• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

سرك ليس في بئر/ ج(1)

د. فوزية الدريع

سرك ليس في بئر/ ج(1)
 السر الخاص جدّاً، أو العائلي، مسألة غاية في الحساسية والخطورة. فكلنا نملك أسراراً، وكلنا نريد لأسرارنا أن تبقى في الصون والأمان. ولكننا نتمنى أن تكون أسرارنا قيد قلوبنا وصدورنا. لكن هذه الأماني لا تتحقق دائماً. فقلما يوجد سر يذهب معك إلى القبر، وقلما يوجد إنسان يستطيع الاحتفاظ بسره، وكأنّ الأسرار وحش محبوس، يريد وبكل طريقة أن يخرج منا ليكون خارج الصدر، لأنّه ثقيل ومؤلم. لكن، بكل أسف، بعضنا، يعتقد أنّه يمكن أن يخبئ سره عند غيره. لكن.. كيف لك ذلك وأنت لم تستطع أن تخبئ سرك بصدرك؟ ولعل أعظم قول سمعته بهذا الخصوص هو: "إذا ضاق سرك في صدرك، فكيف لا تتوقع أن يضيق بصدر غيرك؟". إن سبب عدم قدرة الإنسان على كتم سر يجعل الإنسان في حالة نفسية مضطربة، بل إنّ الاحتفاظ بالسر قد يدخل الإنسان، بسبب قوة التوتر، إلى اضطرابات جادة مثل الإدمان. ولعل قوى تأثير الأسرار تجعلنا نقول إنّ البوح ضرورة. لكن السؤال المهم: لمن تبوح بأسرارك؟ ومتى تبوح بها؟ من الأمور الطريفة أن كثيرين يتعرضون للتدمير بسبب سر قاموا بالبوح به. ولعلنا كمشاهدين للأفلام نجد أن معظم المجرمين يتم القبض عليهم لأنّهم قالوا أسرارهم لشخص ما، أفشى أسرارهم في ما بعد. ولعل نزعة البوح الشديدة هي التي جعلت البعض يطلق على هذا الأمر اسم "هاجس" أو "وسواس البوح". معظم الأسرار هي أسرار لأن ظهورها يؤذينا أو يؤذي من هو قريب منا أو يشوه صورته. وصورة الإنسان مهمة في عيون الآخرين. فإنّه يخبئ الأمور التي تشوه هذه الصورة. إنّ ظهورنا متصنعين على غير حقيقتنا، بفعل تخبئة أسرارنا، هي حالة كذب. والكذب له أعراض بدنية تكشفه، مثل: التعرق، جفاف الحلق، زيادة في ضربات القلب، ارتفاع ضغط الدم، زيادة في سرعة التنفس. إنّ العقل الباطن يقول لنا: أنتم لستم بخير إذا خبأتم الأسرار. ولعل الأمر هنا لا يقف عند ذلك، بل إنّ العقل الباطن يجعل الأسرار تزورنا في الأحلام، فيظهر ما نخبئه في أحلامنا على شكل رموز. الجسم يعلم أنّ هذه التخبئة ألم. وأمامه حلان: إما أن يُخرج الألم أو يتأثر ويتضرر به لذلك، فإن كثيراً من اضطرابات الإدمان، لو بحثنا في جذورها، نجدها نابعة من أسرار مظلمة، ويحاول صاحبها أن يخبئها. إنّ كثيراً من الأسرار لا حاجة إلى أن نبوح بها ونتكلم عنها، أي أنها أسرار نستطيع أن نتعايش معها. مثل: وجود حرامي في العائلة يمثل خطراً، الإصابة بمرض خطير، التعرض لتحرش جنسي. إنّ الإنسان يخبئ أسراره لأسباب عديدة، منها: حماية شخص ما، أو حماية نفسه من نتائج مؤلمة لو ظهر السر، إحساس العار الداخلي، الخوف من أن يغضب أحد ما لو ظهر السر، إحساس العار من هول ما فعل الشخص.. إلخ. إنّ الإنسان قد يمارس عزلة بفعل أسراره، وقد يتدمر، لكن ذلك ليس حلاً. لكن، وكما قلنا، البوح حاجة. ولعل أوّل شخص يجب أن نواجه ونقول له أسرارنا هو ذاتنا ولعل. من المفيد أن يأخذ المرء ورقة وقلماً أو دفتراً، ويعترف لذاته بأنّه سرق أو اشتهى شيئاً محرماً، أو تم الاعتداء عليه. فهذا البوح قد يريح. لكن بعض الأسرار راحتها أكبر لو تم إخبار أحد بها، ربما لأن هناك عدالة سوف تحصل. أحياناً، ربما لا نحتاج عدالة، ولكننا نحتاج راحة، وعلينا أن نخبر شخصاً واحداً بما فينا وما يحصل، وبعد ذلك نرتاح، على أن يكون اختيار هذا الشخص قائماً على ثقة عالية بأن يخبئ السر. ومن الأشخاص المناسبين للبوح بالسر لهم: رجل الدين، المعالج النفسي، أو صديق يمكن الوثوق به.

ارسال التعليق

Top