• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

طوبى للمتحابين في الله

عمار كاظم

طوبى للمتحابين في الله

في الإسلام هناك اهتمام كبير بتركيز العلاقات الإنسانية على أساس ثابت يخدم عقل الإنسان وقلبه وحياته، لأنّ علاقة الإنسان بالإنسان تترك تأثيرها على الكثير من جوانب حياته الداخلية والخارجية، باعتبار أنّ طبيعة العلاقة تخلق جوّاً من الألفة والمحبّة والحميمية بما يجعل الإنسان ينجذب إلى الآخر انجذاباً عقلياً وشعورياً. ولهذا فقد تحدّث الإسلام في الكتاب والسنّة عن مسألة الصداقة فيما يحتاجه الإنسان إلى هذه العلاقة، باعتبار أنّ الصداقة تمثّل الإنسان في الصديق الذي يساعد الإنسان ويعاونه ويكون موضع سرّه وأمانته وأنسه، لأنّ الإنسان لا يطيق الوحدة بل يحبّ أن يعيش مع الآخر لأنّه اجتماعي بالطبع، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات/ 10).

نعم، إنّ الإنسان كائن اجتماعي بالفطرة فهو لا يستطيع العيش وحيداً وهذه حقيقة يبرهن عليها واقع الحياة، ولما كانت الحياة الاجتماعية ميل فطري لدى الإنسان لذلك فقد اهتم الإسلام بها اهتماماً شديداً حيث نرى أنّ المشرّع الإسلامي يضع القوانين واللوائح التي تنظّم علاقة الإنسان بأخيه في المجتمع، وعلى صعيد الأفراد فالإسلام يحثّ المسلمين على التواصل فيما بينهم وتكوين العلاقات الحميمة بينهم حيث ذلك نراه صريحاً في كثير من أقوال وأفعال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث وردت جملة من تلك الأحاديث منها قوله: «المؤمن ألف مألوف ولا خيرَ فيمن لا يألف ولا يؤلف»، وقد جاءت الكثير من أقوال وحكم الإمام عليّ (عليه السلام) التي تؤكّد على هذا المعنى الذي يفيد الصداقة والأخوّة منها قوله (عليه السلام): «طوبى لمن يألف الناس ويألفونه على طاعة الله».

وبذلك يحث الإسلام الفرد على التعامل مع المجتمع وأن لا يكون انعزاليا، بل أكثر من ذلك إنّ الإسلام يقدّس الصداقة ويسميها (أخوّة في الله) ويعدّها من نِعَم الله تعالى على المؤمن وقد وردت العديد من الأحاديث في هذا المجال منها، قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما استفاد امرؤ مُسلِم فائدة بعد فائدة الإسلام مثل أخ يستفيده في الله».

ونظراً لأهميّة الصداقة في حياة الإنسان والتفاعل مع المحيط الخارجي لذا فقد ورد التشديد على اختيار الصديق الملتزم بأوامر الدِّين الحنيف الذي يدفع صديقه إلى نيل الدرجات العالية في السلوك البشري القويم نحو الإنسانية التي أرداها الله سبحانه وتعالى ودلّت عليها الأديان ومنها الدِّين الإسلامي، وهذا الحثّ قد ورد في العديد من الأحاديث النبويّة الشريفة منها ما وصى به (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ابن مسعود (رضي الله عنه): «فليكن جلساؤك الأبرار وإخوانك الأتقياء الزهّاد لأنّ الله تعالى قال في كتابه: (الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)». وقال أيضاً (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصيته لأبي ذر الغفاري (رضي الله عنه): «لا تصاحب إلّا مؤمناً». ومن أقوال سيِّد البلغاء الإمام عليّ (عليه السلام) حول ماهية الصداقة ومن هم الذين يجب أن نرافق أو نصادق: «لا تصحب إلّا عاقلاً تقياً ولا تخالط إلّا عالماً زكياً ولا تودع سرّك إلّا مؤمناً وفياً».

وبعد كلّ هذا العرض نستنتج عظم المنزلة التي يوليها الإسلام لموضوع الصداقة وذلك لإدراكه النتائج المترتبة عليها وعلى هذا الأساس يجب أن يدقّق كلّ منّا في شخصية الصديق الذي يطمأن إليه لأنّ تأثير الصديق على الإنسان أمر لا شكّ فيه فإن كان هذا الصديق من أهل الخير والصلاح ويدعونا إلى طاعة الله فقد فزنا بصداقته وأمّا إذا كان من أهل المعاصي أو اللهو أو اللغو فسيبعدنا عن طريق الله تعالى فبئس الصديق هو ويجب أن لا نتردّد في ترك مثل هذه النماذج السيِّئة حفاظاً على ديننا وكرامتنا ومجتمعنا.

ارسال التعليق

Top