• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

شمول الإسلام لكل مظاهر الحياة

د. محمد يوسف موسى

شمول الإسلام لكل مظاهر الحياة

◄الحياة سعي وعمل وكفاح وجهاد في سبيل العيش الكريم، والحق والبر، للفرد والمجتمع على السواء، بل للإنسانية عامة، هكذا شأن الحياة، أو على الأقل هكذا ينبغي أن يكون شأنها؛ فإنّ الحركة في رأينا هي الأمارة الصادقة على الحياة، كما أنّ السكون عن العمل هو من أمارات الموت.
والدين الإسلامي، وهو خاتم الأديان الإلهية، جاء مصدِّقاً لذلك كلّه، فهو يُعنى أشدَّ العناية بشؤون الدنيا وشؤون الآخرة معاً، ففي القول المأثور: "اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً"، ولذلك نراه لا يأمر مُتّبعيه باطّراح الحياة الدنيا، بل يحثّهم على العمل والعمل دائماً، وعلى الإفادة من الأرض، وما فوقها وما تحتها، ومن سائر ما خلق الله وسخَّره للإنسان.
ومن الجهل أن يظن ظانّ أنّ الدين الحق لا يُعنى بهذه الحياة، ويراها عَبَثاً ولَعِباً ولهواً أو شيئاً لا طائل وراءه، وذلك حين يسمع مثلاً قوله تعالى: (فما متاع الدنيا في الآخرة إلا قليل)، وقوله: (اعلموا أنّما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخرٌ بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجَبَ الكفار نباتُه ثمّ يهيج فتراه مُصفرّاً ثمّ يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).
إنّ هذا الظن ليس إلا جهلاً بالقرآن، أو تحريفاً له عن مواضعه، ولم يفهم هذا الفهم للإسلام وكتابه المقدّس إلا بعض الجماعات الإسلامية في تلكم الأيام الخالية، بدافع من الكسل والخمول واستمراءِ الراحة من عناء العمل، متجاهلين، أو جاهلين، إنّ الإسلام هو دين العمل والكفاح، وأنّ رجالاته عمِلوا جهدهم حتى دان لهم العالم كله، وحتى كان قولهم هو القول الفصل، وحكمُهم هو الحكمَ العدل، فيما كان الناس منه في أمرمريج.
إنّ الحياة تشغَل جانباً كبيراً من الدين الإسلامي وأصليه المقدّسين العظيمين: القرآن والسنّة، وإنّ العمل في هذه الحياة لتوجيهها الوجهة الطيِّبة الصالحة مقصد من مقاصد الإسلام العظيمة، وإنّ الإسلام ليس عقيدة فقط، بل هو عقيدة وعمل.
وإنّ القرآن ليقول: (اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله)، ويأمرنا أن ندعو الله سبحانه فنقول: (ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة)، كما يقول: (وهو الذي جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعضٍ درجاتٍ ليبلُوَكم فيما آتاكم)، ويقول: (تبارك الذي بيده المُلك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً)، إلى غير ذلك كله من الآيات الآمرة بالعمل، والحاثة على الإنتفاع بما سخّر الله لنا في هذه الحياة.
وبجانب هذا، نجد الرسول (ص) كان قدوة في العمل لأصحابه من المهاجرين والأنصار، فكان يشركهم في كل عمل تدعو إليه المصلحة، كان لا يجعلهم يخدموه كما تخدم الرعية ملكها أو أميرها الجبّار المتكبِّر الذي يأنف من العمل. وكذلك كان حاثاً بأقواله على الجد والعمل، مبيناً أنّه أمر شريف وواجب على الجميع، وأنّ الكسل وسؤال الناس أمر لا يتفق وعزّة الإنسان وكرامته.

ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام في هذا: "لأن يحتطب أحدكم حُزمة على ظهره خير من أن يسال أحداً فيُعطيه أو يمنَعه"، ويقول: "اليد العليا خير من اليد السفلى"، ويقول: "ما أكل أحد طعاماً قطُّ خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبيّ الله داوود كان يأكل من عمل يده".
ومن هذا وذاك، نجد بحق أنّ الدين الإسلامي ليس دين زهد وانقطاع عن هذه الحياة، وليس دين بطالة وتعطُّل عن العمل، وأنّه لا يُقِرّ ما عليه بعض الناس – الذين يزعمون أنّهم متصوفة – من ترك العمل والركون إلى التقاعد، واللجوء في معيشتهم إلى مُريديهم الذين ضلوا عن سواء السبيل.
ولعناية الإسلام بالدنيا والآخرة معاً، وبالفرد والمجتمع، وبالأُمّة والعالم، والإنسانية كلها، نراهُ يعني بالتشريعات والنظم التي تنظِّم العبادات والمعاملات وشؤون الحكم، ويهتمّ بالآداب التي ينبغي أن تسُود العلاقات بين الناس في كل حال، فهو لذلك كلّه شامل لشؤون الدين والدنيا والأُمّةِ والدولة في علاقاتها مع الدول الأخرى.
ومن ثمّ نجده كذلك يُعنى بشؤون الحكم، ويُبيِّن أنّه لابدّ للأُمّة من حاكم يجمع كلمتها، ويرفع من شأنها، ويقيم العدل بين جميع أبنائها، صغيرهم وكبيرهم، قويّهم وضعيفهم، كما يحدِّد العلاقة التي يجب أن تكون بين الحاكم والمحكوم، وبين الفرد والمجتمع، وبين الدولة وغيرها من دول العالم.
ونجد القرآن، في هذا وذاك كله وما يتصل به، يقول في بعض صفات المؤمنين: (الذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر).
ويقول في موضع آخر: (يا أيُّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم).
ويقول الرسول (ص): "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإن أُمِرَ بمعصية فلا سَمعَ ولا طاعة"، كما يقول في حديث آخر: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
وفي الحياة، يضطر المرءُ أن يعيش مع الصديق والعدوّ، وتوجد الدولة الموالية والأخرى المعادية لنا، وفي هذا ترى الدين يُفصِّل العلاقات التي يجب أن تكون بين هؤلاء وأولئك جميعاً، كما فصل النظم التي تجعل ممّن يتّبعها مواطناً صالحاًن مجاهداً لخير نفسه ووطنه، بل لخير البشرية جميعاً.►

المصدر: كتاب (الإسلام والحياة)

ارسال التعليق

Top