا أُمّةً واحدة تتوافرُ فيها كلُّ صور المساواة والعدل، وانتفتِ الفروق في الحقوق والواجبات، وهذا ما أكّده التاريخ؛ حيث دخلت في الإسلام وفودٌ من مختلف أصناف العرب، يجمعهم إحساس واحد وتوافق في الشعور ووحدة في المبدأ والمصير. ولقد ارتكز هدف الإسلام على تحقيق العدالة في الأرض قاطبةً، وإقامة القسط بين البشر عامّة، العدالة بكلّ أنواعها؛ ممّا يحقّق السلام والأمان في المجتمع، وهذا هو قانون السلام في الإسلام. إنّ فلسفةَ السلام في الإسلام ترتكز على أنّ السلم هو القاعدة والمنظومة الرئيسة التي جعلها الله في الوجود، والحرب ضرورةٌ لتحقيق خير البشرية لا خير أُمّةٍ، ولا خير جنس أو فرد فقط، وإنّما ضرورة لتحقيق المُثل الإنسانية العليا التي جعلها الله غايةً للحياة الدُّنيا، ضرورة لتأمين الناس من الضغط، وتأمينهم من الخوف أو الظلم، وتأمينهم من الضرِّ ضرورة هامّة لتحقيق العدل المطلق في الأرض فتصبح إذاً كلمةُ الله هي العليا.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق