لقد بات من الواضح ما للحضارة الحديثة والتي نسميها بالحضارة المتطوّرة من أثر في تغيير مجرى الحياة في أغلب الدول التي غزتها هذه الحضارة الغربية المحتلة لهذه الدول، فهي لم تكتف باحتلال الأرض حتى أرادت أن تحتل النفوس، وتفرض هيمنتها على كل شيء، وكدنا من كثرة إنشغالنا ببهارجها وزخارفها ان ننسى رصيدنا الهائل من ثقافتنا الأصيلة، رحنا نستورد ما لديهم من الهبوط الثقافي بأيدينا نحن المسلمون، وأصبحنا كسوق يتاجر به الغربيون ويصدرون لنا ما هو بعيد عن أسلافنا متناسين المساوئ التي تغلغلت فينا وأصبحت جزءاً من كياننا ولا يمكننا رفضها، وبين هذا وذاك ما نلاحظه من هجرة القراءة والكتب الإسلامية وتركنا للمطالعة المفيدة والنافعة التي تعيد لنا الحياة من جديد، وتبعث في نفوسنا الإرادة والعزم على تحمل المسؤولية، ومقاومة التيارات المنحرفة بعزيمة ثابتة، وايمان راسخ في القلوب، ومحاربة الجهل السائد بين صفوفنا، فظلت المكتبات زاخرة بالكتب الثمينة القيمة يعلوها الغبار تحتاج إلى من يرفعها من مكانها، ويتصفح أوراقها المليئة بالدرر المنقولة، والروايات التي صدرت من حجج الله على الأرض لتعطر بها أسماعنا ونتداولها على الأقل مداولة جهاز التلفاز من قناة إلى أخرى كأي جهاز آخر لا نجني منه غير تضييع الوقت، في حين أنّ الوقت أثمن ما في الوجود كما قال سيد البلغاء (انتهزوا فرص الخير فإنها تمر مر السحاب)، ونحن اليوم نعيش البعد الحقيقي عن تراثنا القرآني بما تحمله الكلمة من معنى. ابتعدنا عن القراءة والتي تزيدنا معرفة تسمو بها النفس الإنسانية ورفعة تكاملية في مختلف الصفوف والعلوم التي دأب علماؤنا وأدباؤنا على إعدادها، وصرفوا الجهد الشاق في تأليفها، فقد كان العلماء الرساليون من شدة حرصهم وولعهم بالثقافة إذا أراد أحدهم السفر على دابته من منطقة إلى أخرى لأي غرض كان لا ينسى مهمته الكتابية، ورسالته التبليغية، وهكذا مع بقية الكتب التي تحاكي العقل والروح لتصل إلينا ونعمل على حفظها وصيانتها من الانتهازيين الذين يتاجرون باسم الدين، وشبابنا اليوم أصبح لا يعرف معنى للقراءة الهادفة المثمرة التي تنير له دربه في هذه المنعطفات الوعرة التي زودتنا بها ثقافة اليوم التي ادعت التحرر والرفعة والانطلاق إلى حياة ناهضة سعيدة، فراح يبحث بحكم ما يسمعه ويشاهد من برامج هزيلة ان لم نقل فاسدة، فهو ينقب عن كتب لا تثمر ولا تغني، فراح يبحث الآن على كتب تفسير الأحلام، وكتب الأبراج والأوراد، ولسنا ضد الدعاء والتوجه إلى الله في قضاء حوائجنا، وانما نريد أن ننبه شبابنا الذي هجر القراءة الا قليلاً منهم وأصبح يبحث عن مواقع لا تغنيه في الإنترنت وفي المجلات وما إلى ذلك. لقد دعانا القرآن إلى القراءة والمطالعة وأمر رسوله بالقراءة والتذكير وقال عزّ من قائل: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر/ 9(. انّ العلم الحقيقي الذي ينجينا هو ذلك العلم الذي يوصلنا إلى الله تعالى وان ما يلاقيه الفرد في سبيل ذلك من تحديات وضغوط وصعوبات هو أمر هيّن مقابل ما يحصل عليه من أرباح مهمة ثمينة. فتجعل من هذا الإنسان إنساناً سوياً بمعنى الكلمة، إنساناً يباهي به الله ملائكته لأنّه يعلم، أوليس الله سبحانه قد اسجد الملائكة لآدم بعد أن علمه الأسماء. وعندما اعترضوا قال إني أعلم عن هذا الإنسان مالا تعلمون فما الذي رفع آدم وجعل الملائكة تسجد له غير العلم والمعرفة الحقيقية؟ وهي معرفة الله وعبادته الحقة ولا تأتي العبادة الحقة الا عن طريق المعرفة الحقيقية لهذا الكائن، قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (تعلموا العلم فإن تعلمه حسنة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وهو أنيس في الوحشة، وصاحب في الوحدة وسلاح على الأعداء). - البصرة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق