• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حياة الإمام (ع).. هدف ورسالة

عمار كاظم

حياة الإمام (ع).. هدف ورسالة

إنّ الإمام الحسين (ع) كان يعيش الرسالة كإمام للرسالة وكمسلم أيضاً، ويعتبر أنّ الرسالة تمثل رضا الله سبحانه وتعالى، وأنّ رضا الله فوق كلّ شيء، لذلك كان يعيش أزمة نفسية لا شخصية بل رسالية، ولذا عبّر عنها بقوله: "ليرغب المؤمن في لقاء ربّه حقاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برما"، فهو لا يريد أن يعبّر عن حالة يأس، ولكنه يريد أن يعبّر عن حالة رفض، وأنّ الموت في خطّ الجهاد يعتبر سعادة لأنّ الإنسان يؤكّد رسالته ويؤكّد انتماءه وموقفه وعبوديته لربّه، أما الحياة مع الظالمين دون أن يواجههم ودون أن يقوم بأي عمل فإنّها تمثل الحياة التي برم بها الإنسان بمعنى أنّه لا يشعر فيها بالحيوية ولا يشعر فيها بالحياة. لذلك كان الإمام الحسين (ع) يركّز على هذا الجوّ من خلال تصوير المسألة في جانبها النفسي بالإضافة إلى الجانب الموضوعي "ألا ترون أنّ الحقّ لا يعمل به وأنّ الباطل لا يتناهى عنه" ثمّ يقول: "ليرغب المؤمن في لقاء ربّه حقاً، فإني لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برما".

وهكذا نجد أنّ الحسين (ع) وهو يتحرك كان يريد أن يعمّق الرسالة في نفوس كلّ الذين ينطلق معهم، فعندما كان يقف مع معسكر ابن سعد كان يعظهم بين وقت وآخر، وكان يحاول أن يضعهم في أجواء روحانية وعظية تنقلهم إلى الآخرة وتجعلهم في مواجهة حقارة الدنيا، ففي غداة يوم عاشوراء خاطبهم بقوله: "عباد الله اتقوا الله وكونوا من الدنيا على حذر، فإنّ الدنيا لو بقيت لأحد أو بقي عليها أحد كانت الأنبياء أحق بالبقاء وأولى بالرضا وأرضى بالبقاء، غير أنّ الله خلق الدنيا للبلاء وخلق أهلها للفناء فجديدها بالٍ ونعيمها مضمحلّ وسرورها مكفهرّ والمنزل بلغة والدار قلعة، فتزوّدوا خير الزاد التقوى فاتقوا الله لعلّكم تفلحون".

فلو كانت المسألة عند الحسين (ع) مجرد مسألة سياسية لكان تحدّث معهم بلغة سياسية في حين نراه يتحدث معهم بلغة قرآنية وبلغة وعظية لأنّ الحسين (ع) كان يعرف أنّ مشكلة المجتمع الإسلامي آنذاك، كما هي مشكلة المجتمع الإسلامي في كثير من المراحل، هي أنّ الناس قد أغلقت قلوبهم عن الله سبحانه وتعالى، وانّهم لا يفكرون بالآخرة وإنما يستغرقون في الدنيا، ولذلك عندما ندرس الكثير من كلمات الإمام الحسين (ع) في مسيرته من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى كربلاء نرى أنّ كلّ أحاديثه وعظية تفتح القلب وتفتح الروح، لأنّه كان يريد أن ينتج مجتمعاً إسلامياً، صحيح أنّ الحسين (ع) كان يطلب أن يكون هو الذي يحكم، لكنه لم يكن ليطلب الحكم لذاته بل لرسالته ليغيّر الواقع من خلال تجربة الحكم.

ولذلك لابدّ لنا أن نقرأ الحسين (ع) رسالة شاملة، فلا تقرأوه في السياسة وحدها، ولا تقرأوه في المأساة وحدها، ولا تقرأوه في الكثير مما يتعارفه الناس، بل اقرأوا الحسين (ع) كما تقرأون رسول الله (ص)، مع الفارق طبعاً، لأنّ رسول الله (ص) قال: "حسين مني وأنا من حسين"، فهذا الاندماج بين الرسول وبين الحسين لم يكن اندماجاً نسبياً، بل كان اندماجاً رسالياً لأنّ الحسين قد تحوّل إلى تجسيد لرسالة رسول الله (ص) ورسول الله هو التجسيد الحي للرسالة، لذلك فإنّ هناك رسالة اندمجت في رسالة، فالحسين منه باعتبار أنّ الحسين (ع) انطلق من رسالة رسول الله (ص) في وجوده الرسالي "وأنا من حسين" لأنّ رسول الله (ص) من الرسالة التي تجسدت بالحسين في مرحلته، وهكذا يجب أن نفهم المسألة.

علينا أن نبقي الحسين (ع) في عقولنا في الدائرة الإسلامية الواسعة وإذا كانت الدائرة الإسلامية الواسعة تنفتح على الدائرة الإنسانية الواسعة فلأنّ الإسلام منفتح على الإنسانية كلّها، وعند ذلك فإنّ الحسين (ع) لا يعيش في الجوّ الشيعي فقط ولكنه ينفتح على الجوّ الإسلامي كلّه وعلى الجوّ الإنساني كلّه. إنّ الإنسان عندما يقف أمام المأساة لا يملك إلّا أن تنفجر دموعه ويحترق قلبه من خلال العناصر الحزينة، لذلك نريد لعاشوراء أن تبقى إسلامية بكلّ رحابة الإسلام وبكلّ حركية الإسلام وبكلّ عمق الإسلام وبكلّ وحدة الإسلام، لأنّ قضية الوحدة الإسلامية هي أن نتحد بالإسلام حتى لو اختلفنا في فهم الإسلام هنا وهناك، لأنّ الله تعالى قال لنا: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (النساء/ 59).

ارسال التعليق

Top