د. عدنان علي
رمضان أقبل! لم تهفو إلى **** لُقياك أحْناءٌ تَحِنُّ وتُشفِقُ
وتظلُّ أفئدةٌ تهيجُ لكي ترى **** في الأفق يَطلعُ نورك المتدفقُ
ترنو لمطلعِكَ العيونُ! حنينُها **** أمل وشوق بين ذلك يخفق
غلَبَ الأسى فينا وهاجَت أَضلعٌ **** بالذكريات وغابَ صُبحٌ مُشرقُ
رمضانُ أقبِل! فالقلوب كليمةٌ **** والنفسُ بين أنينها تتمزّقُ
انظر إلى الساحات! هل تلقى سوى **** جُثث مكوَّمة وطرفٍ يُطرقُ
وهزائم تلو الهزائم! والقوا **** رِع والأسى موجٌ يَثور ويُحْدِقُ
وزلازل ملءَ الدّيار كأنّها **** نُذُرٌ تشُدُّ على القلوب وتُطبِقُ
والناس! ويحَ الناس في غَمَراتِهِم **** لهوٌ يُخدّرُهم وذُلٌّ يَطرَقُ
وتُسدُّ أبوابُ المسالِكِ دونَهم **** قَدراً بما كسبوا وقهراً يَصعَقُ
*****
رمضانُ! أحي الذكريات لعلَّنا **** يوماً نُفيق بها ويوماً نَسبقُ
اقبِل ببَدر! والزحوف غنيّةً **** لله تصفو في الجهاد وَتَصْدُقُ
وأعدْ لنا ذكرى الميادين التي **** خَفَقَتْ وجالَ بها الكماةُ السُّبَّقُ
وأعد لنا ذكرى الملاحِم رفرَفَت **** راياتُها نصراً يُعزُّ ويخفِقُ
كلُّ المواقع لم تزل ذِكرى لنا **** بِدَم يفوحُ المِسْكُ منه ويَعْبقُ
رمضان! ويحي! كيف نلقاهُ وقد **** غلب الهوانُ بنا وغابَ المَنطِقُ
*****
رمضانُ أقبِل! ذكريات النّصر لا **** تُمْحى! يُعيدُك مغربٌ أو مَشرقُ
قد كنتَ يا رمضانُ شهر إباءة **** عِزّاً أجلَّ ورايةً لك تسمُقُ
قد كنتَ شهرَ ملاحم ممتَدّة **** حقّاً يجولُ وآيةً لا تَخْلَق
قَد كنتَ تشهَدُ أُمّةً موصولة **** صفّاً تُجَمِّعُهُ العُرا والموثِقُ
واليوم قَد غلبَ الصّراعُ فَمُزِّقوا **** إرباً على أهوائهم وتفرّقوا
أُغضي حَياءً إن بَدَتْ إطلالةٌ **** منه ونحنُ بنا الهوانُ المُزهِقُ
*****
الدار! يا للدار! كانت ساحةً **** يُجلى بها مغنىً ورَوْضٌ مونِقُ
أنّى التفتَّ زُهورُها فوّاحةٌ **** عَبَقاً ومِسْكٌ في الدّيار يُفَتَّقُ
وتُمَدُّ أغصانٌ يَفيضُ عطاؤها **** نُعمى تطيبُ وكلُّ غصنٍ مورقُ
واليومَ قد ذَبُلَتْ أزاهرنا وَجَفّـ **** ـت في الدّيار وغاض نبعٌ ريّقُ
قد كنتَ يا رَمضان تُشْرق في ربى **** الأقصى هُدىً أغنى وحقّاً يَنطقُ
واليومَ يمرَحُ في مرابعه اليهو **** دُ وحولَه صَمْتٌ هنالك مُطبقُ
رِجْسٌ يَسودُ على الديار وفتنةٌ **** تعلو وسُلطانٌ يُذِلُّ ويَخنُقُ
المسجدُ الأقصى! وطال إسارُهُ **** وأنينُه وحنينُه وتشوُّقُ
ويكاد يصرَخُ ثمّ تُطوَى صيحَةٌ **** بين الصجيج وكلُّ دَرْبٍ مُغلَقُ
*****
رمضان أقبل! كَي تُعيد لنا جَلا **** لَ شَهادةِ التَّوحيد نُوراً يُشرقُ
لِتَضُمَّ آفاق الدّيار إذا نأت **** ودَنَتْ وطابَ جَمالُها المُتألّقُ
واليوم تُقبلُ الدّيارُ كأنّها **** قِطَعٌ تناثَرُ في الفضاء وتُطلَقُ
ويكادُ يَصْرَعُني الأسى خجلاً لِما **** نَلقى! أميلُ! أردُّ طرفي! أُطرِقُ
انظُر إلى أُمم هناك تهيَّأت **** لك! قد أعدَّت كلَّ ما يتحقّق
جمعوا أطاييب الطعام وأسرفوا **** ومَضوا إلى لهوٍ يضجّ ويُحْدق
يُحيُون لَيْلَهُم بأفنانِ الهوى **** وإلى دواعي "الفنّ" حشدٌ أسبَقُ
ومعَ النهار هُمُ الغفاةُ النائمو **** نَ وحَولَهمْ زَحْفُ العُداةِ المُطبقُ
أين الذين مَضوا إذا جئتَهم **** هبَوا لملحمة تدورُ وصدَّقوا
يحيون لَيْلَهُمُ بآيات الهُدى **** ومع النهار هم الأُباة السُّبَّقُ
*****
قد كنت تُشرقُ في ربي الإسلام يَجْـ **** ـمَعُها الهدى ساحاً تجودُ وتُغْدقُ
واليوم مُزّقَتِ الدّيارُ وقُطّعَتْ **** تلك الحبال وغاب عنها الرونَقُ
أنّى التفتَّ اليوم تَلْقى أدمُعاً **** حَرّى تُصَبُّ على دمٍ يتدفّقُ
تَلقَى الثَّكالى واليتَامى والأسى **** فَوْقَ الوُجوهِ تَغيبُ فيه وتُرْهَقُ
وترى المجازرَ والعدا يتواثبوا **** ن على الدّيار وكلُّ وثْبٍ موبقُ
وترى بني الإسلام يَقتُل بعضهم **** بعضاً ويُمعِنُ في العِداءِ ويُغرقُ
وتَرَى عدوَّ المُسلمين مَهَيْمِناً **** يُلقي بأحْمالِ الهلاك ويُطلقُ
مُتَربّصاً! متسلّلاً! فُتحت له **** جُل الثُّغور فجال فيها الفيلقُ
وتراهُ صفّاًواحداً مُتماسكاً **** والمسلمون مَع الهَوان تفرَّقوا
رمضان أقبِل! وامسحَنَّ من الأسى **** وأعِدْ لنا الأمَلَ الذي يتألَّق
واغسل قلوب المسلمين وضع بها **** أملاً به تحيا القلوبُ وتخفقُ
ارسال التعليق