• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

دور الثقافة في تطوير المجتمع وتوجيهه

إسحاق الشيخ يعقوب

دور الثقافة في تطوير المجتمع وتوجيهه
◄تتميّز الثقافة بخصوصية خطورة دورها في تحريك وتوجيه وتطوير المجتمع.. فهي الرافعة الرافدة والمحركة والموجهة والمنظمة لإنتاج وإعادة إنتاج الحياة المادية والفكرية في المجتمع على طريق التنمية البشرية.. وخطورتها تكمن في استخدام تحريكها وتوجيهها وتنظيمها على الطريق الصحيح في توجهها الثقافي الإنساني العام.. فالثقافة تكوين إنساني تنويري يتجدد ويُجدد الحياة في أبعاد التعدد والتنوع والتلوّن الإنساني.. وهي المطاف الأوسع والأشمل والأعمق في التاريخ لتراث البشرية.. وإرثها الشرعي على وجه الأرض!! وتكمن خطورة الثقافة في كونها إرثاً بشرياً مشاعاً للجميع.. وهي في هذا المجال الأكثر تناولاً واستثماراً واستغلالاً للطبقات والفئات وشرائح المجتمع التي تتسيّد الحياة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد ارتبطت الثقافة كإنتاج فكري وإبداعي بمراحل انتقال المجتمعات والحضارات من العبودية والإقطاعية والرأسمالية والاشتراكية وكانت ولا تزال تشكِّل خصوصية في جوهرها الإنساني وفي حركتها التنويرية والإبداعية!! ورغم المحاولات الطبقية في الأنظمة المتعاقبة في الحياة ضمن حركة التطور في خنق الثقافة في قوالب أنظمة إجتماعية وهواجس طبقية وظلامية ودينية متطرفة ودكتاتورية وفاشية.. إلا أنّ الشحنات الإنسانية في صيرورة التكوينات الثقافية والملكات الإبداعية الشاخصة إلى واقع التمرد والخروج على نصوص التخلُّف والظلام في الأنظمة الاجتماعية تشكل تناصاً ثقافياً مناهضاً لسائد نمطية النصوص الثقافية ذات التوجهات المحافظة.. ولم يعرف التاريخ ثقافة ثابتة النصيّة في نمطيتها.. من واقع أنها حراك أمواج فكرية وإبداعية تتلاطم على صخور التاريخ فيذهب زبدها الثقافي جفاء ويبقى ما ينفع الناس!! ومنذ أزل التكوين الثقافي كانت الثقافة واقع خشية وخوف ومداهنة وحذر وترهيب وترغيب من الطغاة والأباطرة والمتجبرين الذين يحكمون شعوبهم بالحديد والنار من واقع أنّ الثقافة في جوهرها الإنساني متنفس فكري وأيديولوجي إلى جانب الضعفاء والمهمشين.. ونصير أمل واستجلاء وعي خلاصهم.. وقد عرفت مجتمعاتنا ثقافة – الإرهاب.. وثقافة – الدولار.. وثقافة – الظلام.. وثقافة – التطرُّف.. وثقافة – التفكير والإقصاء.. وكان الضّخ الثقافي الملتبس كثيفاً وظلامياً ومُعمقاً في النفوس وفي العقول وفي الطفولة وفي المساجد ودور العبادة وفي المدارس والجامعات وفي الصحف والكتب ودور النشر والمكتبات والفضائيات وفي بعض المنتديات والمراكز الثقافية والطائفية.. حتى أصبح مثقف الظلام والدولار سيد الموقف الثقافي وأصبح الظلام يزحف.. ويزحف دون مقاومة ليأتي على آخر بقعة بصيص نور في ذاكرة مثقف منزوٍ يقضم أظفاره على طريق طارئ الثقافة وهامشها!!

 ولا يمكن الحديث عن الثقافة دون توشيجها بالمثقفين الذين هم بُناتها وحماتها ومفجرو قِيمها الإبداعية ورافعوا أعلامها الإنسانية.. وكما أنّ الثقافة التنويرية تُجابه بثقافة العدمية والتخلُّف والإرهاب.. فإنّ المثقف التنويري يُجابه بثقافة العدمية والتخلُّف والإرهاب في طول وعرض مجتمعاتنا العربية!!

