• ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

رضا الضمير...

باسل شيخو

رضا الضمير...

◄كنت تلميذاً بالمدرسة الثانوية.. وكنت معتزّاً أشد الاعتزاز بمعلوماتي في اللغة العربية.. وألقى علينا أستاذ هذه اللغة يوماً سؤالاً أجاب عليه أحد زملائي إجابة استرحت إليها موقناً بصحتها. ولشد ما كانت دهشتي حين ذكر الأستاذ أن زميلي أخطأ، وحين صحح هذا الخطأ، عند ذلك أيقنت بأنا يجب أن لا نبالغ في الاطمئنان إلى كلّ معلوماتنا، وأنّه يجب علينا أن نراجع أنفسنا ما بين حين وحين، لنستوثق من هذه المعلومات حتى لا يدفعنا الخطأ في بعضها إلى التورط من بعد في أخطاء أخرى.

وحينما كنت أدرس الحقوق، كنت قوي الذاكرة، فلا أحتاج إلى تلاوة الموضوع الذي أدرسه أكثر من مرتين لينقش في ذهني.. وإني لأناقش أحد زملائي الطلبة يوماً وأدعم حجتي بنص حفظته، إذ أشار هو إلى نصّ آخر لم يغب عني حين سمعته، ولكني لم أفكر من قبل التقريب بين النصين ومقارنتهما.

ومن يومئذ أيقنت أنّ الاعتماد على الذاكرة وحدها، وبخاصة في الشؤون العلمية، لا يكفي لكشف الحقيقة كاملة.. بل يجب أن يهضم الفكر ما تعيه الذاكرة ليخلف منه مجموعة وثيقة لا تنافر بين أجزائها كي يتسنى لإدراكنا أن يتمثلها فتصبح جزءاً من محصولنا العقلي قائماً بذاته، وله من ثمّ أثره في توجيه أحكامنا توجيهاً سليماً.

فلما أتممت دراستي، ومارست شؤون الحياة.. رأيت الكثير مما يقع فيها يخالف ما تعلمته من مبادئ وقواعد وقوانين.. ورأيت كثيرين ينجحون، ويرجع سبب نجاحهم الظاهر إلى مخالفة هذه المبادئ والقواعد والقوانين.. لكني تبينت بعد سنين قليلة أنّ النجاح بمخالفة قواعد الخلق ومبادئ القانون، يعرض صاحبه لمتاعب جمّة، وقد يهدم حياته من أساسها، وأنّ التشبث بما نؤمن أنّه الحقّ، والدفاع عنه دفاعاً صادقاً، وسلوك سبيلنا في الحياة على هداه.. ذلك هو الذي يرضي ضميرنا ويبعث الطمأنينة إلى نفوسنا. ورضا الضمير وطمأنينة النفس مفتاح السعادة وعمادها المتين.

وكثيراً ما شعرت بأنّ السبب في طول الانتظار وقوعنا في خطأ من غير قصد، كما أخطأ زميلي ونحن بالمدرسة الثانوية حين ألقى الأستاذ في اللغة العربية، أو أنّ السبب يرجع إلى إغفالنا جانباً من الحقيقة كما حدث لي أثناء مناقشة صاحبي وأنا أدرس الحقوق.. على أنّ الكبرياء لم تدفعني يوماً إلى التورط في الخطأ، بل كنت أعود دائماً إلى الحقّ لكيلا يزيد الشطط في طول انتظاري، مع اقتناعي الثابت بأنّ الصبر مع صدق الإرادة وحسن القصد كفيل بدرك الغاية التي أقصد إليها.

ونحن مدركون هذه الغاية ما كان هدفنا هو الحقّ، وهو الخير العام.. ولا سبيل للخير العام إلا من طريق الحقّ.. والحقّ والخير العام يقتضياننا إنكار الذات مع الثقة بالنفس، والثقة المطلقة في نفس الوقت بالله جلّ شأنه.. فالله هو الحقّ، والحقّ سبيلنا إليه.. ورضا الضمير وسيلتنا إلى رضا الله.. والضمير لا يرضى إلا عن الخير، وعن الحقّ.

وصدق الله العظيم: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر/ 1-3).►

 

المصدر: كتاب تجارب وخبرات قد تغيِّر مسار حساتك

ارسال التعليق

Top