وفي مقارنة ميدانية أولية بين نشاط المثقف التنويري والمثقف الظلامي ينحسر المثقف التنويري إلى نسبة تافهة معيبة تنذر بأبعاد ثقافة خطيرة في الميادين الفكرية والإبداعية.. وفي هذا الميدان يأخذ المثقف العربي التنويري أكان كاتباً أو صحفياً ناشطاً اجتماعياً أو أديباً أو فناناً أو مسرحياً أو شاعراً مكاناً بائساً ومتدنياً إذا قِيس بنشاط مثقف الإقصاء والظلام والإرهاب!! وفي ملاحقة ميدانية لملاحق الجرائد الثقافية وأنشطتها الأدبية والفنية تأخذ عدمية الرؤى الثقافية وسرياليتها الذاتية حيزاً يؤرق عتمة الشأن الإبداعي الثقافي ويقيده بأغلال السياسة والعدمية ونرجسيّة الذات التي تُقصيه تماماً عن مسؤوليته الثقافية الإبداعية وأبعادها الإنسانية حتى إن بعض المثقفين "التنويريين" تُطوّح بهم الذاكرة الثقافية تجاه ممارسات قانون أمن الدولة سيئ الصيت ولا يستطيعون أن يُفرِّقوا بين ثقافة ما قبل وما بعد قانون أمن الدولة.. وكأن فتح مشروع الإصلاح الثقافي في الحريات العامة والديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة لم يُحرِّك شيئاً من مياه وجدانيتهم الثقافية الملتبسة في ركودها!! الثقافة إلى جانب أنها إنتاج جميل ما يُبدعه الإنسان المثقف.. هي في الوقت نفسه عرفان وإقرار بجميل من يرفع من شأنها ويصون كرامتها في الحرية والديمقراطية والتعددية ويأخذ بيدها ويعيد ذاكرة روّادها ومبدعيها إلى الحياة والذي يُنكر ذلك لا يستحق أن ينتمي إلى إنسانية الثقافة وأبعاد مسؤوليتها في المجتمع.. وعندما تختلط الثقافة الإنسانية بثقافة عدميّة وبربرية الذات ترتكس وتنثال في ظلام الموت والعدم.. من واقع أنها معين تنوع وتعدد وأحلام وآمال وطموحات انفتاح وتضامن وتجاسد إنساني في العقول والأرواح بين الشعوب والأُمم!!

إنّ شرّ ما يؤرق الثقافة هو شخصنتها والاستئثار بذاتيتها في عدمية التحذلق السياسي والأيديولوجي وفي الارتزاق على شواطئ الغموض والإبهام اللغويين.. وخلط ذاكرة أوراقها الإنسانية التنويرية الإبداعية في ذاكرة العدمية والإرهاب والتخريب وحرق إطارات السيارات والاعتداء على أملاك الدولة العامة.. وحتى هذه اللحظات لم يضطلع المثقف العربي بنصوص تنويريّة واعدة تُدين الإرهاب والتطرُّف بالرغم من صولات وجولات مثقف الإقصاء والإرهاب في طول الساحة الثقافية وعرضها، وبالرغم من أن نصوص الإقصاء والإرهاب والتفكير هي من أكثر وأشد وأخطر النصوص الثقافية الظلامية التي تستهدف بالدرجة الأولى قلب الثقافة النابض بنور الإنسانيّة والإبداع.. وقد بلغ اللّغط الثقافي بأحد الملاحق الثقافية في تدبيج صورة تشكيلية في صدر الملحق تُشير إلى قبضة يد تقبض على قنبلة يدويّة تتهيأ لإرهاب "الشهادة" باسم الثقافة.. هكذا تُدرج الثقافة من قوى تعنى بالثقافة إلى عدمية وعي الإرهاب والتطرف والتخريب وفي اتجاه عدمي مُبتذل لحقيقة الثقافة التي ترتكز في الأساس على مبادئ التآخي والتسامح والتناصح والتفاهم والتضامن التنويري الإبداعي الإنساني ونبذ الأحقاد العرقية والقومية والطائفية والمذهبية والحرب والاقتتال.. وتكريس الأمن والمحبة والتفاهم والإلفة بين الشعوب على الأرض.►

إقرأ المزيد:-

 المثقفون والتفاهم الثقافي

المصدر: كتاب في الثقافة والنقد

ارسال التعليق

Top